في حادثة ليست الأولى من نوعها، تشتبه جهات رسمية، أمنية وقضائية، بأن ضابطاً وعناصر في جهاز أمن الدولة عذّبوا موقوفاً سورياً أثناء التحقيق معه وضربوه حتى الموت.وفيما حاول المتورطون لفلفة الجريمة بالزعم تارة أنّ الموقوف بشار عبد السعود توفّي جراء إصابته بذبحة قلبية بعد تناوله حبّة «كبتاغون»، وتارة أخرى بسبب تعاطيه جرعة زائدة من المخدرات، بيّنت معاينة الجثة أن الموقوف تعرّض لتعذيب وحشي أسفر عن إصابته بذبحة قلبية أدّت إلى وفاته. وأظهرت صور اطّلعت عليها «الأخبار» آثار ضرب وحشي وجلد لم يترك مكاناً في الجثة من دون جروح وكدمات. وبعد الجريمة، حاول المتورطون التستّر عليها بتسريب معلومات عن «إنجاز أمني» حقّقه جهاز أمن الدولة بتوقيفه، في منطقة بنت جبيل هذا الأسبوع، أفراد خلية لتنظيم «داعش» شاركوا في جرائم قتل في سوريا. كما سرّبوا معلومات تفيد بأنّ الضحية الذي «كان تحت تأثير المخدرات»، والذي أسبغوا عليه صفة «قيادي في داعش»، حاول مهاجمة المحقق في مكتب بنت جبيل الإقليمي التابع للجهاز، وأن العناصر أمسكوا به لتهدئته، قبل أن يصاب بنوبة قلبية استدعت نقله إلى المستشفى «حيث توفي». علماً أن صراخ الموقوف أثناء تعذيبه وجلده بـ«نبريش» كان يُسمع في أرجاء سراي تبنين حيث كان يجري «التحقيق» معه.
وفيما يُنتظر تقرير الطبيب الشرعي الدكتور غالب صالح ليُبنى عليه المقتضى، يجري تداول معلومات عن ضغوط كبيرة تمارس للفلفة القضية. علماً أن هناك من يحذر من احتمال خضوع الطبيب نفسه للضغوط، خصوصاً أن لكثيرين من الأطباء الشرعيين سوابق لهم في هذا المجال. واللافت أن القضاء العسكري، ممثلاً بالقاضي فادي عقيقي، كلّف الضابط (ملازم أول) الذي يرأس المكتب نفسه حيث عُذِّب الموقوف وقُتل، بالاستماع إلى العناصر والتحقيق في الحادثة! علماً أن أبسط القواعد العلمية والقانونية تفرض تكليف لجنة أطباء شرعيين بالكشف على الجثة وتكليف جهاز أمني محايد بالتحقيق تحت إشراف مباشر من قاضي التحقيق العسكري!
وكان جهاز أمن الدولة وزّع في 29 آب الماضي خبراً عن توقيف «خليّة تنتمي إلى تنظيم داعش، سبق لها أن قاتلت في سوريا، وانتقلت إلى لبنان بطريقة غير شرعيّة، وأقامت في إحدى القرى الحدوديّة في الجنوب، وتابعت عملها في المراقبة الأمنيّة للمنطقة، بالإضافة إلى قيامها بإدارة شبكة لترويج العملة الأجنبية المزيّفة والمخدّرات، بهدف تمويل عملها ومهامّها الموكَلة إليها». علماً أن المعطيات حول التحقيقات لا تحسم انتماء الموقوفين إلى «داعش»، حتى ولو كان بينهم من سبق له أن شارك في الحرب السورية إلى جانب المسلحين. كما أن الرواية عن أن مهمة هذه الخلية جمع معلومات عن «الموالين للنظام» تبدو سخيفة في الواقع الحالي.
حاول المتورطون التستّر على الجريمة بتسريب معلومات عن اعتقال خلية لـ «داعش»


وتعود القضية إلى 18 آب المنصرم، عندما أوقفت دورية من مكتب أمن الدولة في بنت جبيل كلاً من محمد المحمد (مواليد 1994) وأسامة الخالد (مواليد 1992) لمحاولتهما تصريف ورقة نقدية من فئة 50 دولاراً مزورة في بلدة رميش. وبالتحقيق معهما اعترفا بأنهما حصلا عليها من أشخاص سوريين في بلدة عيتا الشعب، عمل عناصر المكتب على توقيفهم، وهم: سامر الدريج (مواليد 2001) وخلود فتحي (مواليد 1995) وإسماعيل الحاجي ورشاد الصبخ (مواليد 1997) ومازن مصلح (مواليد 2001). أحد هؤلاء، بحسب رواية أمن الدولة، اعترف بانتمائه إلى «داعش» وقتاله إلى في صفوفها في سوريا. وقد أوقف عناصر أمن الدولة 4 سوريين في بلدة حداثا في 25 آب والسوري مالك الشحادة المقيم في عيتا الشعب في التحقيق المرتبط بالعملة المزورة. وبناء على اعترافات الموقوفين، أوقفت القوة الضاربة في أمن الدولة عبد السعود في صبرا في بيروت، واقتادته إلى مكتب تبنين للتحقيق معه. وهناك تعرّض لضرب مبرح حتى الموت.
الطامة الكبرى أنّ القيمين على «أمن الدولة» الذي يُتهم بأنه جهاز عديم الإنتاجية يجتهدون لتغيير هذه الصورة، لكن في كل مرة تقع كارثة يرتكبها عناصر وضباط بقلة مسؤولية تطيح بكل هذه الجهود، حتى يكاد يصح الاعتقاد بأن المصيبة ليست في عدم إنتاجية الجهاز، وإنما في هذا النوع من «الإنتاجية» التي تقود إلى نتائج كهذه.