الخلافات داخل حزب القوات اللبنانية في منطقة الأشرفيّة لم تعد سرّاً، والتهديد والوعيد المتبادلان بين مسؤولي حزب سمير جعجع باتا «طبيعيين». الجميع في «الأشرفية البداية» يعرفون عن الخلاف بين نائبٍ يُريد البقاء متربعاً على مقعده النيابي من دون أن يُقدّم خدمةً واحدة لناخبيه، وآخر ديناميكي بعيدٍ عن الإعلام يُنفّذ مشاريع ولو على حسابه الخاص.الصّراع بين غسّان حاصباني وجهاد بقرادوني بات يزعزع القواعد الحزبيّة، وهو يعود إلى ما قبل الانتخابات النيابيّة. يؤخذ على حاصباني أن محاولته اختصار الحزب بشخصه وتعاطيه بفوقيّة مع «رفاقه» فاقما خلافه مع معظم مسؤولي الأشرفيّة.
ما يثير حفيظة «دولة الرئيس» هي «حنفيّة» بقرادوني المفتوحة على أهالي الأشرفيّة، رغم أن الأخير، وفق ما يتردّد، يُحاول مُراعاة «حساسية» حاصباني بعدم تخطّيه في أيّ من المشاريع التي يطرحها أو الملفّات التي يُتابعها.

(هيثم الموسوي)

أول هذه المشاريع إنارة شوارع الأشرفيّة. عرض بقرادوني الأمر على قيادة الحزب، مقترحاً التعاون مع حاصباني في تنفيذه، إلا أنّ الأخير تمنّع عن المُشاركة في تمويله، فما كان من بقرادوني إلا أنّ باشر بالمشروع بالتّعاون مع بعض مسؤولي المنطقة، أبرزهم منسّق بيروت في الحزب سعيد حديفة. المشروع لم ينتهِ بعد، إذ يفترض أن تضاء أحياء مار متر اليوم، على أن تُضاء شوارع الجعيتاوي الأسبوع المقبل، ومع ذلك توالت أصداؤه الإيجابيّة بعدما ساهم في خفض معدّل السرقات في المنطقة.
كما عمل حاصباني سابقاً على تهميش دور بقرادوني الذي ساهم في الإجراءات اللوجستيّة في ملفّ رشّ الأدوية في أهراءات مرفأ بيروت لتعقيم القمح المتخمّر فيها، فيما «قطف» الأول المشروع على «البارد المستريح» وتصدّر الزيارات والتصريحات على المنابر.
«غصّة» حاصباني الكبرى كانت إبعاده عن نادي الحكمة الذي تولّى رئاسة مجلس أمنائه لسنوات رزح خلالها النادي تحت ديون ماليّة، من دون أن يساهم في فكّ «ضيقته»، فيما «رشّ» بقرادوني في اليوم نفسه الذي عُيّن فيه رئيساً فخرياً للنادي المال على «الحكمة»، ويتردّد أنّه وضع ميزانية لإنفاق مليون دولار سنوياً على النادي.
كل ذلك يغضب نائب رئيس مجلس الوزراء السابق الذي يرى أنّ بقرادوني يتقصّد «القوطبة» عليه في المشاريع بهدف استمالة القاعدة القواتية وقيادتها، ويعمل جاهداً على استقطاب رجال الدين الأرثوذكس، إضافة إلى توزيعه مساعدات مالية «لا أحد يعلم مصدرها»، على ما يُنسب إلى حاصباني في مجالسه الضيقة.

قياديون على خط الصراع
ينفي بقرادوني أيّ صراع مع حاصباني، مؤكّداً لـ«الأخبار» أنّ «علاقتنا ممتازة. نحن في الكتلة نفسها ونعمل للأهداف نفسها». لكن، في المقابل، يؤكّد «قواتيون» أن «الصراع قائم»، ويتمدّد إلى قيادات أُخرى؛ من بينها النائب السابق عماد واكيم. الأخير الذي ترأس قيادة الحزب في بيروت على مدى سنواتٍ، من دون أن يترك بصمةً خاصة، عانى هو أيضاً من «فوقيّة» حاصباني الذي تمكّن، بعد جهود مضنية، من «إزاحته» ليحلّ نائباً مكانه. وحتّى اليوم، لم «يهضم» واكيم «الاستيلاء» على مقعده النيابي. لذلك، ينقل قياديون أنّه ينتظر حاصباني «على الكوع» ليردّ له الصاع الصاعين، فيما يؤكد واكيم لـ«الأخبار» أن استبعاده لم يخلق له أي حساسيّة: «أنا ملتزم بحزب درست هيئته التنفيذيّة أن المعركة بحاصباني أفضل، لذلك استلمت إعادة هيكلة الحزب، ما يعني أنّه لم يتم استبعادي من الحزب، وبالتالي ما زعلت»، مشيراً إلى أن «لا خلافات في الأشرفيّة، لكن التنافس على الأرض طبيعي».
يعبّر حاصباني عن انزعاجه من مشاريع بقرادوني ومساعداته لأهالي الأشرفية


الحزبيون يتحدثون عن خلافٍ أكثر وضوحاً بين حاصباني وسعيد حديفة، منسّق بيروت الذي أدار حملة الأول وكان صديقه الأقرب في الأشرفية قبل أن تسود الخصومة بينهما. تقول الرواية المتداولة إنّ حاصباني طعن حديفة في الظهر بعدما كان الاثنان يعملان على مشروع وضع نصب السيدة العذراء في ساحة ساسين. وبعد ردود فعل سلبيّة من جعجع وبعض المطارنة، «غسل» حاصباني يده من الموضوع وراح يُحرّض على حديفة في «معراب» ويُسرّب اتهامات بأن الأخير تقاضى مبالغ طائلة لم تُصرف كلّها على التمثال، ما أدّى إلى «كباش» بين الرجلين. وزاد الطين بلّة أنّ حديفة بات يُرافق بقرادوني في جولاته البيروتية، وتحوّل إلى يده اليمنى في اقتراح المشاريع في أحياء الأشرفيّة وتنفيذها.
خلافات حاصباني التي وصل صداها إلى معراب تُريح بعض مسؤولي «القوات» الذين «يسنّون أسنانهم» لخلافته. أبرز هؤلاء عضو مجلس بلديّة بيروت راغب حداد الذي عرف كيف «يفتح الأبواب» مع كل القوى السياسيّة ويُميّز علاقاته مع الكنيسة الأرثوذكسيّة. وهذا أيضاً ما يفكّر فيه المرشّح السابق عن مقعد الأقليات في دائرة بيروت الأولى المحامي إيلي شربشي. الأخير يرى أنّ التضييق الحزبي والمالي عليه في الانتخابات النيابيّة، ما أدّى إلى خسارته، كان من «بنات أفكار» حاصباني كون شربشي شخصيّة شبابيّة داخل «القوات» تُعرف بنضالها ويُمكن أن تنافسه داخل الحزب. في انتظار موعد الانتخابات المقبلة، يعمل شربشي على تحسين وضعه، للعودة مرشّحاً أقوى.