لأن لا ثقة في نيّة السلطة السياسية لإنجاز قوانين إصلاحية حقيقية تتناقض ومصالحها، أعلنت نقابة المحامين، الأسبوع الماضي، إنجاز مشروعيّن للـ«كابيتال كونترول» و«إعادة هيكلة المصارف». المشروع الأول هو البديل من مشروع السلطة لفرض قيود على عمليات السحب والتحويل، بينما الثاني يدمج بين مشروعين أعدّتهما قوى السلطة: «إعادة التوازن إلى القطاع المالي»، و«إعادة هيكلة المصارف». ويشكّل مشروعا نقابة المحامين، أول محاولة بديلة من مشاريع قوى السلطة تنطوي على جدية وعلى سياق واضح في الإقرار بالأزمة وطريقة المعالجة شاركت فيها مجموعات ولوبيات ضغط مختلفة.
إفلاس المصارف واقع
«التوقف عن الدفع» هو التعريف الذي تنطلق منها نقابة المحامين في مشروعها المسمّى «إصلاح وضع المصارف المتوقفة عن الدفع وإعادة تنظيم القطاع المصرفي»، نحو الإقرار بالخسائر. ويعبّر ذلك عن إفلاس المصارف بسبب استحالة تغطية الدين المستحقّ عليها تجاه الزبائن، بعيداً من لجوئها إلى وسائل تضليلية ووسائل كاذبة لإظهار ملاءتها. مشروع النقابة يقترح أنه فور ثبوت توقف أي مصرف عن الدفع، يحقّ لمصرف لبنان الطلب من المحكمة الابتدائية النظر في دعاوى الإفلاس وتطبيق أحكام القانون عليه. وفيه أيضاً اعتراف واضح بالخسائر الواقعة وبحقّ المودع في محاسبة المصرف وفق نصّ المادة السابعة منه. وينطوي المشروع على مهل محدّدة بدقّة وملزمة، مثل مهلة الـ48 ساعة الممنوحة للمحكمة من تاريخ تقديم مصرف لبنان طلباً ضدّ المصارف المتخلفة، أو طلب المصرف نفسه، لتعيين مدير مؤقت، ومهلة 15 يوماً لمتابعة دعوى الدائن، أو النيابة العامة الاستئنافية، لإصدار حكم معجّل التنفيذ بإعلان التوقف عن الدفع بعد الاستماع إلى الحاكم وممثل المصرف، وتحت طائلة متابعة الإجراءات، وهو ما يحول دون تلكؤ أو تواطؤ أحد الأطراف مع أصحاب المصارف. وفور صدور القرار يتنحى أعضاء مجلس إدارة المصرف حكماً، وتتوقف المحاكم عن النظر بالدعاوى المقدّمة أو التي ستقدم ضدّ المصرف.
في البند المتعلق بلجنة الإدارة، يبدو الفرق جلياً بين المشروع الحكومي الذي يُطلق يد حاكم مصرف لبنان والهيئة التي يرأسها لاتخاذ ما يراه مناسباً بحقّ المصارف التي يراها متخلفة، وما بين الإجراءات المذكورة في القانون المقدم من لجنة حماية حقوق المودعين في نقابة المحامين. دور وصلاحيات «لجنة الإدارة» محدّدة من المحكمة بعد إعلان الإفلاس ضمن مهلة 30 يوماً، والمحكمة تسمّي رئيسها الذي لا يكون موظفاً أو متعاملاً مع وزارة المال أو مصرف لبنان بأي شكل، تفادياً للاستنسابية. تتألف هذه اللجنة من 7 أعضاء: عضو مقترح من المالية، وآخر من المجلس المركزي في مصرف لبنان، وثالث خبير محاسبة مجاز تقترحه نقابة خبراء المحاسبة بشرط ألا يكون على علاقة بأي مصرف عامل في لبنان. أما العضو الرابع فهو محام تقترحه نقابتا المحامين في بيروت وطرابلس بنفس شروط المحاسب، ويتم تعيين عضوين اثنين من أصحاب الودائع وعضو من المساهمين. الأعضاء الثلاثة الأخيرون يجرى انتقاءهم عبر نشر إعلان في الجريدة الرسمية وفتح باب الترشح لمن يرغب في مهلة سبعة أيام لتعمد المحكمة إلى الاختيار في ما بينهم. تعمل اللجنة على تقييم وضع المصرف، وتتولى صلاحية مجلس الإدارة والجمعية العمومية، وتتخذ التدابير التي تؤمّن مصالح أصحاب الحقوق، بما فيها الاقتراض من مصرف لبنان أو زيادة رأس ماله. ويفترض باللجنة أن ترفع إلى المحكمة تقريراً خلال 9 أشهر تحدّد فيه إذا كان بإمكان المصرف متابعة أعماله وفق خطة لمدة 5 سنوات، أو وضع المصرف قيد التصفية وبتصرف مصرف لبنان.

التحدّي: اختراق اللوبي المصرفي
في الباب الثالث من هذا المشروع، هناك شرح واف لمفاعيل التوقف عن الدفع منعاً للاستنسابية في إيفاء حقوق الدائنين بمن فيهم المودعون، وإيقاف الدعاوى الفردية بوجه المصرف أو الحجز على أمواله، وإيقاف المحاكمات القائمة التي لم يصدر فيها حكم مبرم. بعدها يتوجب على الدائنين إثبات قيمة حقوقهم تجاه اللجنة خلال مهلة 3 أشهر تحت طائلة سقوط الحقّ. وفي ما خصّ الودائع، تطلب لجنة الإدارة من المصارف كل المعلومات عن الودائع التي تتعدّى مبلغ 250 ألف دولار، أو 500 مليون ليرة لبنانية للحساب الواحد و750 ألف دولار أو مليار ليرة لبنانية للحساب المجمع مع الأزواج والأولاد. ويمنح المودع حقّ إثبات مشروعية ودائعه ومصدرها ضمن مهلة شهر، وفي حال انقضاء هذه المهل تعتبر الودائع غير مشروعة ويسقط الدين ويتم حذفه من قيود المصرف ومصرف لبنان. على أن تقوم لجنة الرقابة على المصارف بالتنسيق مع لجنة التحقيق الخاصة بإبداء رأيها في مشروعية أو عدم مشروعية الوديعة في مهلة 10 أيام. وهنا يكمن الفرق بين مشروعيّ الحكومة ونقابة المحامين، فالأول يحدد مشروعية الودائع وفق أطر غير منطقية وحمّالة أوجه، في حين أنها محدّدة بدقة في مشروع النقابة.
وعندما تقدّم اللجنة تقريرها الملزم بعد 9 أشهر، يعود للمحكمة تلقائياً أو بطلب من «المركزي» إصدار حكم بوضع اليد عليه. بعدها يبدأ عمل لجنة التخمين المؤلفة من 3 مخمنين مستقلين على تخمين موجوداته والتزاماته. ويُمنح مصرف لبنان صلاحيات إعادة هيكلة المصرف عبر تملك موجوداته، والتفرّغ عنها لأي شخص ثالث، ودمج المصرف، وإعادة رسملته، ونقل ملكيته، وتحويل ديونه إلى أسهم أو سندات. وحدّد القانون المسؤوليات المدنية والجزائية لإدارة المصرف، فضلاً عن آلية ضمان الودائع مع عدم احتساب الفوائد التي تجاوزت معدل «ليبور» منذ تاريخ إيداعها المصرف. وتقوم المؤسّسة الوطنية لضمان الودائع بضمان الودائع بحساب العملة المودعة فيها. لكن هنا ثغرة تكمن في عدم التطرق إلى كيفية ردّ الودائع لمن تقاضى تعويضه بالليرة اللبنانية على سبيل المثال والتي فقدت أكثر من 70% من قيمتها اليوم.
وفي سياق آخر، يعوّل المشروع على استعادة الأموال المتأتية عن الجرائم المالية والفساد لسداد الودائع. كما يربط عملية تحديد الخسائر بإنجاز التدقيق في الحسابات المصرفية والتدقيق الجنائي في مصرف لبنان، وتعيين هيئة مصرفية مستقلّة ومحاسبة صنّاع القرار في القطاع المالي... وهذه أمور قد تكون متعذّرة ما دام صنّاع القرار والمتحكمون بمفاعيل هذه الشروط هم أنفسهم المتسببون بالأزمة.
اعتراف واضح بالخسائر الواقعة وبحقّ المودعين في محاسبة المصارف


في المحصلة، يبدو هذا القانون أفضل بما لا يحتمل المقارنة من المشروع الحكومي، لأنه يرى عمق المشكلة، ولا يتوانى عن تحديد وتوزيع المسؤوليات. كما أن مشروع «الكابيتال كونترول» المقدّم من نقابة المحامين أيضاً، يصوّب على أصل القانون وأسبابه الموجبة التي تتمثل في ضبط حركة رأس المال وتحديد استثناءات واضحة لنقل الأموال إلى الخارج مع تحرير كل التداولات المالية والمصرفية في الداخل بكافة أشكالها. لكن التحدّي الأكبر يكمن هنا في قدرة النواب المتبنين للقانونين (وهم قلّة) على خرق اللوبي المصرفي في مجلس النواب والإطاحة بنسخة اللجان المشتركة المحولة إلى الهيئة العامة لفرض إعادة مناقشة قانون الكابيتال كونترول مجدداً والتأثير في مجرى نقاش قانون إعادة التوازن المالي في لجنة المال والموازنة.