وبين الوقت الضائع واحتمالات الشغور الطويل الأمد، يمكن التوقف عند مفصلين أساسيين: أولاً حجم الانهيار الذي تتضاعف حدّته اجتماعياً واقتصادياً ومالياً، من دون أي محاولة لفرملته. فما حصل خلال الأيام التي سبقت نهاية العام تم التعامل معه «رسمياً»، على مستوى حاكمية مصرف لبنان وحكومة تصريف الأعمال والقوى السياسية، من باب الاستخفاف بحجم الأضرار التي حصلت وانعكاسها محلياً. ولعل ما قاله رئيس المجلس السياسي في حزب الله السيد إبراهيم السيد في بكركي حول المخاوف من استمرار الانهيار، و«عندها لا قيمة لوجود رئيس في بلد ينهار»، أحد وجوه الأزمة التي يتقاطع فيها جنوح بعض القوى المسؤولة مالياً نحو مزيد من الانهيار، ما ينعكس حتماً على ملف الرئاسة، وغضّ النظر السياسي عن ممارسات مالية تتعلق بقطاع الكهرباء والنفط والمصارف. وهذه مسؤولية مجتمعة لدى كل الأطراف من دون استثناء. فمن قال إن هناك رغبة على أبواب استحقاقات مالية لها علاقة بصندوق النقد والخطط المالية ووضع الحاكمية نفسها، في انتخاب رئيس جديد. ومن قال كذلك إن السكوت «الرسمي» المتمادي على مستويات وزارية ونيابية وسياسية عما يجري مالياً لم يعد له هدف تطويق مرشحين رئاسيين كما الاستحقاق بذاته، بقدر ما هو استمرار في سياسة الإفقار.
الارتضاء الطوعي بالشغور ليس حكراً على طرف وجميع الأطراف يتصرّفون وفق معيار واحد
وما يجري يضرب عصافير عدة في وقت واحد، طالما أن هناك تسليماً من القواعد الشعبية للمعارضة والموالاة و«التغييريين» بأن حدود اللعبة صارت محصورة بالحد الأقصى بالتحضير للانتخابات البلدية!
أما العنصر الثاني فهو عودة الكلام عن المخاوف الأمنية. ورغم أن هذا الكلام ليس جديداً ويتكرر في مراحل حساسة، يبرز اليوم لجهة تحذير خصوم حزب الله من مرحلة أمنية يمكن أن تتسبّب في زعزعة تسبق مرحلة التسوية. وقد يكون للتلويح بالأسباب الأمنية محلياً وخارجياً ارتباط بحجم المخاوف من أن ترتدّ أي تسوية خارجية أميركية - إيرانية على لبنان تسليماً بنفوذ حزب الله، في انتظار وضوح الموقف السعودي من هذه الاحتمالات. وإذا كان خصوم حزب الله يضعون مسبقاً سقفاً واحداً للتعامل مع أي حدث أمني باعتبار أن الحزب وراءه، تبرز تحذيرات غربية من مخاوف أمنية على صلة بالرئاسة. فمن المسلّم به أن اسم قائد الجيش العماد جوزف عون بات موضوعاً على الطاولة في شكل رسمي في الوسط الخارجي. وعادة يتم تقديم اسم قائد الجيش مرشحاً «أمنياً» في بلد يعيش على وقع الاهتزازات المتتالية. لكن المرحلة اليوم اقتصادية بامتياز، في وقت حُكي عن تسوية أمنية اقتصادية بتزكية عون والرئيس نجيب ميقاتي سوياً لإدارة الوضع. وأي خلخلة أمنية يمكن أن تساهم في تعزيز هذا الجو الرئاسي. رغم أن اختيار أي قائد للجيش لا يتم بحسب مطابخ رئاسية بحكم معرفته الأمنية، بقدر ما يتم اختياره بعد الاطمئنان إلى حجم التعاون الذي يبديه خلال سنوات خدمته مع الأطراف المحليين والخارجيين. لكن توقيت التحذيرات الأمنية يبقى مدعاة تساؤل، ولم يكد يمضي شهران فقط على الشغور الرئاسي.