لن يرفّ جفن لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي حتى ولو «فطس» اللبنانيون جميعاً بسبب انقطاع التيار الكهربائي في أشد الأيام حرارة، طالما أن منازله في لبنان، وبطبيعة الحال في بلدان العالم «الأول»، مضاءة، وطالما أن السفارة الأميركية وبقية أوكارها السرية والمعلنة «مشعشعة». وهو، كرمى لعيون دوروثي شيا و«معلّميها» في واشنطن، لن يزعجه أن يواصل الهواية الأحبّ إلى قلبه: المماطلة وعدم قول الحقيقة.مع «صفر كهرباء» - وقريباً ربما «صفر اتصالات» - همّ ميقاتي الأوحد إرضاء أميركا التي تملك دفتر عقوبات تضيف إليه من تشاء وتستبعد منه من تشاء، حتى ولو ابتلعت العتمة كل شيء. وهو مستعد للانتظار إلى أبد الآبدين «إذن» واشنطن الذي لن يأتي لاستجرار الغاز المصري والكهرباء الأردنية، على أن يشكّل وفداً يزور طهران للبحث في العرض الإيراني بتزويد لبنان بالفيول مجاناً. و«الميقاتي» أشطر من عليها في ابتداع الحجج والذرائع، مرة للتأكد من أن الهبة غير مشروطة، وأخرى للتأكد من مجانيتها، ومرة ثالثة للتأكد من المواصفات... حتى إذا ما أعيته الحجج لجأ إلى وضع الشروط على طريقة «شحّاد ومشارط»!
فمنذ أن أعلن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الشهر الماضي استعداد إيران لتزويد معامل الكهرباء اللبنانية بالفيول مجاناً، بعد موافقة الحكومة اللبنانية، يدور الجدل عن الأسباب التي تمنع الحكومة ورئيسها من طلب المساعدة أو قبول الهبة. ومع أن ميقاتي يستمر في استخدام حجج ملتوية للتهرب من الموافقة الرسمية. فبعد اللقاء الذي جمع رئيس الحكومة بالسفير الإيراني الجديد محتبى أماني لتقديم الأخير أوراق اعتماده، وتمّ التداول خلاله بالملف، استمرت الاتصالات لمناقشة ما يحتاجه لبنان وما تستطيع إيران أن تقدمه، وفقاً لورقة المواصفات التي أرسلتها وزارة الطاقة في تموز الماضي إلى السفير الإيراني في بيروت بعنوان «متطلبات إنتاج الطاقة الكهربائية» مرفقة بجداول مفصلة عن مواصفات الفيول والكميات المطلوبة. وقد أرسل السفير الإيراني الورقة إلى بلاده وجاء الجواب بأنها مؤمّنة، ولكن المطلوب أن توفد الحكومة اللبنانية وفداً رسمياً للتنسيق في الأمور التقنية.
رئيس الحكومة يواصل المماطلة ويريد من طهران 8 ساعات تغذية

وقالت مصادر مطلعة إن «ميقاتي عاد وتحدث عن عدم مطابقة الفيول الإيراني للمواصفات، علماً أن ذلك ليسَ صحيحاً»، مشيرة إلى أن هناك «نقطة وحيدة يمكن معالجتها وهي احتواء الفيول على نسبة عالية من الكبريت، وهو أمر واجهناه مع الفيول العراقي». وكشفت المصادر أن «الجهات التي تعمل على حل هذا الملف عرضت على ميقاتي حليّن لذلك: الأول، الاستعانة بشركة متخصصة تعمل على خفض نسبة الكبريت في الفيول عبر استخدام مواد معينة، وهناك تجارب سابقة للبنان في هذا المجال. إذ تمت الاستعانة في التسعينيات بشركة سويسرية لمهمة كهذه. والثاني، اعتماد الخيار الذي اتبعته الدولة مع الفيول العراقي عبر إجراء عملية استبدال (swap) مع شركة خاصة تزوّد لبنان بنفط مطابق». وعلمت «الأخبار» أن الخيارين نوقشا مع رئيس الحكومة، وطلبَ إليه التواصل مع نظيره الإيراني أو تشكيل وفد ليزور طهران، علماً أن وزير الطاقة وليد فياض يدفع في اتجاه تشكيل الوفد ولا يمانع أن يذهب هو شخصياً إلى إيران للبحث فيه. وقالت مصادر وزارية إن «مستشاراً من وزارة الطاقة زارَ السفارة الإيرانية في بيروت أخيراً لهذه الغاية».
ويقول معنيون بالملف إن «الجانب الإيراني لن يرضى بإرسال الهبة من دون موافقة رسمية مسبقة خشية أن تصل البواخر إلى بيروت فتسحب الدولة اللبنانية يدها من الأمر وترفض استلام الفيول خوفاً من الغضب الأميركي». إلا أن المفارقة تكمن في طلبات مستجدة لرئيس الحكومة الذي «يسأل عن إمكان أن تؤمّن إيران فيولاً يكفي لنحو 8 ساعات من التغذية يومياً، تضاف إلى ساعتَي تغذية يؤمنهما الفيول العراقي وساعتين أخريين يمكن تأمينهما عبر اتفاق مع شركة سوناطراك الجزائرية». واستغربت المصادر هذا «الطلب غير المنطقي»، وسألت: «كيف يمكن أن نشترط أن تكون الهبة كافية لتأمين هذا العدد من ساعات التغذية، وهو ما لم يؤمنه الفيول العراقي الذي ندفع ثمنه؟»، مشيرة إلى أن كل ذلك «مجرد حجج وعقبات يضعها ميقاتي لتبرير عدم قبول الهبة بشكل رسمي، وذلك بطلب من السفيرة الأميركية في بيروت».