في 26 أيلول 2022، وجّه رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي كتاباً إلى وزير المال يوسف خليل يطلب منه سداد مستحقات قروض خارجية لمصلحة الوكالة الفرنسية للتنمية. ويشير الكتاب إلى أنه بناءً على طلب وزير المال بتسديد «كل مستحقات الوكالة الفرنسية للتنمية المتوجّبة من 31/5/2022 لغاية 31/7/2022، والمقدّرة بحوالي 13.2 مليون يورو وذلك باستخدام حقوق السحب الخاصة (SDR)»، وبعدما «تم إيداع كتابكم المديرية العامة لرئاسة الجمهورية لإطلاع السيد رئيس الجمهورية عليه، نوافق استثنائياً على طلبكم... على أن يعرض الموضوع لاحقاً على أول جلسة لمجلس الوزراء على سبيل التسوية». وبرّر ميقاتي موافقته بأن «تخلّف لبنان عن دفع تلك المستحقات يؤدي إلى تعليق السحوبات على القروض ودفع فائدة إضافية، إضافةً إلى اعتبار كل الأقساط اللاحقة مستحقة، وتفادياً لأيّ انعكاسات سلبية على جميع المشاريع الحالية والمستقبلية، ولعدم إمكانية انعقاد مجلس الوزراء في المرحلة الراهنة».ميقاتي قرّر أن يستعمل حقوق السحب الخاصة من دون عرض الموضوع على مجلس الوزراء، خلافاً لما قام به أخيراً بشأن «الطلب المقدم من مصرف لبنان لسداد مبلغ 35 مليون دولار شهرياً للأشهر الثلاثة المقبلة لزوم شراء الأدوية للأمراض المستعصية والمزمنة والسرطانية ومستلزمات طبية وحليب ومواد أولية لصناعة الدواء من حقوق السحب الخاصة». ففي الطلب المقدّم من مصرف لبنان، قرّر ميقاتي أن يعرض الأمر على مجلس الوزراء في فترة تصريف الأعمال في ظل شغور موقع رئاسة الجمهورية. عملياً لا فرق بين الطلبين، سوى أن ميقاتي قرّر أن يعرض أحدهما على مجلس الوزراء بنيّة دعوة المجلس إلى الانعقاد، فيما بتّ الطلب الآخر بنفسه رابطاً موافقته الاستثنائية بعرضها لاحقاً على المجلس «على سبيل التسوية».
بنتيجة كل الطرق التي يستعملها ميقاتي، فإنّه يبدّد حقوق السحب الخاصة بلا خطّة أو رؤية. قيمة هذه الحقوق كانت 1.139 مليار دولار، لكن لا أحد يعلم أو يسأل كم هي عليه الآن، وكيف يجب إنفاقها.
وكان مجلس الوزراء قد حسم الأمر بشأن استعمال هذه الأموال في 14 نيسان الماضي، مقرراً «عدم صرف أي أموال من حقوق السحب الخاصة إلّا بعد موافقته». ففي هذه الجلسة، عرض وزير المال على مجلس الوزراء تسديد المستحقات الدولية المتوجبة على لبنان لغاية 31/3/2022 من حقوق السحب الخاصة. طلب منه المجلس «إجراء مفاوضات مع الصناديق والمؤسسات العربية والدولية بشأن إمكانية إعادة النظر بالمستحقات والاشتراكات المتوجبة على لبنان» ورفض استخدام هذه الأموال من دون العودة إلى المجلس. لكن الخليل ماطل حتى آخر جلسة لمجلس الوزراء في 20 أيار الفائت، وعاود عرض الموضوع على الوزراء، ليتقرّر منح وزارة المال سلفة خزينة بقيمة 966 مليار ليرة «لدفع مستحقات الدولة من القروض الخارجية (أصل وفوائد) والاشتراكات لمصلحة الصناديق والمؤسسات العربية والدولية»، أي أنه رصد اعتمادات بالليرة لتسديد المبالغ التي يفترض أن يقوم مصرف لبنان بتحويلها من الليرة إلى الدولار. لكن وزير المال لم ينفّذ قرار مجلس الوزراء، بل طلب من «مصرف لبنان» تسديد المستحقات من حقوق السحب الخاصة بسبب عدم قانونية فتح الاعتماد المذكور بالليرة. وقد وافق سلامة على طلب وزير المال «دفع مبلغ 35.5 مليون دولار أميركي من حقوق السحب الخاصة، وذلك لتسديد قروض خارجية مستحقة».
قيمة حقوق السحب الخاصة كانت 1.139 مليار دولار ولا أحد يعلم كم هي عليه الآن


وحتى حزيران الماضي، أنفق من هذه الحقوق نحو 304 ملايين دولار، منها 35.3 مليون دولار بلا قرار حكومي. وليس واضحاً ما إذا كانت هناك نفقات إضافية من هذه الأموال صرفت بلا قرار من مجلس الوزراء. لكن إذا أضفنا مبلغ الـ 105 ملايين دولار التي أقرّها مجلس الوزراء أمس، فإن المبلغ الباقي هو بحدود 730 مليون دولار. إلا أن هناك خشية من أن يكون مصير هذه الحقوق التي وضعتها الحكومة «أمانة» بيد حاكم مصرف لبنان، المشتبه فيه باختلاس الأموال وتبييضها، مماثلاً لمصير احتياطات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية، التي بدّدت على مدى السنوات الماضية. ولا يمكن الجزم بأن الـ 14 مليون يورو التي سُحبت لتسديد مستحقات «الوكالة الفرنسية للتنمية» مع الـ 35 مليون دولار السابقة، هما عمليّتا السحب الوحيدتان اللتان حصلتا خلال تصريف حكومة ميقاتي للأعمال. إلّا أن المستغرب أنهما تأتيان في وقت تستمر فيه عملية رفع الدعم التي يقودها سلامة بنفسه منذ عام 2019، فيما يجري البحث بـ«السراج والفتيلة» عن دولارات أميركية للحفاظ على ديمومة ما تبقى من خدمات عامة.