في الأسابيع الأخيرة توسع الجدل حيال تمديد ولاية المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم أو إحالته على التقاعد، بعد مسار في الأمن العام تقاطعت فيه الإدارة والأمن مع السياسة والديبلوماسية المقنعة. عُدّ مديراً عاماً ومفاوضاً ووسيطاً في الداخل والخارج، مع أفرقاء متناقضين أو متنافسين أو مختلفين كما حيال ملفات صعبة ليست وظيفته معنية بها كلها. إلا أنها اقترنت بدوره أكثر منها صلاحياته. ليس أول مدير عام للأمن العام قبل اتفاق الطائف وبعده تتشعب مهماته ويُنظر إليه على أنه حاجة محترفة.إلى اليوم ليس محسوماً تماماً ما ينتظر اللواء إبراهيم بعد مطلع آذار: ينعقد مجلس النواب قبلاً أو لا ينعقد أبداً؟ المخرج مقيد بقانون يصدر عن البرلمان كي يستمر في منصبه.
التمديد لعباس إبراهيم يدور من حزب الله إلى برّي إلى باسيل إلى ميقاتي (هيثم الموسوي)

لا يحوط باللواء إبراهيم تناحر كالذي رافق ما دار بين مرجعية رئيس الأركان أمين أبو العرم المحال على التقاعد في 24 كانون الأول، وهو النائب السابق وليد جنبلاط، وبين رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل. ولا كذلك الحؤول دون تمديد ولاية المفتش العام في المجلس العسكري اللواء ميلاد إسحق المحال على التقاعد في 25 كانون الأول كجزء من اشتباك اندلع بين وزير الدفاع موريس سليم وقائد الجيش العماد جوزف عون. تفاقم خلافهما أيضاً من حول المدير العام للإدارة اللواء مالك شمص المحال على التقاعد في 3 شباط. أمس بالذات ذُللت المشكلة الأخيرة هذه. أجرى عون تشكيلات تضمنت العميد منير شحادة وقعها الوزير، نجمت عنها مذكرة فصل شحادة إلى المديرية العامة للإدارة لتسييرها، بعد حروب مذكرات فصل تبادلها الوزير والقائد.
قيل أحياناً في العلن إن العقبة في طريق استمرار اللواء إبراهيم في منصبه قانونية مرتبطة بالتئام مجلس النواب بينما تقاطعه الكتل المسيحية كبرى وصغرى وتمتنع عن المشاركة في جلسة عمومية قبل انتخاب رئيس للجمهورية. قيل أيضاً إن لمرجعية تعيينه وهي الثنائي الشيعي عام 2011 لم تفصح علناً كذلك عن تأييد بقائه في منصبه، بالمفرق والجملة، وهي صاحبة القرار الأول كي يبقى أو يتقاعد. أضف أن المعتاد تقليدياً وتاريخياً تعيين مدير عام جديد للأمن العام، كما قائد الجيش، يرافق كل عهد جديد في أوله مع انتخاب رئيسه ويستمر معه إلى نهايته. مع أن منصب الأمن العام خرج - أو أُخرِج - من حصة الموارنة وانتقل إلى الشيعة، إلا أنه ظل أحد المفاتيح الضرورية ليس لمرجعية التعيين فحسب، بل كذلك لرئيس الجمهورية.
في الأيام الأخيرة تلاحقت الاتصالات حيال استعجال إيجاد حل لمصير ولاية اللواء إبراهيم ببقائه أو إحلال أعلى ضباط الأمن العام رتبة في منصبه. سيصدف هذه المرة أيضاً أن يكون مسيحياً هو العميد رمزي الرامي كما بعد ولاية السلف العميد وفيق جزيني.
تولى الوزير السابق المحامي ناجي البستاني وضع اقتراح قانون يتفادى عبارة «تمديد» لبقاء اللواء إبراهيم في الأمن العام بصيغة ملطّفة مقبولة تجنّب الاقتراح الوقْع السياسي السلبي، المألوف مرات عدة في حقبة ما بعد اتفاق الطائف، رؤساء للجمهورية وقادة إدارات وأجهزة عسكرية وأمنية.
ميقاتي يطلب اقتراحاً ثانياً يضم عثمان إلى التمديد قبل أكثر من سنة على تقاعده


نصّ اقتراح القانون بمادة وحيدة على الآتي:
«يعلّق بصورة استثنائية حتى 31/12/2025 ضمناً نفاذ البند (1) في المادة 67 من المرسوم الاشتراعي رقم 112/1959 المعدل في ما خص إحالة المدير العام للأمن العام على التقاعد لبلوغه الرابعة والستين. ويعاد في 1/1/2026 نفاذ البند المذكور وتطبيقه وفقاً لحرفية أحكامه».
على أن يعمل بالقانون فور نشره في الجريدة الرسمية.
وصل الاقتراح إلى حزب الله فوافق عليه للفور. قيل إن الأمين العام السيد حسن نصرالله سأل «متى الجلسة؟»، عاكساً ضمناً وسلفاً بته الإيجابي. المحطة الثانية كانت لدى رئيس البرلمان نبيه برّي. لم يعارض في عرضه على الجلسة الاشتراعية الأولى يعقدها مجلس النواب، بيد أنه اشترط حضور «مكوّن مسيحي» رئيسي لتوفير غطاء للجلسة وجدول أعمالها. ثالثة المحطات انسجاماً مع طلب برّي، وصول الاقتراح إلى باسيل. لم يمانع بدوره لكنه ربط الشرط بشرط وهو أنه وكتلته يحضران الجلسة على أن لا تقتصر على اقتراح القانون، بل تتضمن قانوناً عاماً يوحي بالانفراج وتخفيف وطأة الأزمات المتراكمة كمشروع قانون كابيتال كونترول بعدما أنجزته اللجان النيابية المشتركة، والمفترض إحالته على الهيئة العمومية. رابعة المحطات عند رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي سأل عندما اطلع على الاقتراح المقصور على المدير العام للأمن العام: «أين السنّي؟». كانت هذه إشارة صريحة إلى رغبته في إدخال المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان في الاقتراح مع أن إحالته إلى التقاعد بعد أكثر من سنة.
الجواب على جواب ميقاتي كان: «وأين الماروني أيضاً؟». وهي إشارة إضافية إلى صفقة متكاملة لا تقتصر على صاحب المنصب الشيعي، بل تشمل أيضاً قائد الجيش الماروني والمدير العام لقوى الأمن الداخلي السنّي.
نجم عن الاتصالات تلك دوخان الاقتراح: حزب الله يوافق بلا شروط، برّي يوافق بشرط، باسيل يوافق بشرط على الشرط لكنه يرفض أيضاً إدخال عون وعثمان في الاقتراح، ميقاتي لا يوافق إلا بإلحاق سنّي.
وضع صاحب الاقتراح المحامي بستاني اقتراحاً ثانياً مستقلاً على الطاولة كي يتوازنا ويُقرر المسؤولون إذذاك أيهما يُعرض على البرلمان.
نصّ الاقتراح الثاني بمادة وحيدة بدوره المنفصل كلياً عن الأول دامجاً تمديد ولاية المحال على التقاعد الشهر المقبل مع المحاليْن على التقاعد بعد أكثر من سنة، على الآتي:
«1 - يعلّق بصورة استثنائية حتى 31/12/2025 ضمناً نفاذ المادة (56) من المرسوم الاشتراعي رقم 102/1983 المعدل في ما خص إحالة قائد الجيش إلى التقاعد لبلوغه الستين. يعاد في 1/1/2026 نفاذ البند المذكور وتطبيقه وفقاً لحرفية أحكامه.
2 - يعلّق بصورة استثنائية حتى 31/12/2025 ضمناً نفاذ البند (1) في المادة (67) من المرسوم الاشتراعي رقم 112/1959 المعدل في ما خص إحالة المدير العام للأمن العام على التقاعد لبلوغه الرابعة والستين. يعاد في 1/1/ 2026 نفاذ البند المذكور وتطبيقه وفقاً لحرفية أحكامه.
3 - يعلّق بصورة استثنائية حتى 31/12/ 2025 ضمناً نفاذ المادة (88) من القانون رقم 17 تاريخ 7/9/1990 المعدل في ما خص إحالة المدير العام لقوى الأمن الداخلي على التقاعد لبلوغه التاسعة والخمسين. يعاد في 1/1/2026 نفاذ المادة المذكورة وتطبيقها وفقاً لحرفية أحكامها».
على أن يعمل بالقانون فور نشره في الجريدة الرسمية.
إذا صدقت النيات والمواقف المعلنة، فإن الجلسة المرجحة للبرلمان ستكون بين 15 شباط و20 منه حداً أقصى. بيد أن الخيار ليس بالسهولة المتوخاة من فرط الشروط المتبادلة يُخشى معها، في آن، تفجير اقتراح بآخر فيتطايران في الهواء معاً. من ذلك الاعتقاد بأن الصيغة الموضوعة أمام البرلمان هي التي ستحدد خاتمتها، خصوصاً إذا صحت العبارة المنقولة عن نصرالله: «متى الجلسة؟».
المفترض أنها قالت كل ما يقال.