في الثالث والعشرين من كانون الثاني 2019، تعرّف العالم على شاب فنزويلي مغمور اسمه خوان غوايدو، بعدما اعتبرته واشنطن وعواصم الغرب التابعة لها رئيساً لفنزويلا. كان من المفترض أن يصبح غوايدو زيلينسكي قبل زيلينسكي، أي بطلاً عالمياً للرجل الأبيض على أنقاض بلاده، ويعيد بذلك فنزويلا الثائرة ومواردها النفطية والمعدنية إلى كنف السوق الإمبريالي. مرّت أيام وأسابيع، ثم أشهر وسنون، تظاهر فيها غوايدو بأنه رئيس لبلده، أُخذت له خلالها صوراً تذكارية مع أسياد البيت الأبيض وعبيده في «الشرعية الدولية». لكن، رغم ذلك، كان كلما عاد إلى فنزويلا استقبله خاتم الجوازات في مطار كراكاس تحت صورة الرئيس التي لم تكن مرّة صورته، ولا تشبهه. لم تنته ولاية خوان غوايدو الوهمية بعد، لكن تاريخ صلاحيته بالنسبة لأسياده ولّى بعدما فشل في تحقيق أي إنجاز رئاسي طوال فترة تبوّئه سدّة الرئاسة، إلّا إذا اعتُبر «تعفيش» السفارات الفنزويلية من قبل الغوايدويين في العواصم التي مشت مع محاولة الانقلاب على مشيئة الثورة البوليفارية إنجازاً.كان خوان غوايدو دائماً مهدّداً من قبل «النظام الديكتاتوري القاتل». لكن، رغم انتحاله صفة رئيس الجمهورية، لم تأخذه السلطات الفنزويلية على محمل الجدّ. ولم يكن فشله من قلّة الدعم أو الجهد، فالدعم كان مطلقاً من ترامب وأصدقائه بمن فيهم رئيسا أكبر دولتين مجاورتين لفنزويلا ومشاركتين في الحصار عليها، دوكي في كولومبيا وبولسونارو في البرازيل. وحتى ريتشارد برانسون نسي رحلته الحلم إلى الفضاء للحظات ليعيش الحلم الأميركي في إعادة استعمار فنزويلا، فنظّم حفلاً راقصاً في مدينة كوكوتا الكولومبية على الحدود الفنزويلية أحيته باقة من نجوم «روتانا» اللاتينية، وكان من المفترض بعده أن يطوف خوان غوايدو فوق الحشد نحو قصر ميرافلوريس الرئاسي. لكن يبدو أن المنظمين ثملوا في حفل انتصارهم المبكر ونسوا ما أتوا من أجله. في صباح أحد الأيام الشديدة الحماسة في مسيرة غوايدو، 30 نيسان 2019، استفاق «الرئيس» قبل شروق الشمس ووقف أمام قاعدة عسكرية وأمر قيادة الجيش بالإطاحة بنيكولاس مادورو، رئيس البلاد الشرعي المنتخب من الشعب، وجلس ينتظر الانشقاقات بين الجنرالات الذين وعدوه بأنهم سيسيرون معه. تبيّن لاحقاً أن الخطة الانقلابية كانت مكشوفة وأن من وعد غوايدو بالانشقاق كان يستهزئ به، كما كان يفعل معظم الفنزويليين. في المحصلة بات خوان غوايدو اليوم مضرب المثل في الوهم الأميركي.
غوايدو اليوم مسخرة. لكن إذا عدنا إلى الزمن البعيد، زمن ما قبل كورونا، كانت واشنطن ترامب وبومبيو معجبة بتجربة غوايدو وتريد استنساخها حيث يجب. هكذا وصل مهرجٌّ إلى الحكم في كييف بعد انتخابات أشبه ببرنامج الألعاب التلفزيوني الياباني الشهير «الحصن» (Takeshi’s Castle)، حيث بدأت بما يقارب المئة متنافس وانتهت بفوز الأكثر قدرة على التأقلم مع تلقي الصفعات والدفعات. كان للبنان أن يمرّ بتجربة مماثلة، لكن الحمد لله الذي أنعم على هذا الوطن بإقصاء معظم مواطنيه عن إمكانية التّرشح لرئاسته. وفي هذا السياق، طافت زبدة غوايدو لبنان ميشال معوّض فوق كل من يقلّ عنه دسماً. Sorry، سامي!
نشرت «الأخبار» أخيراً مقالات ضمن سلسلة «مقاتلو الحرب الناعمة» تشرح كيف أصبح ميشال معوّض «زبدة شيا»، استناداً إلى وثائق صادرة عن السفارة الأميركية في بيروت أيام «العزيز جيف» وأخرى عن «مؤسسة رينيه معوّض». ما لم تقله المقالات هو أن ما تبيعه «معوّض» لـ«USAID» (وخمسين مؤسسة دولية أخرى كما قال ميشال معوّض لمارسيل غانم ليل الاثنين) هي أوهام. عندما نفضح أدوات الاستعمار في بلادنا، فهم ليسوا بالضرورة أدوات ناجحة، وقد يكونون مسخرة، تماماً مثل خوان غوايدو. لن ندخل في موضوع الدعاوى التي رفعها ميشو والست الوالدة على «الأخبار» أو اتهامنا بالإرهاب على شاشة تلفزيون منظومة المصارف لأننا نشرنا حقائق موثّقة، لكن ننصح مكتب المحاماة الذي عمل على الدعاوى الاستثمار في مدقّق لغوي، إذ تبدو وكأن من خطّها هو العلامة نديم الجميل. مشكلة معوّض ليست مع ما نشر، وهو يعرف ذلك، لكنه يحتاج إلى تهديد وهمي (a la Guaido) لكسب بعض التعاطف والأصوات في الأيام الأخيرة من الحملة الانتخابية.
معضلة ميشال معوّض وأمثاله اليوم بدأت يوم رأى شباب 2019 في الثورة عناءً كبيراً فارتضوا التغيير بديلاً وبدأوا البحث عمن يشبههم ليمثلهم، لينتهي الأمر عشية الانتخابات النيابية عام 2022 بأن أكثر ما يشبههم هو ما ساد منتصف آذار 2005. وبما أن الشعارات التي رُوِّج لها هي نفسها شعارات الماضي الـ14 آذاري، باتت أصوات «التغييريين» تقضم من أصوات غير المتغيّرين الذين يشبهونهم، بدل من أن تنقضّ على أصوات «السلطة» التي باتت محصورة، وفق الخطاب «التغييري»، بسلاح المقاومة وحلفائها. وبما أن كل المرشحين التغييريين سينزعون السلاح، وتبيّن أن شتم والدة جبران باسيل لا يصلح لشدّ العصب الانتخابي، لم يبقَ لميشو إلا التعويل على الـ«أم تي في» والتهويل ببعبع وهمي. فهو يقول إنه يواجه محاور إقليمية، لكنه في الواقع يتحسّس كرسيه النيابي الذي قد تسحبه خلسةً من تحت قفاه قوى «التغيير» التي تشبهه، وتسحب معه سخاء الـ«USAID» وأخواتها.