ما كان يخشى منه بعض وجهاء عشائر عرب خلدة وقع أمس، بعد انتهاء جلسة متابعة ملف المدّعى عليهم في أحداث خلدة (آب 2021). فعلى مدى أكثر من ربع ساعة، وقعت معركة حقيقية داخل قاعة المحكمة العسكريّة، تخللها عراكٌ بالأيدي وشتائم وصراخ وطرق على الباب الحديدي للنظارة، بعدما أرجأ رئيس هيئة المحكمة العميد بسام الحلو الجلسة إلى 16 كانون الثاني المقبل، قائلاً: «وكلاء الدّفاع عنكم لم يُساعدوكم وليست المحكمة (من أرجأ الجلسة)».ولم تنفع تدخّلات العسكريين ومحاولات وكيل الدفاع المحامي محمّد صبلوح في تهدئة الموقوفين داخل القفص في ما يشبه «بروفا» لما سيحصل في خلدة في حال تم إرجاء الحكم أو التسريع بصدوره. إذ بات واضحاً أن تداعيات القضيّة انتقلت من كوْنها اشتباكاً بين العشائر وحزب الله، إلى معركة داخليّة بين عائلات العشائر وأفخاذها. وهذا ما يقلّص من فرص التوصل إلى تسوية سياسيّة بين العشائر وحزب الله، لعدم قدرة الوجهاء على تسمية الجناة الحقيقيين، كما يطلب الحزب، حتى لا تتعمّق الخلافات بين العائلات.
وعليه، طار إلى غير رجعة ما تردّد في الأيّام الأخيرة عن إمكانيّة صدور الحكم هذا الشهر بالاكتفاء بمدّة توقيف معظم الموقوفين والمخلى سبيلهم في الملف، والتشدّد في إصدار الأحكام بحق 2 أو 3 من المدّعى عليهم ممن تدور الشكوك حول وجودهم بالقرب من مكان إطلاق النار على موكب تشييع علي شبلي في 2021، وأول المؤشرات على ذلك إرجاء جلسة المحكمة العسكريّة أمس إلى 18 كانون الثاني خلافاً لما كان متفقاً عليه بأن تكون جلسة أمس الأخيرة للرد على طلبات الدّفاع قبل صدور الأحكام مطلع الأسبوع المقبل. وبالتالي، ومع تسلم العميد خليل جابر رئاسة المحكمة العسكرية مطلع العام المقبل، فإن المحاكمة ستعود إلى المربع الأول. وقد كان جابر واضحاً بالقول، على مسمع الموقوفين في ردهة المحكمة، بأنه بحاجة إلى الوقت للاطلاع على الملف وإعادة الاستجواب.
أمّا ثاني المؤشرات فهو غياب عدد من المحامين وإصرار آخرين على طلباتهم. في حين أنّه لو كان لدى هؤلاء طلب من العشائر بالسيْر بالملف بغية إصدار الأحكام بغض النظر عن الشكليات، لكانوا نفّذوا الأمر لاعتبارات مرتبطة بالمفاوضات التي تجري بين ممثلي العشائر وحزب الله برعاية مديرية المخابرات في الجيش.
كلّ ذلك، يؤكّد أنّ التسوية غير جاهزة، إضافة إلى صعوبة التوصّل إلى حل في ظل الخلافات المستشرية بين العشائر. وهذا ما ظهر بشكلٍ واضح حينما لمس بعض المتابعين قراراً لدى آل نوفل بتطيير الجلسات، إذ إنّ السبب الأساسي في إرجاء جلسة الأمس كان تغيّب محامي سهيل نوفل بعدما شعرت عائلته بأنّ بقية العائلات أنهت التسوية بتوريط نوفل ومدعى عليه آخر هو سعدالله سيف. والأخير قريب لنوفل من ناحية والدته.
لا أحكام قبل ربيع العام المقبل... وإعادة جلسات الاستجواب


هذه القناعة تولّدت الأسبوع الماضي عندما أدلى شهود بشهادتهم أمام هيئة المحكمة مشيرين إلى أن نوفل وسيف كانا موجودين بالقرب من مكان إطلاق النّار على موكب تشييع شبلي، علماً أن سيف أُخلي سبيله منذ أشهر بعدما أثبتت داتا الاتصالات أنّه كان خارج المنطقة يوم التشييع. وهذا ما دفع آل نوفل إلى إطلاق النار على مقهى لأحد أفراد آل غصن الأسبوع الماضي، بعدما اتّهموهم برفض تسليم كاميرات المُراقبة بهدف إخفاء هويّات المشاركين لعدم توريط أبنائهم.
وعليه، يتوجّس آل نوفل من أن يكون آل غصن هم من دفعوا إلى توريط ابن عائلتهم بالتنسيق مع الأطراف الأُخرى، فردّوا على ذلك بتطيير الجلسة عبر غياب محامي سهيل نوفل من دون أن يكون هناك اتفاق مسبق بذلك، وهذا ما أغضب الموقوفين الذين بدأوا بالصراخ مُطالبين بإنهاء الملف. أبرز المشتكين كان الشيخ عمر غصن الذي وقف عند باب قفص المحكمة قائلاً: «هذا ملف سياسي بامتياز. حاسبونا وحاكمونا بغض النظر عن التشدّد بالأحكام».
في المقابل، أصر وكلاء الدّفاع على طلباتهم، فيما برّر محامي اللجنة الثلاثية محمد صبلوح الأمر، بأنّ هذا واجبه بغية حفظ الحق القانوني للمدّعى عليهم بعد إصدار الأحكام.
وفي الخلاصة، أن لا أحكام ولا تسوية سياسية في المدى القريب، خصوصاً أن نمط سيْر الجلسات المقبلة لن يكون أسبوعياً بسبب تعيين هيئة جديدة ستُعيد استجواب الموقوفين. وبالتالي، يتوقّع متابعون ألا تصدر الأحكام قبل ربيع العام المقبل، فيما لا يُراهن هؤلاء كثيراً على الحل السياسي.