لم يكُن استقدام أولى قوافِل المازوت الإيراني إلى لبنان، في أيلول 2021، أمراً عادياً بالنسبة إلى الولايات المتحدة التي سارعت سفيرتها في بيروت دوروثي شيا، بفعل الإرباك، إلى الاتصال برئيس الجمهورية السابق ميشال عون وإبلاغه بتفعيل خط الغاز العربي، مشيرة إلى «استثناء سيحصل عليه لبنان من قانون قيصر» لضمان استجرار لبنان الغاز الطبيعي والكهرباء من مصر والأردن عبر سوريا.«الانفعال» الأميركي حيال جرأة المقاومة وتنفيذ وعدها في ما يتعلق بكسر الحصار وإسقاط كل محاولات الاعتراض والتشكيك، تبيّن لاحقاً أنه ليس سوى عملية «بيع وهم» دخلت عامها الثاني، في وقت يسود الكونغرس الأميركي توجّه يعتبر أن أي قرار بالاستثناء سيكون «إساءة متعمدة للقانون لن تؤدي إلا إلى تعويم سوريا»، في ظل ضغوط لاعتماد تعديلات يقترحها نواب جمهوريون في مجلسيْ النواب والكونغرس على «قانون قيصر» لقطع الطريق على أي ثغرة يُمكن الركون إليها لـ «تسيير الصفقة».
ورغم الرسائل الكثيرة التي نقلها مسؤولون أميركيون بالموافقة على الاستثناء، وآخرها على لسان الوسيط الأميركي عاموس هوكشتين في تشرين الأول الماضي، لم تدخل هذه الموافقة حيّز التنفيذ، ولا تزال مصر والأردن ممتنعين عن السير في الاتفاق لعدم حصولهما على ضوء أخضر بتوقيع رسمي أميركي ولا موافقة البنك الدولي على تمويل عملية الاستجرار.
نكث الأميركيين بوعدهم كبّد لبنان مزيداً من الخسائر بسبب إطالة أمد الحصار، من دون أن تبحث أي جهة سياسية حليفة لواشنطن مناقشة السفيرة الأميركية بجديّة في هذا الأمر. بل لا يزال هؤلاء يعوّلون على «فرج» أميركي قريب للتخفيف من أزمة الكهرباء، علماً أن الوجه الآخر للوعد الكاذب يتمثل في رفض البنك الدولي القبول بتمويل الصفقة بحجة «عدم القيام حتى الآن بالإصلاحات اللازمة».
التعديلات تطوي نهائياً استجرار الغاز المصري والكهرباء الأردنية


وهذا التعويل، وفقَ ما تقول مصادر مطلعة، يستنِد حالياً على إمساك الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بدفة الملف اللبناني بالنيابة عن الأميركيين، مع معلومات تتحدث عن قناعة فرنسية بضرورة فصل المسارات في ما خص لبنان، بحيث تسعى باريس إلى إنجاز الملف الرئاسي بمعزل عن ملفات المنطقة وإقناع الأميركيين بتوقيع الاستثناء في ما خص الكهرباء، مشيرة إلى أن هذين الموضوعين هما مدار بحث بين ماكرون والرئيس الأميركي جو بايدن. إذ يحاول الرئيس الفرنسي إقناع نظيره بمنح هذا الاستثناء لفترة محدودة.
لكن على ما يبدو، فإن الأمور تمضي في مسار آخر داخل الكونغرس حيث تجري مناقشة قانون تفويض الدفاع الوطني الأميركي للسنة المالية 2023 الذي طرح مسودته عدد من المشرعين الأميركيين، لتعديل قانون «قيصر» للعقوبات المفروضة على الحكومة السورية، بإضافة تعريف لما سمي بمصطلح «الصفقة الكبرى» أو «المعاملة الهامة»، في قانون «قيصر» والمتعلقة بالطاقة (غاز – نفط – كهرباء) بحيث يتم تحديد المعاملات التي توفر الدعم المادي أو غير ذلك والتي قد تستفيد منها الحكومة السورية، وتحديد الأرقام التي تحدد قيمة الصفقة بدلاً من تركها مبهمة. وفي حال لم يتدخل البيت الأبيض ويطلب من النواب سحب الملحق، وهي الحالة الوحيدة التي يمكن فيها سحب ملحق التعديلات، فإن تمرير التعديلات يعني طي صفحة مشروع الربط الكهربائي نهائياً، ليتأكد أن الأميركيين باعوا اللبنانيين وعوداً كاذبة.