إبطال المجلس الدستوري، أمس، نيابة رامي فنج عن المقعد السني في طرابلس مقابل إعلان فوز المرشح فيصل كرامي ليس تفصيلاً، لا في إطاره السياسي ولا في ما خصّ مسألة تعداد الأكثرية النيابية داخل المجلس، سواء كانت لمصلحة فريق 14 آذار والمستقلين الدائرين في فلكهم أو لمصلحة حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر وحلفائهم. في الشق الأول، لم يُمنَ حزب الله بأي خسارة فعلية في الانتخابات النيابية سوى في طرابلس بسقوط كرامي، بعدما تمكن من إيصال حليفه النائب محمد يحيى في عكار أول في لائحته، والنائب حسن مراد في البقاع الغربي أيضاً في المرتبة الأولى. اليوم، بات يمكن لحزب الله الاعتداد بأنه حقق أحد أهم مآربه الانتخابية؛ فكرامي ليس مجرد نائب ولن يكون فوزه سهلاً على خصومه، وخصوصاً في غياب سعد الحريري عن المدينة وانكفاء رئيس الحكومة نجيب ميقاتي عن خوض الاستحقاق. والأكيد أن زعامة كرامي لناحية امتداداته وعلاقاته في طرابلس لا تقارن بنيابة أشرف ريفي: طموح الأخير وسقفه الأعلى أن يصل الى النيابة، بخلاف نيابة فيصل التي ستعزز زعامته على المدينة في غياب منافسيه. أما في الشق الحسابي، فيجدر بالقوى المصنّفة نفسها معارضة والتي احتفلت بنيلها الأكثرية داخل المجلس النيابي إعادة تعداد النواب الموالين لها، ولا سيما بعد انتخاب رئيس مجلس النواب وغداة فرز الأصوات عقب كل جلسة انتخاب رئيس. يضاف الى ذلك خسارة أخرى للتغييريين نتيجة إعلان نجاح المرشح عن المقعد العلوي حيدر ناصر الذي أطاح زميله على لائحة «انتفض للسيادة للعدالة» رامي فنج؛ فنجاح ناصر لا يحتسب ربحاً لـ«التغييريين» بل لقوى 8 آذار. ولعلّ أبرز موقف مُعبّر عما سبق هو ما نشرته إحدى صفحات «الثورة» بالقول إن مرشح «التغيير» المنتمي الى 14 آذار خسر وحلّ مكانه مرشح «التغيير» المنتمي الى 8 آذار. وقد جاءت مقابلة ناصر على إحدى القنوات التلفزيونية لتعزز ذلك بتأكيده أنه صارح «الثورة» بارتباطه وارتباط الطائفة بسوريا وبأنه وضّح انتماءاته للائحة قبيل ترشحه معها، مؤكداً أنه «مع سلاح المقاومة».من جهته، أكد كرامي أنَّ الإحتكام إلى المجلس الدستوري «هو عبارة عن خصومة قانونية لا علاقة لها على الإطلاق بالخصومة السياسية أو الإنتخابية». وشدّد كرامة على «أنني سأكون دائما قرب أهلي في مدينتي المظلومة ومعاناتهم ونضالاتهم وآمالهم. ويديّ ممدودة للجميع, باستثناء القوات اللبنانية، في هذا الظرف العصيب لكي نعمل على إنقاذ لبنان».

24 قلماً أطاحت نائبين
في التفاصيل، أعلن المجلس الدستوري موافقته بالأكثرية على قبول الطعنين بعد مرور 5 أشهر على المراجعة المقدمة من وكيلَي النائبين فيصل كرامي وناصر حيدر، المحاميان وديع عقل ومحمد ناصر. وأشار الى استناد الطعنين في الأساس الى مجموعة أسباب قانونية يعتبران أنها أدّت الى تغيير نتائج الانتخاب: الرشى الانتخابية، مخالفات في فرز أقلام غير المقيمين، مخالفات من قبل رئيسة لجنة القيد العليا، مخالفة في احتساب الأوراق البيض، خطأ في جمع أصوات المقترعين، إلغاء أوراق اقتراع خلافاً للقانون. وفيما لم يأخذ المجلس بعدد من الأسباب لعدم جدّيتها أو عدم القدرة على إثباتها، رأى أن ثمة أخطاء في جمع الأصوات ووجوب تصحيح الفوارق في نحو 24 قلم اقتراع موزعة بين طرابلس والمنية والضنية. لذلك أعاد التدقيق في نتائج الأقلام المطعون في صحة نتائجها عبر إعادة فرزها مجدداً ومقارنة محاضرها مع محاضر لجان القيد. وخلال التدقيق، تبيّن وجود ثغرات في العملية الانتخابية لناحية تدريب المكلفين القيام بالعملية الانتخابية. وفي ما خصّ السبب المبني على إلغاء أوراق الاقتراع خلافاً للقانون، حصر المجلس الإلغاء «بما هو مخالف بشكل واضح للمادة 98 من قانون الانتخاب كالاقتراع للائحتين او لاسمين تفضيليين في لائحتين، وبالأوراق التي فيها إضافات مميزة وفارقة وترجّح وجود ضغط ما على إرادة الناخب». من هذا المنطلق، اقتضى إجراء التصحيحات في بعض الأقلام باعادة احتساب الأصوات التي أعطيت أو ألغيت خلافاً للقانون وإضافتها الى مجموع الأصوات المعوّل عليها، كما اقتضى تصحيح النتائج التي حصلت عليها اللوائح عن طريق إضافة ما حُرمت منه أو حسم ما أُضيف الى حصتها من دون وجه حق. نتيجة التدقيق والتعديل، أُضيفت 406 أصوات الى مجموع أصوات المقترعين (مع إضافة الأصوات التي نالتها اللوائح غير المؤهلة والبالغة 16 صوتاً)، فيصبح الباقي المعوّل عليه مع الأوراق البيض بعد إضافة 406 أصوات وحسم 17 صوتاً (ناتجاً من تصحيح الباقي المعوّل عليه في عدد من الأقلام)، لتكون الزيادة الإجمالية 389 صوتاً. هذه الأصوات أضيفت الى مجموع أصوات المقترعين الذي بلغ 144 ألفاً و641 مقترعاً ليصبح مجموع الأصوات الإجمالي 145030 صوتاً، فيكون الحاصل الأول 13 ألفاً و184 صوتاً. وبعد حسم أصوات اللوائح غير المؤهلة وعددها 7230 صوتاً، أصبح الحاصل الثاني 12 ألفاً و527 صوتاً. 
مرشح «التغيير» المنتمي الى 8 آذار حل مكان «التغييري» المنتمي الى 14 آذار


وجرى تقسيم أصوات كلّ من اللوائح بعد تصحيحها على الحاصل الثاني، وأوضح المجلس الدستوري أن الأرقام المعدّلة قادت الى إعادة توزيع المقاعد على اللوائح التي نالت الحاصل الانتخابي، ليبقى مقعدان غير محسومين نتيجة الكسور. فحصلت اللائحة صاحبة الكسر الأعلى وهي «إنقاذ وطن» على مقعد إضافي (بقيت النتيجة على حالها في ما خص اللائحة التي ترأسها النائب أشرف ريفي)، وانتقل المقعد الإضافي من لائحة «التغيير الحقيقي» الى لائحة «الإرادة الشعبية» التي حصلت على ثاني كسر أعلى بحسب النتائج المعدلة وأدت الى فوز كرامي. فسنداً لترتيب أسماء المرشحين من الأعلى الى الأدنى بحسب النسبة المئوية التي نالها كلّ منهم، يفوز كرامي بالمقعد السني الرابع بدلاً من فنج لحصول الأول على عدد أصوات تفوق عدد أصوات الثاني، لكنه لم يفز حينها بسبب حصول اللائحة على مقعدين فقط (طه ناجي وجهاد الصمد) لأن الكسر الأعلى لم يكن لمصلحتها. بالتوازي، فاز المرشح حيدر ناصر بالمقعد العلوي بدلاً من فراس السلوم لأن لائحة «التغيير الحقيقي» استوفت حصتها بالمقعد السني الذي فاز به إيهاب مطر، صاحب النسبة المئوية الأعلى في اللائحة.
في المحصلة، صوّت 9 أعضاء من المجلس الدستوري، بمن فيهم رئيس المجلس القاضي طنوس مشلب مع قرار الإبطال بينما خالف نائب الرئيس القاضي عمر حمزة القرار الصادر بالأكثرية.