هم ليسوا أشباحاً. وهم بالتأكيد، لم يأتوا من عالم موازٍ، ولا هبطوا على بلادنا من علٍ. وقبل كل ذلك، هم ليسوا «أجانب»، كما يريد البعض لنا اليوم أن نراهم. منهم من ترك دراسته الجامعية، ومنهم من ترك وظيفته الرسمية، ومنهم من كان في الحوزة الدينية، أو كان يعمل بالتجارة في بلاد بعيدة... كل منهم وصلته أخبار الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، بطريقة مختلفة. لم يتأخروا أبداً، تحرّكوا في اللحظة، كأنهم أُعدّوا لهذه المهمة التي ستطول، مُسبقاً. حضروا جميعاً، تعرّفوا إلى بعضهم في المساجد والأحياء الفقيرة، وفي الطريق إلى خطوط المواجهة.
مواجهات خلدة حزيران 1982 - المصوّر يوسف بدرالدين

وفي حين دفن آخرون سلاحهم في التراب، تداعوا هم للقتال، ووقفوا إلى جانب زملاء لهم في تنظيمات أخرى أمام أرتال الدبابات، وأسراب الطائرات، والأساطيل الإسرائيلية والغربية. أبدعوا الطرائق، ورسموا المسارات، وأحبطوا المؤامرات، وبذلوا التضحيات، في معركة كان ولا يزال عنوانها الأكبر: «إزالة إسرائيل»، حتى صاروا «حزب الله» الذي نعرفه اليوم. المقاومة الإسلامية اللبنانية، ذات التأثير الإقليمي الواسع، والتهديد الأقرب والأخطر على وجود كيان العدو. هنا حكايات تخصّ المقاومة الاسلامية على مدى اربعين عاماً، وليست حكايات كل المقاومين الذين قاتلوا واستشهدوا. حاولنا فيها التعرّف إلى وقائع وحقائق، ربّما رُوي بعضها من قبل، وبعضها نأمل في أن نكون قد نجحنا في إخراجه من خزانة أسرار «حزب الله» الكبيرة والعميقة، على لسان - وبعيون - واحد من القادة الأساسيين في «المقاومة الإسلامية في لبنان»، وأحد الذين واكبوا هذه «الظاهرة» منذ يومها الأول، ليس من موقع المراقب، بل المنفّذ والمبادر، حينها، والقائد الأساسي اليوم. حديث امتدّ لساعات طويلة، عرّجنا خلاله على مختلف المراحل التي مرّت فيها المقاومة، منذ معركة خلدة في الأيام الأولى للاجتياح الإسرائيلي عام 1982، إلى حرب تموز 2006، آخر حرب مباشرة وواسعة مع العدو، ومنها إلى تحدّيات اليوم الراهنة، حيث تقترب المقاومة، والعدو في المقابل، إلى لحظة الحقيقة، التي لا يشكّ القائد الجهادي الكبير، أنها ستكون حرباً مختلفة لا تشبه أيّاً من سابقاتها، وأن العدو سيجد نفسه على شفير النهاية.