يندر وجود سياسي لبناني لا تستهويه الثرثرة في ضيافة السفراء الأجانب. تسريبات «ويكيليكس» تعج بكثير من الأدلة فيما النواب الجدد الآتون في غالبيتهم من خلفية «التغيير» كانوا أول من «لحسوا» شعاراتهم، فكانوا، في ضيافة السفير السعودي وليد البخاري في اليرزة السبت الماضي، امتداداً لقماشة السياسيين التقليديين في «نشر الغسيل».كان الجو في «لقاء اليرزة» يوحي بأن البخاري يرغب بحصر الجلسة في جدول أعمال حُدّد بـ«دعم المفتي عبد اللطيف دريان في جهوده لتوحيد الصف السُني»، متفادياً الإشارة إلى حزب الله. وهذا، في تقدير بعض الحاضرين، قد يكون محاولة من البخاري للتقليل من أهمية «الحزب»، وإظهار أن السعودية «أزالته» عن قائمة اهتماماتها أو «تجاوزته»، غير أن نواباً كثراً لم يفهموا من الإشارة، أو فهموها وحاولوا التذاكي. فنبيل بدر، مثلاً، تجنّب ذكر حزب الله لكنه أوغلَ في الحديث عن «الخطين العربي والفارسي» وضرورة «عزل الفرس» عن التأثير لبنانياً، وذهب إلى حد ترسيم حدود لمواجهة مزعومة، فيما لا يبعد ملعب ناديه «الأنصار» المقام على عقار تابع لبلدية برج البراجنة سوى أمتار عن أقرب مركز للحزب. زميله بلال الحشيمي قادته الحماسة للحديث عن «إنجازاته» في محاربة المازوت الإيراني «وصولاً لمنعه من الدخول إلى المناطق البقاعية السُنية». من موقع «المنتشي» وجد أنها «آلية» جديرة بالاعتماد في مواجهة التمدد الفارسي. فيما بدا واضحاً أن النائب أشرف ريفي «لقط» رسالة السفارة. فتجنب الحديث حول «مقاربات» لها صلة بحزب الله. وابتعد عن المعهود عنه في تناول «النفوذ الإيراني»، مكتفياً بالحديث عن «الجمهورية المخطوفة» وضرورة «فك العزلة». وفهم زميله فؤاد مخزومي من كلام ريفي أن «الجو» لا يقبل التصعيد. فاستنسخ كلام «جاره»، ليضع جانباً مواضيع «التوغل الإيراني» و«سيطرة حزب الله» ويذهب بالحديث إلى ضرورة «استرجاع الدولة» من دون الدخول في الآليات. حديث بالعموميات قاربه النائب عدنان طرابلسي من موقع «الجلوس على التل»، فيما عبّر ياسين ياسين عن سعادته لزيارته «داراً سعودية للمرة الثانية في حياته»، وتولى النائب حسن مراد توزيع «لطشاته» للحاضرين، تاركاً لزميله هاشم هاشم مهمة «التسجيل» على بعض المتحدثين.
على غير ما اعتقد البعض، «طنّش» صاحب الدعوة كل ما قيل. لم يتناول حزب الله (أو الإيرانيين) بموقف، وطرح «مبادئ عامة»، وذهب إلى نقطة محددة سلفاً: السعودية ستعود إلى لبنان، من خلال الدولة لا الأشخاص، حين يجري انتخاب رئيسين جديدين (طبقاً لمعاييرها) في إشارة إلى رئيسي الجمهورية والحكومة، مذكراً بوجود 22 اتفاقية عالقة بين البلدين منذ العام 2016، بحاجة إلى توقيع.
وفي إطار حاول إلباسه الكثير من الديبلوماسية، أشار للحاضرين بضرورة «ترتيب ما عليهم فعله» من الآن وصاعداً، والاتفاق في ما بينهم على «رؤية جديدة للطائفة بعيداً من المسار السابق». ودعاهم إلى أن يتولوا، مجتمعين، الاختيار في موقعي رئاسة الجمهورية والحكومة «من غير الفاسدين... ونحن جاهزون للمساعدة»، معدّداً معايير الاختيار: «عروبة لبنان، الدستور، الطائف، الأمن الداخلي، رؤية السعودية 2030...»، ومنهياً بالمباركة لهم أن باتت لديهم مرجعية دينية وسياسية في آن!
«لقاء المعنويات» كما وصفه أحد المشاركين، جاء ليدشن مرحلة في انتظار اكتمال ظروف مرحلة مقبلة. وهو لم يأتِ بغرض المواجهة، وإنما تحضيراً لها.