ماذا يحصل بين حزب الله والتيار الوطني الحر؟ هو السؤال الذي طغى على ما عداه بعدما كشفت جلسة مجلس الوزراء أول من أمس وجود أزمة عميقة في العلاقة بينَ الحليفين، اللذين شكل التفاهم بينهما صخرة صلبة تكسّرت عليها كل محاولات سلخهما عن بعضهما البعض. ورغمَ أنها ليسَت هي المرة الأولى التي يتمايز فيها الطرفان في رؤيتهما للملفات الداخلية، ثمة من يتحدث عن أزمة غير عابرة، تحيط بها تأويلات كثيرة حول عملية تموضع جديدة بدأها رئيس تكتل «لبنان القوي» النائب جبران باسيل في لحظة تنافر مع الحزب حول ملف الرئاسة.الثابت أن تململ الحزب من باسيل له أسباب عدة، ليسَ أولها عدم تشكيل حكومة قبل انتهاء ولاية رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، ولا آخرها موقف باسيل من المشاركة في جلسة أول من أمس رغم جهود الحزب لحصر جدول الأعمال ببنود ضرورية لقطع الطريق على أي محاولة لكسره. والأكيد أن ثمة مآخذ لباسيل على الحزب أبعد من جلسة وزارية أدخلت التحالف في مرحلة صعبة، لكن ليسَ مستحيلاً إبعاد خطر الطلاق السياسي عنه باعتبار أنه سيكون خسارة للطرفين، باعترافهما.
ورغم رد الفعل العوني على موقف الحزب، والذي تخطى المألوف والمقبول في توصيفه لهذا الموقف، كانَ واضحاً وجود قرار لدى حزب الله بعدم الانجرار إلى أي اشتباك سياسي أو إعلامي انطلاقاً من «حق العونيين في تنفيس غضبهم». ورغمَ الصخب الذي أحدثه باسيل في مؤتمره الصحافي أمس و«التهديد» بأن «الموضوع لن يمر ولا أحد يتعاطى معنا بأقل من ذلك، وما حصل ليس أقل من سطو على موقع رئاسة الجمهورية عن سابق إصرار وتصميم»، اعتبرت مصادر سياسية بارزة أن ما قاله رئيس التيار «يبقى تحت سقف التعبئة الذي تعوّد حزب الله عليه»، مشيرة إلى أن «الأبواب ليست موصدة بالكامل رغم كل فتائل التوتير التي كنا بغنى عنها».
وفي وقت انشغلت القوى السياسية بـ «توابع» الهزة التي أصابت العلاقة ومناقشة الاحتمالات، لم تغِب علامات الاستفهام حول الأسباب الرئيسية التي دفعت حزب الله إلى توجيه رسالة «في العمق» لباسيل ألهبَت زنار المخاطر حول علاقتهما. ويكتفي المطلعون باختصار الموقف بأن «الحزب هو المتهم الأول اليوم بتعطيل الاستحقاق الرئاسي، ولا يمكنه أن يقاطع جلسات الحكومة فيُحمّل أيضاً مسؤولية تعطيل جلسات مجلس الوزراء مع توافر كل الظروف التي تؤشّر إلى أن الفراغ طويل جداً». واستطراداً سيحُمّل الخصوم الحزب مسؤولية أي ضرر يلحق بالجهات التي تناول جدول الأعمال قضايا تهمها، لا سيما في ما يتعلق بالمستشفيات والمرضى وموضوع الأدوية، وسيجري التصويب عليه من الباب السياسي». فضلاً عن أن «الحزب تقصّد القول لباسيل إن عليه التخلّي عن اللاءات العبثية، لجهة رفضه الحوار حول رئاسة الجمهورية ورفضه السابق تشكيل الحكومة أو إعطاء الثقة لحكومة تأكد أن له فيها ما لا يقل عن ثمانية وزراء ويرفض النقاش في ملف الرئاسة إلا من منظاره بمعزل عن اعتبارات حزب الله لأن السياق الذي يسير فيه سيؤدي بالبلد إلى مشكلة كبيرة».
لا شك أن الحزب والتيار يتهيّبان معاً العلاقة المهتزة التي وصفتها المصادر بأنها في مرحلة «أكثر من تمايز وأقل من افتراق»، وهي مرحلة تحتاج إلى «حوار حقيقي ونقاش عميق في الملف تحت سقف عدم الانفصال»، لكن ذلك «يحتاج بعض الوقت إلى حين أن تهدأ الأمور، فيسكن الغضب المكبوت عند الحزب على باسيل ويفرِغ الأخير كل حنقه».
المناخ الذي بدا تصعيدياً لا يعبر عن وجهة الحزب الذي يريد الحوار مع باسيل على أمور كثيرة بما فيها الملف الرئاسي


على أن المناخ الذي بدا تصعيدياً من جانب حزب الله بتبني جلسة الحكومة، فهو لا يعبر بدقة عن وجهة الحزب الذي يصر على العودة إلى الحوار مع باسيل والتيار الوطني الحر للتفاهم على أمور كثيرة ليس أقلها الملف الرئاسي. ويقول المطلعون إن الحزب لم يسبق له أن بادر إلى موقف أو خطوة من استحقاقات عامة قبل النقاش والتشاور مع التيار الوطني. وأنه في حالة عدم التفاهم بين الطرفين على موقف من قضية معينة، فإن الحزب لا يلزم التيار برأيه وهو لا يريد للتيار أن يلزمه بموقفه المسبق. في إشارة إلى أن الحزب يقر بوجود تمايزات بينه وبين التيار في مقاربة ملفات داخلية، وهو ما ظهر جلياً في الموقف من تكليف ميقاتي تشكيل الحكومة. لكن ذلك لا يعني أنه يجب رهن كل العلاقة بين الحزب والتيار بقصة أو حدث محدد، خصوصاً أن الحزب لا يرى في مسألة انعقاد الحكومة أزمة وطنية بالحجم الذي يصوره التيار الوطني الحر.