التوتر الكبير الذي يسود «الشارع المسيحي» منذ وقت غير قصير، بدأ ينفجر على شكل توترات بين مناصرين للتيار الوطني الحر والقوات اللبنانية وأنصار النواب التغييريين المعارضين لرئيس الجمهورية ميشال عون قبل انتهاء ولايته وبعدها. والمخاوف التي عبر عنها مسؤولون كبار في الدولة ومرجعيات دينية وحزبية من حصول احتكاكات تؤدي إلى توترات أمنية، بدأت تترجم على الأرض مواجهات كان البارز فيها ما شهدته قناة «المر تي في» أول من أمس، خلال عرض حلقة من برنامج «صار الوقت» الذي يقدمه الإعلامي مارسيل غانم. وهي الحلقة التي توقفت بعد مواجهات واشتباكات بالأيدي قبل أن تتطور إلى عمليات إطلاق نار، ما دفع بالجيش اللبناني وأجهزة أمنية إلى التدخل، لحماية بعض مناصري التيار الذين نقل عدد منهم إلى المستشفيات
مجموعة من الفيديوات انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي أول من أمس تستعرض مشاهد للتضارب وإطلاق الرصاص داخل استوديو برنامج «صار الوقت» الذي تقدمه قناة MTV وخارجه. إلا أن اللافت أن متناقلي هذه المشاهد، فسروها بما يتناسب وخلفياتهم السياسية. فدان الفريق المناصر لخط المحطة السياسي تعرّض شباب التيار الوطني الحرّ للمحطة وربط أداء شبابه بالتوتر و»الحقد» المحتقن بعد نهاية العهد. في حين وجدت أحزاب 14 آذار و»تغييريوها» في ما حصل فرصة لإعلان التضامن مع محطتهم في وجه خصومهم العونيين معتبرين ما حصل تعدّياً على «حرية الإعلام». هكذا، تنافست أحزاب القوات والكتائب والأحرار والاشتراكي والرئيس فؤاد السنيورة والنواب فؤاد مخزومي وأشرف ريفي وبولا يعقوبيان وبلال الحشيمي ومصباح الأحدب ورفاقهم مثل فارس سعيد وإيلي محفوض (قبل أن ينضم إليهم الوزير السابق وئام وهاب) على التغريدات المتعاطفة مع المر. وتطابق رأي هؤلاء مع بيان نقابة المحررين التي دانت «الاعتداء» متبنية رواية 14 آذار نفسها.
أما المؤيدون للتيار وفريق 8 آذار عموماً، فدعموا رواية شباب التيار بأن ثمة «كميناً» أعد مسبقاً بحقهم، وأن جمهور النائب وضاح الصادق عمد إلى استفزازهم خلال الدقائق الأولى من البرنامج عبر شتم العهد والرئيس ميشال عون. وقد استخدم الفريقان وسائل تدعم روايتيهما، فتناقل الفريق الأول تغريدة لشاب عوني عبارة عن «سيلفي» من داخل الاستوديو مذيلة بعبارة «نحنا والنايب شربل مارون ناويينلك يا مارسيل»، مقابل نشر الفريق الثاني لرسالة على الواتساب منسوبة إلى الإعلامي مارسيل غانم وموجهة إلى صحافي يدعى محمد نمر يدعوه فيها إلى البرنامج ويقول له: «محضرين كل الوسائل الخاصة وميشال المر مجهز كل شي لطرد موالي عون - باسيل وفي أمن مسلحين ناطرينن بالخارج للقيام بالواجب».
تغريدات ورسائل واتس اب تعكس نوايا مبيتة قبل اندلاع المواجهة في الاستديو


لكن العنصر الحاسم في الخلاف السياسي الذي نشب على خلفية الاحتقان المتبادل بين الجمهور المؤيد للنائب وضاح الصادق والجمهور المؤيد للنائب شربل مارون، وانضم إليه عناصر أمن محطة المر (غالبيتهم عناصر في «القوات اللبنانية» أو مؤيدون لها)، وعمدوا إلى ضرب الشباب العوني مما أدى إلى دخول 5 شبان إلى المستشفى. الخلاف بدأ عندما قدم ناشط من التيار يدعى الياس الزغبي مداخلة للرد على وضاح الصادق، فحصل توتر بين الجمهور لا سيما بعد قول الزغبي للصادق أنه من الطبيعي ألا يدري ما حصل في 13 تشرين، لأنه يومها كنت تائهاً بين نشيدين وطنيين. تلا ذلك تلاسن ما بين شاب عوني وشاب من جمهور الصادق من منطقة الضنية، ثم دخل عنصر أمن المحطة وهو قواتي ليقول للعوني: «سدّ نيعك» ويبدأ بضربه. قبل أن يلحق به عناصر الأمن في الخارج ويبدأوا بضرب العونيين.
حاول غانم تدارك الوضع بتكليف أحد مرافقيه استدعاء الزغبي من بين الجمهور لتهدئة رفاقه العونيين، لكن «أمن» المر استبق وصول الزغبي إلى غانم وعاجله بالضرب وبالركل حتى بدأ غانم بالصراخ عليهم لردعهم: «رح تقتلوه». وبالفعل، يعاني الزغبي من إصابة في شبكة العين ورضوض في الجمجمة. في هذه الأثناء، اتصلت ناشطة من التيار بمن هم في الخارج للمساندة، لكنهم اصطدموا بعناصر الأمن ولم يتمكنوا من الدخول، بل أخرج العناصر العونيون إلى الخارج وباتوا مطوقين من الناحيتين.
وهنا تختلف الروايتان، يقول موظفو الـ «أم تي في» إن إطلاق النار بدأ من «الحرس القديم» وهم مجموعة عونية من القدامى الذين كانوا متجمعين على بعد أمتار من مدخل المحطة، عندها أتى عناصر أمن المحطة بأسلحتهم، وبادروا إلى إطلاق النار في الهواء عندما تقدّم «الحرس القديم» باتجاههم محاولين الدخول إلى الاستوديو. فيما تقول الرواية العونية إن الشبان لم يكن بحوزتهم سلاح والدليل أن لا فيديو يظهر ذلك بين كل المقاطع التي انتشرت وأنهم استدرجوا إلى كمين حيث جرى ضربهم بالبنادق والعصي ما استدعى نقل بعضهم إلى المستشفيات. وتشير إلى أن مارسيل غانم «اخترع» خبر انتشار عناصر من التيار أمام المدخل، فيما هؤلاء الشباب تم منعهم من الدخول إلى الاستوديو في بداية الحلقة.
بين الروايتين الثابت أن ميشال المر استخدم السلاح في وجه شباب غير مسلحين، وانهال رجال أمنه بالضرب على العونيين كما لو أن ثمة ثأرا. وتقول مصادر في «أم تي في» إن المشكلة تفاقمت مع وصول فريق من مغاوير الجيش بحيث بدأوا بضرب كل من يمرون بقربه بدءاً بالحرس القديم ثم بعناصر أمن المحطة. بالتزامن مع ذلك، كان العقيد معوض المسؤول عن الأمن في المتن الشمالي والذي وصل بلباسه المدني، يتكلم مع نائب رئيس مجلس إدارة المحطة حبيب غبريل. ولما شاهد غبريل «السكيوريتي» يتعرضون للضرب من قبل الجيش طلب منهم التوقف مشيراً إلى أن هؤلاء ليسوا إسرائيليين، فانهالوا عليه بالضرب أيضاً وعلى العقيد معوض من دون أن يتعرفوا إليه. وإلى داخل الاستوديو وصلت فرقة من فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي بناء لطلب وزير الداخلية بسام المولوي لإخراج وضاح الصادق ومحمد نمر اللذين اختبآ في الصالون المجاور للمحطة. لكن «المعلومات» لم تتمكن من إخراجهما بعد رفض الجيش ذلك باعتبار أنه الجهة الموكلة بفرض الأمن وحماية الضيوف. فانسحب عناصر المعلومات، فيما حضر عناصر أمن الدولة أيضاً لضمان حماية النائب شربل مارون الذي كان يبحث عن زوجته وابنه. وقد استمر الاشتباك إلى ما بعد منتصف الليل.



جنبلاط يمارس التهدئة
باشر رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط خلال الأيام الماضية، سياسة استباقية لمنع أي توتّر بين محازبيه وأنصار التيار الوطني الحرّ بالتزامن مع خروج الرئيس ميشال عون من قصر بعبدا وما رافقه من تحركات لأنصار التيار في الشارع. وقبل يوم الأحد الماضي أبلغ جنبلاط مسؤولي المناطق والمسؤولين الحزبيين والنواب بضرورة التهدئة، ومنع أي احتكاك في الجبل بين الاشتراكيين والعونيين خلال انتقالهم من القرى إلى بعبدا لوداع عون، وعدم القيام بحملات إعلامية أو استفزازات للجمهور العوني. وانعكس الأمر في التصريحات الهادئة لنواب الاشتراكي في جلسة الخميس. ويبدي جنبلاط قلقاً على الوضع الأمني في ظل الفراغ والتجاذب القائم في الساحة المسيحية بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية وعدم وضوح حلول في الأفق، ومن مساعي أطراف إلى توتر أكبر في البلد لتحريك المياه الراكدة، ما يدفعه إلى العمل على تحييد الجبل عن تداعيات التوترات المحتملة.