تعليق هيئة مكتب مجلس النواب قرارها امس جزم سلفاً بتعذر التئام البرلمان وتفادي الوقوع في اختبار لا يريده الرئيس نبيه برّي: تكرار مأزق السلطة الاجرائية بانقسامها وتفرّق كتلها وتالياً شلّ دورها، فيما لا يزال مجلس النواب السلطة الدستورية الوحيدة المعوَّل عليها بعد تفكك السلطتين الدستوريتين الاخريين مجلس الوزراء والقضاء، بينما ثالثتهما - اولاهما الاصح - رئاسة الجمهورية في الكهف. المحسوب ان اي دعوة لجلسة للبرلمان ستواجَه بمقاطعة ولن يكتمل نصابها. فضّلت هيئة المكتب اخيراً التريث دونما ان تنقسم على نفسها، ولا ان يوجه رئيسها دعوة تنجم عنها خيبة، ولا ان تفقد الهيئة العمومية حقها في الاجتماع في ما بعد، ولا دستورية الاشتراع وان ابان شغور رئاسة الجمهورية.اما ما يُفترض ان يلي تعذر انعقاد البرلمان هذا الاسبوع، فالبحث عن مخارج اضحت موجودة لأحد ابرز البنود المقرر ادراجها في الجلسة غير المنعقدة، وهو تمديد بقاء المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم في منصبه.
منذ الاسبوع المنصرم ساعدت المعطيات المؤشِرة الى ان لا نصاب لالتئام مجلس النواب على البحث في مسارين اثنين: اولهما التخلص تماماً من لائحة اقتراحات قوانين كانت مُعدة للجلسة حيال تمديد ولايات مسؤولين امنيين واداريين سواء قادة اجهزة امنية بالجملة والمفرق او مديرين عامين بمفعول رجعي او من دونه، كما بنطاق توسيع تمديد الولايات. ثانيهما حصر المشكلة في اللواء ابراهيم المعني الاول في الاصل بالاجراء قبل فتح بازار تارة هو مذهبي وطوراً هو سياسي يجنيه هذا الفريق او ذاك. انتهى الامر بتصفية الفروع كلها دفعة واحدة والابقاء على الاصل.
تنتهي ولاية اللواء ابراهيم في 2 آذار المقبل ببلوغه الرابعة والستين. يقتضي ان يترك منصبه الى التقاعد مدنياً بعدما كان استقال من الخدمة العسكرية عام 2017 قبل سنتين من موعد احالته على التقاعد في سن التاسعة والخمسين بصفته لواء، في ملاك الامن العام الذي انتقل اليه من الجيش مع تعيينه مديراً عاماً عام 2011. كان من المتوقع لجلسة مجلس النواب تعديل السن القانونية بغية استمراره في منصبه بعد الرابعة والستين. اخفقت الجلسة فصار الى البحث عن مخارج سواها. حصل ما يماثل تقريباً ولاسباب مختلفة سابقاً، في 28 تشرين الثاني 1995، بتعديل سن تقاعد قائد الجيش العماد اميل لحود وتمديدها ثلاث سنوات بعدما اوشك على بلوغ سن التقاعد وهي الستون، فرافقه تمديد استمراره في منصبه في السنوات الثلاث انتهت بوصوله الى رئاسة الجمهورية عام 1998. وحده العبور من بوابة البرلمان كان الخيار الامثل لتمديد الولاية.
في الايام الاخيرة قيل ان اقتراحات عدة عُرضت بين المعنيين توصلاً الى الحؤول دون تقاعد اللواء ابراهيم. قيل ان يصير الى التعاقد معه بقرار من وزير الداخلية بسام مولوي بصفة مستشار لشؤون المديرية العامة للامن العام على ان يعهد اليه في قرار الوزير ادارتها الى حين تعيين مدير عام اصيل، ما لبث ان تبخر بفعل المادة 68 في قانون الموظفين الصادر بالمرسوم الاشتراعي 112/1959 اذ تحظر فقرتها الخامسة التعاقد مع موظف محال الى التقاعد في اي ادارة عامة او مؤسسة عامة او بلدية. قيل ايضاً ان لمجلس الوزراء اصدار مرسوم بابقائه في منصبه طوي. طوي بدوره اقتراح رفضه اللواء ابراهيم بعدما عرضه عليه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بتعيينه مستشاراً له. اثير كذلك احتمال تأجيل تسريحه قبل ان يسقط للتو كونه مدنياً فقد الصفة العسكرية التي تتيح له هذا المخرج المنصوص عليه في قانون الدفاع، وكان جرّبه الجيش قبل سنوات مع قائده السابق جان قهوجي ثلاث مرات والمدير السابق للمخابرات العميد ادمون فاضل بين عامي 2013 و2017.
حل لناجي البستاني له سابقتان: اسكندر غانم واميل لحود


لم يعد سوى مخرج وحيد جال به الوزير السابق ناجي البستاني على المسؤولين والمعنيين. ليس الاخيرون حكوميين فحسب. في الاسابيع الاخيرة اكتسب السجال من حول بقاء اللواء ابراهيم في منصبه بعداً جدياً طرق ابواب الاحزاب وليس المقار الرسمية فقط. كان على حزب الله ان يفصح عن تأييده له ام لا والتيار الوطني الحر. قيل الكثير من التكهنات السلبية من حول موقف رئيس البرلمان الذي عزم على اخراج تمديد الولاية من المكان الاصل وهو البرلمان. قيل ايضاً وايضاً ان احداً ممن اعلنوا مقاطعتهم جلسة البرلمان لم يُظهروا معارضتهم بقاء الرجل في منصبه. خابروه واعلموه بتأييدهم له. بيد ان ذلك كله تجمد في نهاية المطاف عند تعذر انعقاد المجلس.
اما اكثر الاقتراحات المتداولة اخيراً واوفرها «فطنة»، فهو الرأي الذي اصدره قاضيان في مجلس شورى الدولة هما محمد فرحات وكارل عيراني قالا في احدى فقراته: «حيث انه في ظل وجود الظروف الاستثنائية تحل محل الشرعية العادية شرعية استثنائية تستفيد السلطة الادارية في ظلها من تمدد وتوسع في الصلاحيات لم يلحظه القانون اصلاً، وحيث ان الاجتهاد يعتبر ان الادارة او السلطة العامة تتمتع في هذه الظروف بصلاحيات واسعة وان غير قانونية وان كانت لا تستند الى اي نص قانوني صريح، بل اكثر من ذلك تعطى السلطة التنفيذية صلاحيات تعود عادة الى السلطة الاشتراعية».
ما يعنيه الرأي هذا بالتعويل على نظرية الظروف الاستثنائية المطبقة في الاجتهادين الفرنسي واللبناني، دعوة حكومة ميقاتي الى تولي الصلاحيات الاشتراعية لمجلس النواب كي تحل هي محله. حيث لم يتمكن البرلمان من الانعقاد لاتخاذ اجراء، تُنقل صلاحياته الاشتراعية الى مجلس الوزراء كي يتولاها فيقدم على ما لم يتمكن مجلس النواب من القيام به. وجد الرأي هذا ان لبنان اليوم في «ظروف استثنائية» و«ظروف عصيبة» و«ظروف حرجة» المستندة الى ذينك الاجتهادين.
بالتأكيد ليس ثمة ما يوحي ان في وسع اي احد التجرؤ في هذا الوقت بالذات او في اي وقت آخر على مفاتحة برّي بالتخلي عن الصلاحيات الاشتراعية للسلطة الدستورية التي يترأس.
اما المخرج المستنبط لناجي البستاني فيقع في بنود ثلاثة متدرجة هي الآتية:
«1 ـ استدعاؤه من الاحتياط مع تطبيق تعليق المهل لجهة السنوات الخمس المحددة للاحتياط باضافة سنتين وخمسة اشهر تؤلف مهلة التعليق.
2 - عندها يتولى المديرية العامة (للامن العام) لأنه الاعلى رتبة والاكثر قدماً.
3 ـ يمكن لاحقاً تأجيل التسريح عملاً بأحكام المادة 55 من المرسوم الاشتراعي 102/1983 الذي يطبق على قوى الامن الداخلي والامن العام».
الى ماذا يرمي المخرج هذا؟
يستند الى المعطيات الآتية:
- مذ استقال من الخدمة العسكرية عام 2017 اضحى اللواء ابراهيم في الاحتياط طوال خمس سنوات.
- لأن مهلة السنوات الخمس في الاحتياط استنفدت، بات يتعذر استدعاؤه منه لتجاوزه المدة تلك. وُجد الحل في قانون تعليق المهل الناشئ عن تفشي جائحة كورونا ما يقتضي تطبيقه بمنحه سنتين اضافيتين وخمسة اشهر كي يسري عليه الاستدعاء من الاحتياط فيعود الى الخدمة الفعلية في الامن العام على انه الضابط الاقدم والاعلى رتبة فيطبق عليه كل ما يطبق على ضباط الخدمة الفعلية المنصوص عليه في المادة 55 من المرسوم الاشتراعي 102/1983. ما يفترض بعدذاك ان يصير الى تأجيل تسريحه لمدة غير محددة يكون في خلالها على رأس المديرية بقرار يوقعه وزير الداخلية تبعاً لمرسوم نظام الاحتياط في قوى الامن الداخلي.
استند حل ناجي البستاني الى المادة 161 في القانون 17/1990 المتعلقة بتنفيذ الاحكام المطبقة على ضباط الجيش، والمادة 24 من المرسوم الاشتراعي 139/1959 القاضية بأن تسري على الامن العام الاحكام المطبقة على قوى الامن الداخلي)، والمادة 144 من المرسوم الاشتراعي 102/1983 القائلة باخضاع الاحتياطيين طيلة مدة الاستدعاء لكل القوانين والانظمة والتعليمات المتعلقة بالمتطوعين، والمادة 55 من المرسوم الاشتراعي 102/1983 الرامية الى تأجيل التسريح مع سريانه على كل مَن يكون في الخدمة الفعلية بعد استدعائه من الاحتياط.
ينتظر الحل المقترح هذا تسارع اجراءاته في الايام القليلة المقبلة.