هل يزور الرئيس نجيب ميقاتي رئيس الجمهورية العماد ميشال عون اليوم لحسم ملف تشكيل الحكومة؟السؤال استجدّ بعد بروز أسئلة وسط استعدادات رجحت قبل يومين أن يعلن ميقاتي حكومته «المعوّمة» أو المعدّلة بما يراعي المعايير التي رُسمت لها لتكون «حكومة رئاسية» بديلة في حال الشغور الرئاسي. لكن بعيداً من الأوهام، ثمة من القوى السياسية من يعتقِد أن «لا زيارة اليوم، على عكس ما جرى الترويج له»، وما أشار إليه الرئيس المكلف خلال آخر زيارة لرئيس الجمهورية بأن «المشوار الجاي لو بدّي ضل نام هون مش رح فلّ إلا ما تتشكّل الحكومة». فالأجواء الإيجابية التي تركها ميقاتي، عند مغادرته إلى نيويورك للمشاركة في أعمال الجمعية العمومية للأمم المتحدة، تبدلّت. وهو عبّر عن ذلك في تصريح له من هناك حين أشار إلى أن «الحكومة واقفة على وزير من هنا ووزير من هناك»، لكن «ثمّة معطيات تتعلّق بأكثر من الوزراء على ما يبدو».
على أن الأجواء الإيجابية لم تغب تماماً. ويبدو واضحاً بالنسبة لكبار اللاعبين أن ميقاتي ومعه حلفاء من لبنان اقتنعوا بأن لا بديل عن تشكيل حكومة قبل نهاية ولاية الرئيس عون، وقرأ البعض اجتماع دار الفتوى السبت الماضي بأنه إشارة إضافية على ضرورة تشكيل الحكومة. علماً أن التفاؤل ظل موجوداً عند الوسيط الأساسي، أي حزب الله، الذي واصل خلال الساعات الماضية جهوده على جبهتي الرئيسين عون وميقاتي.
معلوم أن حزب الله بادر للمرة الأولى قبل نحو عشرة أيام بإبلاغ جميع المعنيين بالملف، أنه لم يعد مقبولاً تحت أي ظرف عدم تشكيل الحكومة. وأعرب عن استعداده للعب دور مباشر لتسهيل الأمر بين عون وميقاتي. وكان البارز الاجتماع الذي عقده ميقاتي مع المعاون السياسي للأمين العام لحزب الله الحاج حسين خليل، الذي بقي على تشاور مع الرئيس نبيه بري من جهة ومع القصر الجمهوري ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل من جهة ثانية. وقد حسمت خلال الاجتماع الثوابت التي تقول بأن عدم تشكيل الحكومة سيتسبب بمشكلة وطنية كبيرة لأن الرئيس عون وفريقه السياسي إضافة إلى قوى مسيحية أخرى سيرفضون الإقرار بأن هذه الحكومة قادرة على تولي صلاحيات الرئيس في حالة الشغور، كذلك من أن هناك مخاوف من انسحاب الوزراء المحسوبين على الرئيس عون والتيار الوطني من الحكومة ما يفقدها شرعيتها الوطنية والميثاقية ويدفع البلاد نحو ما هو أكبر من فوضى دستورية.
وبعدما استقرت الأمور على عدم وجود حاجة إلى فرض عقبات تمنع تشكيل الحكومة، استقرت جهود حزب الله عندَ أمرين: إما أن يسمّي عون بالتوافق مع رئيس الحزب الديموقراطي طلال إرسلان الاسم الدرزي البديل عن الوزير عصام شرف الدين، ويسمي بديلاً عن الوزير أمين سلام بالتوافق مع نواب عكار السنة، خصوصاً أن ميقاتي كان صريحاً في قوله إنه يسعى إلى نيل ثقة كتلة الحزب الاشتراكي وكذلك كتلة سنة عكار، ولذلك يفضل عدم اختيار بديل عن شرف الدين يكون مستفزاً للنائب السابق وليد جنبلاط (علماً أنه أكد عدم تدخله في التسمية)، كما أراد الوقوف على خاطر الكتلة النيابية السنية العكارية من خلال التنسيق مع أعضائها في اختيار البديل عن وزير الاقتصاد.
ميقاتي يوفد إبراهيم إلى بعبدا وباسيل يدعو لمناقشة الوظيفة والدور


إلا أن النائب باسيل فاجأ القوى المعنية بالتأليف بإعلانه «عدم تمسكه بتسمية الوزيرين السني والدرزي ورفضَ الأسماء التي حملها الوزير صالح الغريب إليه موفداً من إرسلان»، مشيراً إلى عدم ممانعته التخلي عن الوزيرين الدرزي والسني لكل من جنبلاط وميقاتي مقابل أن يأخذ هو وزيرين مسيحيين أحدهما نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي الذي لم يعترض ميقاتي على تغييره. علماً أن تسريب هذا الموقف أثار استياء ونقزة إرسلان الذي كانَ يمنّي النفس بالاحتفاظ بمقعد وزاري بعدَ خسارته المقعد النيابي.
تجدر الإشارة هنا إلى أن إرسلان سمع نصائح من أصدقاء بضرورة التوجه صوب الرئيس عون والنائب باسيل للاتفاق على هذا الجانب، وعندما تبين أن طرح اسم الوزير السابق صالح الغريب سيتسبب بمشكلة ربطاً بالأحداث الدموية المعروفة بحادثة قبر شمون، أبدى الغريب استعداده لسحب ترشيحه وقصد باسيل للبحث معه في البدائل، انطلاقاً من كون باسيل كما الرئيس عون ليسا في وارد مراعاة جنبلاط أو حتى ميقاتي في ما خص حصة الرئيس الوزارية.
وقالت أوساط باسيل إن الأخير كان واضحاً في كل الاتصالات من أن هناك مبدأ يجب الحفاظ عليه، وهو أن الحكومة الحالية مشكّلة وفق توازن سياسي يجعل كل وزير محسوب على طرف أو مرجع رئاسي، بالتالي فإنه في حال فتح باب التغييرات، فإن الرئيس عون هو من يقرر التغيير في حصته كما هي حال بقية الأطراف، ولن يكون بمقدور أحد أن يفرض على هذه الجهة أو تلك تعديلات أو تسميات. ولفتت أوساط باسيل إلى أن النقاش حول أفكار كثيرة تتعلق بالحكومة وتركيبتها وحجمها ودورها لا تزال تحتاج إلى نقاش بين عون وميقاتي.
هذه التوضيحات من جانب أوساط باسيل، جاءت رداً على ما انتشر خلال الساعات الماضية من أن عون وباسيل وضعا شروطاً جديدة لميقاتي وأن رئيس الجمهورية لن يوقع مرسوم الحكومة إلا بعدَ تعهد ميقاتي بالقبول بها ومن بينها «الإطاحة بحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، توقيع مرسوم ترقية ضباط دورة الـ 1994، إحالة ملف النازحين ليكون في عهدة التيار الوطني الحر، إضافة إلى شروط أخرى». وقالت أوساط باسيل إن «الكلام غير صحيح وإن كل ما يتصل بالنقاش هو ما يخص دور الحكومة في المرحلة المقبلة، لأنه لا يمكن تشكيل حكومة من دون الاتفاق على ما ستقوم به، والرئيس عون لا يريد حكومة لتصريف الأعمال فقط».
مصادر معنية بالتشكيل جزمت أن «الحكومة ستولد قريباً، لكن ليسَ بالضرورة خلال ساعات أو أيام وهناك حاجة لمزيد من التشاور»، في حين أشارت مصادر رئيس الحكومة إلى أن «جولة الأسبوع الحالي عنوانها جس النبض لاستكشاف حقيقة المعلن والمُضمَر والتأكد من الشروط الجديدة التي وصلت إلى مسامِع ميقاتي»، مشيرة إلى أنه «في حال لم يدخُل مُعطى مفاجئ فإن الحكومة ستبصِر النور هذا الأسبوع».
هذه الشروط التي يجري التداول بها، خفضت منسوب التفاؤل، ودفعت حزب الله إلى التحرك من جديد للاستيضاح عن بعض المستجدات وعمّا إذا كانَ ميقاتي يريد التنصل من الالتزامات التي وعدَ بها ودوّنها أمام الوسطاء الذين زاروه في مكتبه قبلَ مغادرته إلى الولايات المتحدة، أم أنها حركة من رئيس الجمهورية لتفادي كأس التراجع عن السقوف التي وضعها، وذلكَ بعدَ أن تنازل عن مطلبه بتوسيع الحكومة إلى 30 وزيراً من خلال ضمّ ستة وزراء سياسيين إليها تُسميهم القوى السياسية.
وفي غمرة هذه السيناريوهات والتطورات، تأكد ليل أمس أن ميقاتي لن يزور القصر، تاركاً الأمر للمدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم. وعلمت «الأخبار» أن «ميقاتي أكد أنه لم يتبلّغ أي مطلب أو شرط رسمي من عون أو باسيل»، لكنه «سينتظر إبراهيم الذي سيجتمع به قبلَ أن يزور بعبدا ثم يجتمع به بعدَ ذلك لمعرفة ما في جعبة رئيس الجمهورية وباسيل. فإما أن الاتفاق الذي سبقَ سفره لا يزال ساري المفعول ويجري السير به فيتجه ميقاتي إلى بعبدا أو تتأكد المعلومات حول وجود شروط جديدة وبذلك نكون قد عدنا إلى نقطة الصفر».
أما في ما يتعلق برئيس مجلس النواب نبيه بري الذي شدد في حديث لصحيفة «الشرق الأوسط» على «تشكيل الحكومة لئلا تدخل البلاد في فوضى دستورية»، فلا يزال خبر استبدال وزير المالية يوسف خليل بوزير آخر (النائب السابق ياسين جابر) قيد الكتمان، علماً أن ما حصل بين بري وخليل خلال جلسة الموازنة ما قبل الأخيرة حمل إشارة واضحة برغبة رئيس المجلس بتغيير وزير المال. وعلمت «الأخبار» أن بري لم يتدخل في التعديلات أو الأسماء التي تتعلق بالحقائب والوزارات قيد النقاش بين عون وميقاتي، لكنه حريص على أن لا يقبل رئيس الحكومة بأي مطلب من مطالب عون وباسيل إلا بعد أخذ تعهد بحصول حكومته على ثقة نواب التيار». بينما لا يزال جنبلاط على موقفه بأنه «لا يريد التدخل في تسمية الوزير الدرزي البديل عن عصام شرف الدين مع التنبه إلى عدم اختيار شخصية مستفزة بالنسبة إليه»، فيما لفتت مصادر متابعة إلى أن «جنبلاط يبيع هذا الموقف إدراكاً منه بأن ميقاتي لن يقبل بتسمية وزير درزي لا يرضى عنه جنبلاط حتى لا يخسر أصوات نواب كتلة الحزب الاشتراكي في جلسة الثقة».