أخذت جمعية المشاريع الخيريّة قرارها خوض الانتخابات النيابية منفردة في دائرة بيروت الثانية قبل أشهر من موعد الاستحقاق. رغم الكثير من النقاشات، تمسّكت بخيارها وانخرطت في الانتخابات بلائحة منفصلة عن حزب الله وحركة أمل، بعكس تحالفاتها في العام 2018.لقي قرار «المشاريع» تفهّماً لدى حلفائها، وهي ما كانت لتتخذه لولا غياب خصمها التقليدي الرئيس سعد الحريري. إذ راهنت الجمعية على عدم مشاركة تيار المستقبل في الاستحقاق للحصول على أصواتٍ قريبة منها عقائدياً كانت تُصوّت للمستقبل عادةً.
حسابات «الأحباش» لم تُعلن على الملأ، لكن الاستقلاليّة تعني تمايزاً عن حزب الله يمكن أن يفتح أمام «الجمعية» أبواباً عربية وخليجية كانت عصيّة عليها سابقاً. كما أن «المشاريع» تريد العودة إلى الحياة السياسية بعد أكثر من 17 عاماً من الغياب، ولكن ليس بالصيغة نفسها التي كانت قائمة إبّان الوجود السوري. بعد جردة حساب الـ30 سنة الماضية من النجاحات والسقطات، يقيس قياديو «الأحباش» خطواتهم بميزان الذهب. لذلك، كان القرار بلائحة «لبيروت» مع مرشحيها عدنان طرابلسي وأحمد دبّاغ بالتحالف مع مستقلين وليس مع الثنائي.
لكن حسابات بيدر الجمعية التي توقّعت الحصول على أكثر من 20 ألف صوت تفضيلي لم تطابق حسابات حقلها. فلم تتمكن من الوصول إلى حاصلين ولا «قطفت» المستقبليين القريبين منها عقائدياً. هكذا، حصل طرابلسي ودبّاغ على 14 ألفاً و300 صوت مقابل حصول طرابلسي في 2018 على 13 ألفاً و18 صوتاً، فيما لم يشكّل المستقلون على اللائحة أي ثقل لها. فقد نال المرشحون السبعة 318 صوتاً فقط (تراوحت بين 124 صوتاً و3 أصوات). والأهم أنّ «المشاريع» لم تفلح في إقناع «البيارتة» بأنها مستقلّة. إذ إن حملة الإشاعات عليها لم تتوقّف، سواء بالتنمّر على أفكارها الدينيّة أو بتأطيرها بأنها حليفة للنظام السوري وحلفائه، ولو من تحت الطاولة. لكن الجمعية حافظت على «بلوكها» الذي لم يتأثر بالرشى الانتخابية أو بالحملات ولا حتّى بغياب مرشحي الجمعية بشكلٍ تام عن الإعلام المرئي. في المحصلة، رقم «الأحباش» كان الوحيد الذي ارتفع عن 2018 مقابل انخفاض أعداد الأصوات التفضيلية التي حصلت عليها كلّ القوى السياسية بما فيها حزب الله، وأثبتت بالتالي أنّ الـ12 ألف صوت تفضيلي التي حصل عليها طرابلسي في 2018 كانت «من عرق جبين الجمعية»، وأنّ حزب الله لم يجيّر له أكثر من 3 آلاف صوت تفضيلي كما رُوِّج سابقاً.

ماكينة حديدية
جمهور الأحباش حديدي، تماماً كماكينته الانتخابية التي كانت الوحيدة الفعلية العاملة في بيروت وشكّلت ملجأ للماكينات الأُخرى. الجميع من دون استثناء اتصل بها أثناء الفرز للإطلاع على الأرقام. وكان فريقها الذي تعدى الـ500 شخص، في غرفة العمليات تماماً كما داخل مراكز الاقتراع والفرز، وحده الذي يملك الخبرة الانتخابية اللازمة وتدرّب على أكثر من خطة. وكانوا جاهزين «من القلم وعلبة البنادول إلى الأجهزة الإلكترونية».
الاستقلاليّة تعني تمايزاً عن حزب الله يمكن أن يفتح أمام «الجمعية» أبواباً عربية وخليجية كانت عصيّة عليها سابقاً


وإذا كانت الجمعيّة حققت مكسباً في تأكيد تماسك شارعها، فإنّها أظهرت حجمها الفعلي الصافي من دون أن تتمكّن من تحقيق ضربات أكبر، وبقيت حركة سياسية قائمة على العقيدة الدينيّة. بالتالي، لا قدرة لديها على تسجيل خروق داخل منازل سنية مختلفة معها عقائدياً. وهو ما ينفيه مرشحها ومسؤول ماكينتها الانتخابية أحمد الصباغ الذي يؤكّد «أننا أثبتنا أن المشاريع هي أكبر كتلة سنية ولدينا استقلالية تعطينا راحة في خطابنا، وخرجنا من نظرية تحميلنا وزر ما يقوم به حزب الله أو تحميله وزر أعمالنا».
«كنا أعمدة الباطون الثابتة»، يقول دبّاغ لـ«الأخبار»، لافتاً إلى «أننا استطعنا استقطاب جمهور جديد رغم كل الحملات التي شنت ضدنا، وعدم قدرتنا على الظهور الإعلامي». ويضيف: «لم نندم. بالعكس، فقد حققنا ربحاً وصار لنا نائبان بدلاً من واحد»، لافتاً إلى أن الجمعية جيّرت أصواتها في الدوائر الـ15 التي لا مرشحين لها فيها لمصلحة مرشحين فازوا في الانتخابات، كما حصل مع حسن مراد في دائرة البقاع الغربي – راشيا، وقاسم هاشم في دائرة الجنوب الثالثة، وجان طالوزيان في دائرة بيروت الأولى.
يرفض المستشار السياسي لقيادة المشاريع أن تكون الجمعية أرادت الاستفادة من غياب الحريري، ويشدّد على أنّ «قرارنا بتشكيل لائحة من دون التحالف مع الثنائي جاء قبل إعلان رئيس المستقبل تعليق عمله السياسي»، معتبراً أنّ «النتيجة ربما كانت مختلفة لو كان الحريري مشاركاً لأن المنازلة ستكون حصراً بيننا وبينه».
وعن فتح العلاقات مع الدول الخليجية، يجيب: «لم تكن الأبواب مقفلة يوماً مع أي دولة سواء أكانت عربية أو أجنبية، ويدنا ممدودة لدول الجوار لأن هدفنا هو رفع عدد الدول الصديقة للبنان باستثناء العدو الصهيوني».