لا حاجة إلى التبصير ليدرك المتابع للمعلومات التي تسرّبها الأجهزة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية، أن الثغرات الفاضحة في رواية العدو حول عملية مجدو تعكس أمرين: إما محاولة بائسة لاستدراج الطرف الآخر إلى الكشف عن معطيات غير معلومة لدى العدو، أو عجز العدو عن كشف كل التفاصيل حول العملية. وتتوالد الأسئلة ساعة بعد ساعة، ربطاً بأمور وأسئلة واستنتاجات بديهية:

أولاً، كيف يمكن تصديق الرواية الإسرائيلية بأن المنفذ قام بعمله ثم قرر التوجه شمالاً، بعد الحديث عن أنه تسلل من لبنان. وهي، في الوقت نفسه، تشير إلى أنه كان مجهزاً بقنابل وأحزمة ناسفة وأسلحة أخرى، يفترض أنه يحملها لمواجهة أي طارئ. وإلى ذلك، ثمة احتمال آخر ليس معلوماً لماذا قرر العدو إغفاله، وهو أن المنفذ قد يكون مكلفاً بأعمال أخرى، وأن مجرد وجود حزام ناسف يعطي مهمته بعداً استشهادياً، أي أنه كان يفترض به ألا يسمح لجنود العدو باعتقاله، أو أنه كان مكلفاً القيام بعملية أخرى ذات طابع استشهادي.
ثانياً، تحدث العدو عن أن جنوده عملوا على «تحييد» المقاوم بقتله، لكن من دون الكشف أو تقديم أي أدلة عما كان في حوزته، ومن دون نشر صور يتفاخر العدو عادة بوجودها لديه، كما لم يوضح سبب عدم حصول (أو التكتم عن) أي اشتباك بين المقاوم والوحدة الإسرائيلية. إذ تم الاكتفاء بالإعلان عن كشف المقاوم وقتله لأنه كان يشكل خطراً، فكيف ظهرت هذه الإشارات، وهو لم يطلق النار، ولم يجر الحديث عن اشتباك أو تفجير للحزام الناسف.
ثالثاً، زعم العدو أن المقاوم قرر الاتجاه شمالاً، ولم يشرح فرضية عدم محاولة المقاوم التقدم صوب منطقة المثلث التي تبعد كيلومترات قليلة عن مكان تنفيذ العملية، أو حتى محاولته دخول الضفة الغربية، وكأن هناك نية للإشارة إلى أن المقاوم كان مكلفاً بمهمة محددة والعودة إلى قواعده، علماً أن هذه الفرضية تتنافى مع طبيعة المواجهات بين المقاومين وقوات الاحتلال، ولطالما كان من غير الممكن تفادي المواجهة، مع العلم أن الفشل الاستخباراتي تمثل ليس فقط بعدم وجود أي إشارة إلى عملية من هذا النوع، بل في مرور ساعات طويلة قبل تحديد ما حصل وتحديد وجود شخص وتشخيص حركته وملاحقته إلى حيث قال العدو إنه حيّده بالقتل.
واضح أن العدو يريد إخفاء الكثير في بيانه الرسمي. وربما يهدف إلى جر الطرف الآخر إلى فخ أمني. لكن طبيعة الحديث عن العبوة، وعن التسلل من لبنان، وعن احتمال تورط حزب الله، ومن ثم الانتقال إلى الحديث عن هوية المقاوم وتسريب أنباء عن أنه فلسطيني، وتنظيم جولة للصحافيين في منطقة الضهيرة للإشارة إلى أنها نقطة العبور نحو بلدة يقطنها العرب من البدو، كل ذلك يبدو معه وكأن هناك سعياً إلى تحقيق أمور تتجاوز الحادث بحد ذاته، ومنها:
- يسعى العدو إلى تثبيت سياسة الإنكار تجاه تصاعد حالة المقاومة ضده في كل فلسطين، وهو يريد أن ينفي عن عرب الـ 48 أي علاقة بالعمل العسكري المقاوم، والإيحاء بأن الفلسطينيين غير قادرين على القيام بمثل هذه العمليات، ويصر على أن مصدر العبوة لبنان، ليس بقصد تحميل حزب الله المسؤولية، بل بنفي قدرة الفلسطينيين على تجهيز عبوات مماثلة، وهو الذي سبق أن أعرب عن صدمته من ظهور مسيّرة فوق منطقة نابلس قبل مدة، إذ كان يعتقد بأن هذا النوع من السلاح موجود فقط في غزة، وكذلك عندما أعلن أنه أسقط، بالتعاون مع القوات الأردنية، عدداً من المسيرات التي كانت تنقل سلاحاً إلى الضفة، مشدداً على أن مصدر المسيّرات هو الشمال، وكأن غزة غير قادرة على إرسال مسيرات من القطاع تحمل أسلحة خفيفة إلى المقاومين في الضفة الغربية.
- لا يريد العدو فتح أعين جمهوره على حقيقة أن المقاومة في فلسطين قادرة على الارتقاء في عملها النوعي والوصول إلى مستوى جديد من التسلح في الضفة الغربية أو في مناطق الـ 48. وهو يصر على إيهام جمهوره بأنه نجح في منع أي مواد قابلة للاستخدام المزدوج عن فلسطينيي الضفة الغربية، ولكنه عندما يقر بأن هناك من يرسل مسدسات وأسلحة رشاشة خفيفة إلى المقاومين داخل فلسطين، يستغرب كيف يتم تهريب عبوات متطورة كالتي فجرت في مجدو، وكأن للتهريب سقفاً لناحية الكمية والنوعية من الأسلحة التي يحتاجها المقاومون في معركتهم الآيلة إلى التصعيد مع مرور الوقت، والمفترض أن تشهد قفزات جديدة في القريب العاجل.

واضح أن العدو يريد إخفاء الكثير في بيانه الرسمي وربما يهدف إلى جر الطرف الآخر إلى فخ أمني


مع كل ما سبق، وإذا كان العدو ينتظر من قوى المقاومة داخل فلسطين وخارجها أن تنجرّ إلى سياقه في النقاش حول ما حصل، فهو يهرب من حقيقة أنه عندما يتهم قوى محور المقاومة بالوقوف خلف هذه العملية، لا يكون قد ابتدع شيئاً جديداً، خصوصاً أنه يعلم تماماً أن تطور العلاقات بين قوى محور المقاومة يشتمل ليس فقط على المواقف السياسية، بل على الخطط العملانية، ومن ضمنها توفير الخبرات والمواد التي تحتاجها المقاومة في فلسطين لتطوير برنامج عملياتها. وبالتالي، على العدو ألا يتوقع تنصل أي فريق من قوى المقاومة من دوره، بل على العكس، وبدل سياسة الإنكار وإغماض العيون، عليه توقع ما هو أشد قساوة يوماً بعد يوم.
أما بشأن فكرة العبور من لبنان، فلا ضرر من تكرار قول أحدهم: «يا أيها العدو، راقب أمامك ونحن من الخلف سنأتيك، من قال لك بأننا سنعبر فهو مخطئ، فنحن منذ وقتٍ عبرنا».