بناء على معطيات متعددة، استدعى وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال عبدالله بو حبيب السفير الألماني لدى لبنان أندرياس كيندل، الجمعة الماضي، إلى لقاء لم يكن عادياً. إذ تخللته مطالعات للوزير وفريق عمله أدّت إلى استفزاز السفير الذي وصلت به الصفاقة حد اعتبار الملاحظات التي سمعها «رسالة تحمِل تهديداً مبطناً»، وسارع إلى نقلها إلى بلاده لتثير برلين أزمة مع لبنان.السفير الألماني المعروف عنه أنه الأكثر تدخلاً في الشؤون اللبنانية هذه الفترة، يدير شبكة من العلاقات السياسية والجمعيات غير الحكومية، ويغطي أعمالاً تستهدف قوى سياسية بعينها، من حزب الله والتيار الوطني الحر وكل من يعارض إبقاء النازحين السوريين أو اللاجئين الفلسطينيين في لبنان. وهو ينشط، من خلال لقاءات معلنة وغير معلنة، مع الفريق المندرج تحت خانة 14 آذار، ويدير شبكة من العلاقات المفتوحة تحت غطاء العمل غير الحكومي ومشاريع الدعم لمؤسسات وبلديات وجمعيات أهلية في لبنان. إلا أن جوهر ما يقوم به، وحتى ما يصرح به عبر وسائل التواصل الاجتماعي، يمثل أبشع صور الوصاية الغربية على لبنان.
الشكاوى الكثيرة التي تلقتها الجهات الرسمية في لبنان حول نشاط كيندل، منذ ما قبل انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون، لم تكن محل نقاش، إلى أن قرر بو حبيب استدعاءه إلى اجتماع حضره مساعد للسفير ومساعدو وزير الخارجية.

وقائع الجلسة: تنبيه للسفير
خلال الجلسة التي اطلعت «الأخبار» على تفاصيلها، أبلع بو حبيب السفير الألماني أن الدور الذي يقوم به لا يصب في مصلحة ألمانيا أو لبنان، منتقداً مواقفه وتصريحاته التي ينشرها على مواقع التواصل الاجتماعي والتي تطاول شخصيات سياسية ودينية، «وهذا مخالف لاتفاقية فيينا للعلاقات الديبلوماسية». وكشفت مصادر مطلعة أن كلام بو جبيب جاء على خلفية حديث ملتبس لكيندل عن أن لبنان ملزم باستقبال السوريين القادمين من سوريا إلى لبنان للحصول على تأشيرات من السفارات الأجنبية، وأكّد له أن هذا الأمر «غير دقيق ولا شيء يُجبر السلطات اللبنانية على ذلك». وقالت المصادر إن مسألة النزوح السوري أخذت حيزاً واسعاً من الجلسة. إذ عبّر كيندل عن استياء بلاده من التصريحات الرسمية اللبنانية الداعية إلى إعادة النازحين «الذين يجب أن يبقوا في لبنان»، ما استفز وزير الخارجية الذي أكّد أن الموقف اللبناني الداعي لعودة النازحين إلى بلادهم موقف وطني موحّد، وأن السوريين الذين عادوا من لبنان طوعياً لم يتعرضوا إلى أي ملاحقة أو اعتقال من قبل السلطات السورية، لافتاً إلى أن النازحين الموجودين «ليسوا جميعهم لاجئين سياسيين، وطالما أن المنظمات الدولية تموّل معيشتهم فإن عودتهم لن تتحقق». وأشار بو حبيب إلى أن «هناك دولاً كثيرة في الاتحاد الأوروبي تدعم الموقف اللبناني، لأن قضية النزوح السوري تهدّد الوجود والمجتمع اللبناني، وأن الولادات السورية ستؤدي إلى خلل كبير لأنه بعدَ سنوات يُمكن أن يتجاوز عدد السوريين في لبنان عدد اللبنانيين».
ونقلت المصادر أن الأمين العام للوزارة السفير هاني شميطلي كانت له مداخلة كرر خلالها الموقف نفسه، مذكراً كيندل بأن سلفه «انتهج السياسة نفسها، قبل أن يغادر لبنان من دون أن يودعه أحد»، وأبلغه بأن «هناك انطباعاً سلبياً لدى الرأي العام من تصريحاته ومواقفه»، ناصحاً إياه بعدم «الانجرار» كي لا يعتبره اللبنانيون خصماً.
استدعي السفير الألماني بعدما بالغ في تدخله في الشؤون الداخلية وتحريضه ضد عودة النازحين السوريين


وبحسب مصادر مطلعة، فإن التوتر الذي ساد الجلسة سببه «تجاوز السفير للأعراف الديبلوماسية في مخاطبته الوزير واستخدامه لهجة لا تليق بشخصية ديبلوماسية»، مشيرة إلى أن «النقاش تعمق في أكثر من نقطة وسادته الحدّة، إلى حد أن بو حبيب قال للسفير الألماني إن الفساد في ألمانيا وأوروبا ليسَ أقل من الفساد في لبنان. وأضاف بلهجة حازمة: لن نسمح لأحد أن يسرح ويمرح في لبنان كما يريد».

هلع وتصعيد ألماني
بعد الاجتماع، سارع السفير الألماني إلى إرسال تقرير إلى إدارته شكا فيه من أنه تعرض لـ«تهديد» من وزير الخارجية اللبناني، طالباً التدخل لدى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي. واستدعت الخارجية الألمانية السفير اللبناني في برلين مصطفى أديب للاستفسار، وطلبت منه نقل رسالة احتجاج عاجلة إلى ميقاتي الذي حدّد موعداً عاجلاً للسفير الألماني أمس.
وعلى ما يبدو، لم يرق لرئيس الحكومة ما قاله بو حبيب للسفير الألماني، إذ أصدر بعد اللقاء بياناً «أثنى على الدور النشيط الذي يقوم به السفير كيندل في لبنان وعبّر له عن تقديره لشخصه وللجهود التي يبذلها في تنمية العلاقات اللبنانية - الألمانية في المجالات كافة»، منوّهاً بـ«عروض المساعدة التي تقدمها ألمانيا لإعادة بناء بعض القطاعات الحيوية، وبمساهماتها في دعم النازحين السوريين والمجتمعات المضيفة لهم في لبنان».
وقالت مصادر وزارية إن الجلسة بين ميقاتي وكيندل كانت «إيجابية جداً وأدت إلى تذليل الخلاف». فيما أشارت مصادر الخارجية إلى أن «ما حصل لم يكُن سجالاً، بل تباين مُزمن في وجهات النظر بين الموقف اللبناني ووجهة نظر الدول الغربية وتحديداً الأوروبية في ملف النازحين»، وإلى أن هناك «تبايناً هيكلياً في النظرة إلى هذا الملف الشائك». ونفت أن يكون كلام وزير الخارجية قد انطوى على أي نوع من التهديد، «بل كانَ مجرد تذكير بعدم قدرة لبنان على التحمّل».