صندوق التقاعد في نقابة المهندسين هو واحد من الصناديق الثلاثة التي تُعاني بسبب الأزمة الاقتصاديّة. فعلى مدى 30 عاماً، كان المهندسون يدفعون سنوياً ثلاثة أنواع من الدفعات: الانتساب، اشتراكات صندوق التقديمات الاجتماعيّة، اشتراكات صندوق التقاعد. القسم الأكبر من القوّة الشرائية لهذه الأموال «تبخّر» بفعل الانهيار النقدي والمصرفي، وهو ما يُظهر أن المهندسين المتقاعدين خرجوا من «المولد بلا حمّص». إذ إن المتقاعدين يتقاضون مبلغاً شهرياً قيمته 2.5 مليون ليرة، فيما تتقاضى عائلات المتقاعدين المتوفّين 30% من قيمة هذا المبلغ أي ما يُعادل 800 ألف ليرة شهرياً. وهذا يعني أن الرواتب الشهريّة وبعد تعديلها مرتين (كانت مليون و350 ألفاً قبل الأزمة) لا تصل إلى الحد الأدنى للأجور.يقول أحد المهندسين المتقاعدين إن راتبه يكاد يكفي لتأمين أدويته، لافتاً إلى «أننا لا نريد إلا تأمين آخرتنا من الأموال التي كنّا ندّخرها خصوصاً أن التقاعد لا يعني فقط شطبنا من النقابة بل أيضاً توقيعنا على تعهدٍ يمنعنا من مزاولة مهنة الهندسة أو أي مهنة أُخرى». يختصر الرجل الستيني الأزمة بإشارته إلى أنّ «المتقاعد لا يريد إلا الحماية الصحيّة والتغطية الشاملة اللتين حرمنا منهما»، موضحاً أن التأمين الصحي الإلزامي لا يغطّي الفحوصات المخبريّة الخارجية (Out) ولا حتى رفع سقف التأمين (Class A). في حين أن كلفة التغطية الشاملة هي 9.5 أضعاف من رواتبنا الحالية، وترتفع إلى 19 راتباً في حال شمولها زوجاتنا».
المشكلة لدى معظم المتقاعدين ليست في الراتب التقاعدي والتأمين الصحي الإلزامي فحسب، وإنما تتعداه إلى أزمة غيابهم عن صندوق التعاقد (وفق قانون مزاولة مهنة الهندسة الصادر في العام 1951) المؤلّف من لجنة تضم النقيب الحالي و3 نقباء سابقين، بالإضافة إلى عضوَين يتم انتخابهما من الهيئة العامة وعضو من مجلس النقابة يتم انتدابه وأمينٍ مالي. لذا، يتساءل المتقاعدون: «كيف تكون لنا مدّخرات في صندوق لا نعرف عنه شيئاً، ولا يُمكننا مراقبة أعماله وتصويب أداء لجنته»، معتبرين أنّ التراكمات في سوء أداء اللجان المتعاقبة والمحسوبيات السياسية أدّت إلى هذه النتيجة.
كل هذه الأسباب دفعت المهندسين المتعاقدين (4 آلاف و200 مهندس متقاعد مع عائلات المتوفين منهم) إلى إنشاء تكتّل هدفه المطالبة بحقوقهم وإنصافهم باعتبار أنّهم قدّموا الكثير للمحافظة على هذه النقابة وكانت لهم أدوار في الخدمة المجتمعيّة والإنمائيّة. وفي آب الماضي، وجّه هؤلاء رسالتين إلى النقابة؛ الأولى تتضمّن الحصول على إذنٍ لتأسيس رابطة للمهندسين المتقاعدين أسوةً برابطة المهندسين المتقاعدين في نقابة الشمال خصوصاً أن قانون مزاولة المهنة يسمح بذلك، والثانية تتضمّن مطالب هذه الرابطة وأهدافها. ومع ذلك، لم يأتِ الرد الرسمي رغم المتابعة الدوريّة للرسالتين. وما حصل كان اجتماعاتٍ حضرها عدد من الممثلين عن المتقاعدين الذين شكّلوا نواة تجمعهم أُطلق عليه اسم «الهيئة التأسيسية للرابطة» والمؤلفة من 15 شخصاً. ولكن المفاجأة أنّ أعضاء لجنة الصندوق لم يحضروا هذه الاجتماعات (باستثناء الاجتماع الأخير) التي حُصرت بينهم وبين النقيب عارف ياسين والأمين المالي.
وانتهت الاجتماعات منذ أيام بالوعود ولكن من دون نتيجة، إذ إنّ ما سمعه المتقاعدون أن لا أموال تكفي لتحسين أوضاعهم فيما رفض نقيب المهندسين إعطاءهم الإذن بإنشاء الرابطة، متعهداً بأن يؤمن لهم كل التحضيرات اللوجستية حتى يتمكّنوا من تحويل أنفسهم إلى رابطة بحكم الأمر الواقع. وهذا ما يرفضه المتقاعدون خصوصاً أنّ بإمكانهم الحصول على علم وخبر من وزارة الداخلية لإنشائها، إلا أنّهم يُصرّون أن تكون الرابطة تحت مظلة النقابة وأن تسير إجراءاتها قانونياً.
وفي هذا الإطار، أصدرت اللجنة التأسيسية للرابطة بياناً تطالب فيه بـ«دراسة المعاش التقاعدي، إعفاء جميع المهندسين المتقاعدين من الاستشفاء وأن لا يكون استنسابياً، الإسراع في إنجاز طلبات التقاعد خلال شهرين، تمثيل المتقاعد في إدارة صندوق التقاعد، حق زوجة المتوفي الحصول على كامل معاش التقاعد، إعطاء سلفة على المعاش، إصدار قرار من مجلس النقابة بتأسيس رابطة للمهندسين المتقاعدين ما يعيد المهندس المتقاعد إلى كنف نقابته مقدماً خبراته العلمية والعملية للمهندسين الناشئين».