لا يطغى هدير الجرافة الإسرائيلية التي تشق الطريق العسكرية في وادي هونين على «كركرة» نراجيلهم في التلة المقابلة على بعد أمتار قليلة. مجموعة من الشبان رابضوا منذ الصباح الباكر قبالة الورشة المعادية. من بلدة حولا المجاورة، أحضروا كراسي والمشروبات والمكسرات وجاؤوا للتمتع بأشعة الشمس والطبيعة الخضراء. ثبّتوا مقاعدهم قبالة جنود العدو الإسرائيلي المزودين بالرشاشات والخوذ والدروع والأجهزة لحماية الورشة. الشبان العزّل، تعمدوا نفث دخان نراجيلهم في الهواء لاستفزاز الجنود الذين احتموا بالجرافة ودبابة الميركافا وعناصر فريق الارتباط التابع لقوات اليونيفيل. ليست المرة الأولى التي ترابض «قوة النراجيل» في وجه الورش المعادية. قبل ورشة هونين، جلس هؤلاء قبالة مستعمرة المطلة، وقبلها في العديسة قبالة مستعمرة مسكافعام. وهم بشكل دائم يتجمعون قبالة موقع العبّاد في بلدتهم حولا، بحسب حسن شريم. يدرك رفيقه حيدر قطيش (26 سنة) بأن العدو «يستحدث مواقع دفاعية جديدة للهروب من المقاومة. وفيما هو يتحصن في خوفه، نحرص على أن نهزأ به وبدفاعاته». أما رفيقهما علي أيوب، فيلفت إلى أن إسرائيل ترفع الدشم والأسلاك خوفاً من «أخضر بلا حدود»، في إشارة إلى الجمعية المحسوبة على حزب الله والتي تعمل على تشجير البلدات الحدودية. يضيف: «العدو يتدشم ونحن نتسلى بمقارعته. تسلية بلا حدود».وكانت «التسلية» بلغت مداها الأسبوع الماضي في سهل الخيام قبالة ورشة المطلة. تنادى العشرات، منهم أطفال، من الخيام وكفركلا والعديسة وجاراتها، إلى «المرج» كما تعرف المنطقة. بعضهم افترش حقول القمح وشكل طوقاً شعبياً حول الجيش. ومنهم من أخذ يراقص فوهة الميركافا التي تتحرك عندما تتحسس مرور أي جسم.
أمام جنود الجيش اللبناني المتأهبين لصد أي خرق، تنقل مراسل قناة «المنار» الزميل علي شعيب وتعمد الوقوف طويلاً عند تخوم السياج الشائك في وادي هونين. استنفر جنود العدو وطالبوا فريق الارتباط في اليونيفيل بإبعاده. لكنه لم يأبه. ثبت أقدامه في آخر شبر لبناني ووثق حركة أسنان نصل الجرافة التي اقتلعت أشجار السرو المعمرة لشق الطريق. على مسمع العدو، يهزأ شعيب بالورشة المعادية: «سوف نستفيد من الطريق الجديدة لنستخدمها بعد أن نحرر الجانب المحتل».
تشكل ورشة هونين امتداداً لورشة تلة المحافر قبالة العديسة وتلة الحمامص قبالة سهل الخيام وتلة الراهب قبالة عيتا الشعب. وبحسب مصدر أمني، سيتابع العدو شق الطريق الموازية المحمية بالأسلاك الشائكة، حتى تلة العباد. وبين هونين والعباد، من المتوقع بأن يرتفع حجم الاستنفار من قبل الجيش اللبناني لصد الخروق المحتملة للأراضي اللبنانية المحررة. إذ إن المنطقة تضم مساحات واسعة من الأمتار المتحفظ عليها لبنانياً. أول الاستنفارات سجل أمس بخرق الخط الأزرق بمتر واحد. فيما من المنتظر أن يثير الجيش مع قوات اليونيفيل مسألة عبّارة تقع عند السياج الشائك يستخدمها العدو لتصريف المياه المبتذلة الناتجة من مزارع البقر في الجانب المحتل، باتجاه الأراضي اللبنانية.

شكوى ضد الإسبان
ورغم أن الجيش اللبناني والضغط الشعبي أنهيا ورشة المطلة، إلا أنها خلفت خسائر على أصحاب الأرض التي وقعت الأشغال في محيطها. فقد تقدم كل من طانيوس شلهوب وعبدالله فارس بشكوى للجيش اللبناني بحق الوحدة الإسبانية في قوات اليونيفيل لتخريبها بحقول القمح التي يملكانها. فعلى مدى خمسة أيام، دخل الجنود بآلياتهم الثقيلة إلى الأرض للوصول إلى موقع الأشغال الصهيونية، وأتلفوا سنابل القمح النابتة التي ركنوا آلياتهم ونشروا مشاتهم فوقها. يقول شلهوب لـ«الأخبار» إنه وشريكه فارس اعترضا لدى قيادة الجيش في مرجعيون. وبنتيجة المراجعات، حضرت قوة مدنية وعسكرية من الإسبان إلى الأرض الجمعة الفائت لإحصاء الأضرار التي تسببوا بها في المزروعات وطلبوا من أصحابها رفع تقرير بالأضرار بعد ترجمته إلى الإسبانية، واعدين بالتعويض عليهم. وقدر فارس الضرر الذي أصاب موسم القمح بما لا يقل عن 200 مليون ليرة في العشرين دونماً التي يضمنانها من مطرانية الكاثوليك منذ تحرير العام 2000.
تشكل ورشة هونين امتداداً لورشة تلة المحافر قبالة العديسة وتلة الحمامص قبالة سهل الخيام وتلة الراهب قبالة عيتا الشعب

قبل الإسبان، تسبب العدو قبل عامين بضرر مماثل. بحسب فارس، «ألقوا مبيداً لحرق الأعشاب لمنع نباتها في أسفل السياج الشائك حتى لا تستخدم للتمويه والتسلل. مبيداتهم طاولت مزروعاتنا وأحرقتها. وبرغم شكوانا لقيادة اليونيفيل في الناقورة، لم نتلق أي تعويض». يدرك شلهوب ابن دير ميماس وفارس ابن كفركلا، قيمة هذه الأرض. «المسألة لا تعوض بالملايين. إنما بعدم الاستهانة بأرضنا وتعبنا». يستذكر فارس (60 سنة) «كيف سرق الصهاينة تراب هذا المرج ونقلوه إلى الجانب المحتل لإقامة الحقول التي نراها اليوم بعد أن كانت تلالاً صخرية». تلك الأرض كانت ضمن مستعمرة المطلة حتى تحرير الجنوب. كانت حدود السياج الشائك تصل إلى طريق التابلاين أي طريق الإسفلت الموازية للمطلة. وبعد التحرير تراجع السياج إلى موقعه الحالي. يقول شلهوب: «استعدنا جزءاً من أراضينا، فيما لا تزال أراض أخرى محتلة في سهل الحولة وتلة الذوق والمطلة لأهالي دير ميماس والعديسة».