أنهت الجماعة الإسلامية تقييم وضعها الداخلي بعد الانتخابات النيابية وقبل خوض انتخاباتها الداخليّة. عجلة الورشة دارت لانتخاب مجلس الشورى والمجالس الجديدة التخصّصية والمناطقيّة. وتنتخب مجلس الشورى والمجالس المناطقية هيئة ناخبة مكوّنة من المنظَّمين من الفئة الأولى الذين يُطلق عليهم اسم «العاملين»، ويفترض أن تتوافر فيهم شروط معينة كأن يكون قد مضى وقت معيّن عليهم في العمل التنظيمي. ومن خلال احتساب عدد هؤلاء والمناطق التي ينتمون إليها يتم تحديد عدد أعضاء الشورى لكل منطقة، والمُرجّح أن يتألف من 40 عضواً منتخباً.المهمّة الأولى لمجلس الشورى هي انتخاب الأمين العام الجديد للجماعة بعدما أنهى عزام الأيوبي ولايتين متتاليتين. الأسماء المطروحة لخلافة الأيوبي كثيرة، منها: الشيخ سامي الخطيب، الشيخ عمر حيمور، الشيخ محمّد الشيخ عمّار والشيخ أحمد العمري، علماً أن العرف لا يقضي بالترشح رسمياً لخوض المعركة.
حتى الآن لا اسم توافقياً. وبالتالي، لن يُنتخب الأمين العام من الدورة الأولى، وهو ما كان يحصل في عهد الجيل المؤسّس حين كان الأمناء العامون المتعاقبون يحسمون الاسم قبل دخول أعضاء مجلس الشورى.
بحسب مصادر، فإن العمري هو الأوفر حظاً إذ إنه «محبوب» داخل الجماعة وقريب من تركيا التي يحمل جنسيتها ويقيم معظم أفراد عائلته فيها. وهو وجه معروف في الجماعة، وكان قد تسلّم أكثر من منصب قيادي داخلها، آخرها منصب نائب الأمين العام، إضافة إلى رئاسة هيئة العلماء المسلمين ورئاسة لجنة القدس في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين. رغم ذلك، هناك أسماء أخرى تمتلك حظوظاً عالية ولم تُحرق إعلامياً بعد. وهو ما يؤكده الأمين العام الشيخ عزام الأيوبي لـ«الأخبار»، مشيراً إلى أن ما يسوّقه البعض بأن العمري هو الأمين العام الجديد «لا أساس له من الصحة، وهذا الأمر لا يمكن حسمه إلا بعد انتخاب مجلس الشورى الذي ينتخب بدوره الأمين العام».

من هو الأمين العام؟
يرى المتابعون أنّ خيار الأمين العام الجديد يتحدّد وفق معيارين: الكتلة الناخبة وأولوية الجماعة في المرحلة المقبلة. تاريخياً، كانت الجماعة تختار أمينها العام من الشخصيات التي تمتلك وزناً دينياً والملمّة بالفقه الإسلامي، وعليه، إذا كانت هذه هي الأولوية، سيكون عمّار الذي لا حضور سياسياً له والملمّ بشؤون الفقه والدعوة هو المرشّح الأقوى. أما في حال كانت الأولوية لتعزيز الوضع الشعبي في المرحلة المقبلة استناداً إلى نتائج الانتخابات النيابية، والرغبة في لعب أدوار سياسية مستقبليّة، فهذا يعني أن المرشّح الأقوى هو من يمتلك حضوراً سياسياً، ما يرفع حظوظ العمري. غير أن المصادر نفسها تلفت إلى أن المرشح الأقوى الذي لم يخرج اسمه إلى الإعلام حتى الآن هو النائب عماد الحوت، إذ إن الرجل عزّز حضوره التنظيمي في الفترة الأخيرة، كما أن انتخابه نائباً وترؤسه المكتب السياسي داخل الجماعة يجعلان منه المرشح الأقوى لتعزيز دور الجماعة السياسي. فيما يعتقد آخرون أن الحوت يواجه صعوبات، من بينها عدم قدرته على حصد أصوات كافية في مسقط رأسه بيروت تخوّله أن يكون عضواً في مجلس الشورى في الدورة السابقة، فيما أتى ترؤسه المكتب السياسي بـ«دفشة» من الأيوبي.
غير أن طرح الحوت الذي كان سابقاً رأس حربة في مواجهة حزب الله لا يعني أنه في حال انتخابه أميناً عاماً سيعيد عقارب الساعة إلى ما قبل التوافق مع حزب الله برعاية حركة حماس، إذ إن الأيوبي أكّد أكثر من مرة أن التقارب مع الحزب أمر متفق عليه من قبل كل دوائر القرار داخل الجماعة. كما أن الحوت ملتزم بالتهدئة، ولم يُسجّل له أي موقف منتقد للحزب منذ أكثر من ثلاث سنوات. والأمر نفسه ينطبق على العمري الذي كان يهاجم الحزب حين كان يقطن في حي الأكراد في برج البراجنة إذ تسجّل له مواقف مشابهة منذ سنوات.
الحوت والعمري وعمّار الأوفر حظاً لمنصب الأمين العام


وإذا كان البعض بدأ، داخل الغرف المغلقة، يجهر بمعارضة خيار الحوت والعمري، يستبعد المتابعون أن يؤثر هذا التباين على مستقبل الجماعة، كما حصل في عهد الأيوبي عندما تحوّلت الحساسيات بين الجيل الثاني إلى أجنحة انقسمت حول كل الملفات. وهو ما يستبعده أيضاً الأيوبي الذي عصفت الخلافات ببداية عهده وخرجت إلى العلن، مشدّداً على أن «التجربة لم تكن سهلة. لكنّ الجماعة تمكّنت من البقاء وأثبتت أن المؤسسات هي التي تحكم، ونقلت الإدارة من الجيل المؤسس إلى الأجيال الأُخرى. وبالتالي، فإن التباينات السابقة لن يكون لها مكان في الأيام المقبلة، بعدما قطعت الجماعة المرحلة الانتقالية بسلام».
وبحسب المصادر، فإن الجيل الثاني صار أكثر نضجاً وحنكةً في التعامل مع الأمور وهذا ما ظهر جلياً في القسم الأخير من العهد الثاني للأيوبي، بعدما تعهّد الجميع بأن تكون مصلحة الجماعة فوق كل اعتبار، وبالخضوع لقرار مجلس الشورى بعد انتخاب الأمين العام الجديد، بغضّ النظر عن موقفهم منه. «في نهاية المطاف، ميزان القوى سيؤدي إلى فرض معادلة تُرضي معظم الأطراف. فقد وصل الجميع إلى الاستنتاج بأنّ الخلافات الداخلية تأكل من رصيد التنظيم وتؤدي إلى تراجع شعبيته، ولا مصلحة لأحد بذلك». وهذا ما أثبتته الانتخابات النيابية الأخيرة، إذ تدرك الجماعة أن فوزها اليتيم في بيروت لم يكن ليتحقق لولا «أبّة باط» من تيار المستقبل مكّنتها من إيصال الحوت إلى البرلمان، فيما لم يتحقق حلم الجماعة بالغرف من صحن تيار المستقبل.

العلاقة مع حزب الله
العلاقة مع حزب الله ليست خياراً يمكن أن تطرأ عليه أي تعديلات أياً يكن الأمين العام الجديد، وفق المتابعين، إذ إن هذا الأمر هو مطلبٌ أساسي لحركة حماس المرتبطة بالجماعة.
لذلك، فإن أبواب الحوار مع الحزب مفتوحة وستبقى، والزيارات قائمة بشكل دوري، وآخرها زيارة رئيس المجلس السياسي للحزب السيّد ابراهيم أمين السيّد على رأس وفد إلى مقر الجماعة قبل 10 أيّام، وقبلها زيارة الأيوبي إلى مقر المجلس السياسي لحزب الله.
يؤكد الأيوبي أنّ البحث في التحديات المشتركة بين الجانبين مستمر. لكنه لا ينفي أن اللقاءات لا تزال أشبه بهدنة يتعايش الطرفان تحت سقفها، بإشارته إلى أن «لا جديد وإلا كنا قد أعلنّا عنه».
القواسم المشتركة بين الطرفين معروفة، تماماً كالملفات الخلافيّة، ومع ذلك لم يجد الطرفان ما يمكن تطويره وتفعيله على مستوى التعاون. هما مثلاً يؤكّدان على خيار المقاومة، لكنّ الأيوبي ينفي وجود أي تنسيق على المستوى العسكري، «وكل منا يعمل بشكل مستقل»، فيما يؤكد أن لا معلومات حول أي أطر تعاون على المستوى العسكري في الداخل اللبناني بين الحزب وحماس.
تشير المعلومات إلى أكثر من اجتماعٍ عُقد بين الطرفين قبل الانتخابات النيابية للبحث في التحالف في أكثر من دائرة انتخابية ولا سيّما في البقاع الشمالي، حيث كان يفترض أن يكون للجماعة مرشح على «لائحة الأمل والوفاء». تتعدّد الروايات في هذا الشأن، إذ يؤكد البعض أنّ طرفاً داخل الجماعة عارض هذا الأمر بشدّة و«فركش» هذا التحالف، فيما يشير آخرون إلى أن الطرفين كان يرغبان بالتحالف جدياً واجتمعا أكثر من مرة قبل أن يصلا إلى قناعة بأنه سيُسبب إحراجاً للطرفين. في حين يشدد الأيوبي على أن الأمر «لم يُطرح جدياً بل كانت هناك قراءة مشتركة للانتخابات في حينه».
أما علاقة الجماعة مع القوى السياسية الأُخرى فتبدو معتدلة، باستثناء تميّزها مع الرئيس نجيب ميقاتي الذي تربطه بالأيوبي «علاقة حميمة»، وهو ما ظهر في تسمية الحوت له خلال الاستشارات النيابيّة، وإن كان قياديو الجماعة يبرّرون الأمر بأنّ «ميقاتي كان يحتاج إلى خيمة سنيّة للاحتماء فيها ونحن نعدّ جزءاً منها»، علماً أن هذا الأمر أثار خلافات في وجهات النظر بين من يريد تسمية ميقاتي ومن يرفض الأمر بشدّة، قبل أن يحسم المكتب السياسي الذي اجتمع برئاسة الحوت وحضور الأيوبي المسألة.
وإذا كانت العلاقة مع الرئيس سعد الحريري مقطوعة، تكتفي الجماعة حالياً بالتنسيق مع بعض مسؤولي المناطق في تيار المستقبل. فيما هناك قرار بالتنسيق مع النائب نبيل بدر بشأن العاصمة بيروت وقضاياها، أما في الملفات السياسية الأُخرى فإن التباينات بين الطرفين تصعّب التحاق الحوت بالكتلة التي كان ينوي بدر تشكيلها.
في المحصّلة، بقيت الجماعة على قيد الحياة رغم الأجنحة التي نمت داخلها، إلا أنها لم تنجح في الحصول على أكثر من نائب. فيما تبدو الآن حائرة بين أن تلتزم بخيار الثورة على المنظومة الحاكمة والذي اتخذته بالمشاركة في التحركات الاحتجاجية وإقفال الطرقات في حينه، وبين مساكنة النظام كما تفعل حالياً عبر التنسيق مع القوى السياسية وخياراتها في الملفات الداخليّة. وهي كالعادة تُمارس «تقيّتها السياسية» على طريقتها.



لا تقدّم مع الرياض وتراجع الحساسية مع طهران
لا تبدو الجماعة الإسلامية في صدد إدخال تعديلات على علاقاتها الخارجية المحكومة فيها أصلاً كونها جزءاً من جماعة الإخوان المسلمين. لكنّ قياديّيها يؤكدون أنّ هناك مبالغات في شأن علاقتها بتركيا، مؤكدين أن أنقرة لا تتدخّل في قراراتهم.
أما مع السعودية، فلم تتمكّن الجماعة من تسجيل أي خرق، ويدرك قياديوها أن لا إمكانية للالتقاء مع الخصم الإيديولوجي. وبالتالي، فإن استقبال السفير السعودي وليد البخاري للحوت قبل أسبوعين يضعه هؤلاء في إطار «اللقاء البروتوكولي» الذي لم يتخلّله أي حديث عن أي ملف، بل كانت الصورة هي أهم ما حدث. لكنهم يبدون ارتياحهم إلى أن المملكة لم تكرر في الاستحقاق النيابي الأخير ما فعلته خلال انتخابات 2018 عندما رفعت مستوى التجييش ضد الجماعة إلى أقصى حد.
أما العلاقة مع إيران، فلم تعد إلى سابق عهدها. ولكن يؤكد المتابعون أن الحساسية تجاه إيران تراجعت، وهذا ما بدا واضحاً بعد المشاركة في عدد من النشاطات التي ترعاها المستشارية الثقافية الإيرانية.