عليه، تغيّرت خريطة مجلس النقابة عمّا كان عليه الوضع منذ عامين عندما انتُخب عارف ياسين نقيباً مع 10 أعضاء محسوبين عليه من أصل 15. هذا كلّه تم نسفه بفعل «ضربات متلاحقة» خلال المعارك السابقة قبل «الضربة القاضية» السبت الماضي التي خسر فيها ياسين ما كان يملكه؛ بالكاد صار الرّجل يتقاسم المجلس مع الأحزاب بوجود 6 أعضاء لـ«النقابة تنتفض» (أحدهم ينتمي إلى «مواطنون ومواطنات في دولة»)، مقابل 7 أعضاء لائتلاف الأحزاب (اثنان محسوبون على حزب الله، وعضو لكل من حركة أمل وتيار المستقبل والتيار الوطني الحر والحزب التقدمي الاشتراكي وعضو مستقل مقرّب من المستقبل ومدعوم من الأحزاب)، إضافة إلى عضوين للقوات اللبنانيّة والكتائب.
ما زاد الطين بلّة ما تناقله حزبيون عن انقلاب أعضاء مقرّبين من ياسين عليه بعدما انقضى أكثر من نصف ولايته. إذ يحسب هؤلاء «خط الرجعة» في حال أرادوا الترشّح بعد عام. هذا ما ينفيه بعض مسؤولي «مصمّمون»، ويؤكّده مسؤولو أحزاب يعدّدون أسماء من نقلوا البارودة من كتفٍ إلى كتف وبينهم من «يسنّ أسنانه» للترشّح لمنصب النقيب السنة المقبلة. كما يُراهن مسؤولو الأحزاب على تقرّب ياسين منهم في عامه الأخير وفتح أبواب النقابة أمامهم. إذ لم يعد قادراً على تمرير القرارات بالتصويت بعدما فقد غالبيّة مجلس النقابة؛ وبالتالي، صار لزاماً عليه فتح باب النقاش مع الأحزاب في كلّ ملف.
ما يُريح الأحزاب أكثر أنّها «سلّفت» ياسين ومن خلفه «مصمّمون» التي لم تكن قادرة على إيصال العضو الوحيد إلى الهيئة العامة من دون دعم حزبي، ولا سيّما من الثنائي الشيعي. إذ إن حركة أمل وزّعت على ناخبيها منذ صبيحة الانتخابات لائحة مكتملة من 5 أعضاء بينهم داغر (إلى جانب علي حسن وصبح وشاهين ودمج). فيما أصر حزب الله على دعم المرشح المسيحي المستقل أكرم خوري، قبل أن يقتنع الثانية من بعد ظهر السبت أنّ حظوظ الأخير باتت معدومة، وأن مرشح القوات سامر واكيم بات قريباً من الفوز. وبسبب تلاقي المصالح، اختار «الحزب» سحب الأصوات من خوري وصبّها لمصلحة داغر باعتباره مرشحاً مهنياً للحزب الشيوعي اللبناني ويخوض أوّل تجربة نقابيّة له.
تراجع حزب الله عن دعم خوري لمصلحة «مصمّمون» لعدم إيصال مرشّح «القوات»
لم يكن «الحزب» وحيداً في اللعب من تحت الطاولة، بل كان حزب القوات اللبنانيّة «كشتبنجياً» من الطراز الرفيع، إذ سريعاً ما تخلّى عن مرشّحه إيلي حاوي (نال 9 أصوات) و«ركّب» تحالفاً من تحت الطاولة مع «مصمّمون» من خلال دعم المرشّحة على المقعد نفسه (الفرع الثاني - المعماريون الاستشاريون)، هالة يونس، مقابل دعم مرشّحه إلى الهيئة العامّة سامر واكيم، إضافة إلى تحالفٍ آخر مع الاشتراكي عبر دعم مرشحّه إلى رئاسة الفرع السادس يوسف عبيد. هدف هذا التحالف أصلاً إلى «كسر» مرشّح أمل على المنصب نفسه، سلمان صبح، وكان الأمر على وشك الحصول، إذ بدت النتائج متقاربة مع حصول عبيد على 1586 صوتاً مقابل 1932 صوتاً لصبح، بفعل رفض التيار الوطني الحر الالتزام بكامل لائحة الأحزاب وعدم تمرير أصواته لصبح. هذا ما أدركته «أمل» باكراً بعدما تبلّغته من قيادة «التيار» في النقابة، إلا أنّها لم تتمكّن من «رد الصاع» لـ«العونيين»، باعتبار أنّ شطب اسم شاهين من اللائحة التي كانت توزّعها على ناخبيها يعني حُكماً وصول مرشّح «القوات». لذلك، ابتلعت الموسى مفضلّةً «أهون الشرور»؛ شاهين على واكيم.
في المقابل، لعب «الاشتراكي» لعبة التشتيت كعادته؛ فتح باب التنسيق مع الأحزاب لسحب مرشّحه إلى الهيئة العامّة محمّد السيّد وخوض المعركة بدعمٍ للائحة الأحزاب. لكنّه قبل ساعات قليلة من فتح باب الصناديق (مساء الجمعة) أعلن «فك التحالف» قبل بدء مفاعيله أصلاً، وأنّه سيخوض المعركة منفرداً بالسيّد للهيئة العامّة وعبيد للفرع السادس. ما لم يقله «الاشتراكيون» في بيانهم هو التحالف من تحت الطاولة مع القوات لدعم واكيم، وتحالف آخر مع «مصمّمون» عبر دعم هالة يونس. ويتردد أن والد يونس، الذي لم يُغادر مقر النقابة يوم السبت حتى صدور النتائج، أقنع رئيس الحزب وليد جنبلاط الذي تربطه به علاقة خاصة، بتجيير أصوات «الاشتراكيين» لدعم يونس. وهذا ما ينفيه محسوبون على «مصمّمون» ويتهمون الأحزاب ببث الإشاعات للتقليل من حجم «مصمّمون» و«الإيحاء أن الرقم نتج من تحالفات من تحت الطاولة مع أحزاب السلطة التي نخوض معركتنا في وجههم».
أحجام الأحزاب بالأرقام
بعد غيابٍ دام أكثر من عامين عن مجلس النقابة، نجح تيار المستقبل السبت في استرجاع مقعده في الهيئة العامة بعدما فاز مرشّحه حسن دمج بعضوية الهيئة العامّة، إضافة إلى المرشّح المستقل الذي كان محسوباً عليه سابقاً بسّام علي حسن (أتى ترشيحه بالاتفاق مع حزب الله وحركة أمل). لم يكن لدى «المستقبل» الكثير من الخيارات التي تخوّله «اللعب على الحبال» كما بقيّة الأحزاب، إذ كانت أولويته جس نبض ناخبيه ومعرفة حجمهم الحقيقي بعد اعتكاف رئيسهم ودخول «النقابة تنتفض» إلى قلب «المهندسين». معطيات «المستقبل» تختلف عن حلفائه على اللائحة نفسها؛ وبينما يُرجّح «المستقبل» مشاركة أكثر من 650 شخصاً محسوباً عليه لمصلحة دمج، يلفت آخرون إلى أنّ «الحريريين» لم يتمكّنوا من تجيير أكثر من 450 صوتاً صافياً للتيار.
ليس «المستقبل» وحده من خاض المعركة و«عينه» على حجمه الحقيقي، إذ فعلتها كل الأحزاب. وكان لافتاً أنّ «أمل» نجحت في استنفار المحسوبين عليها لتكون «دينامو» لائحة الأحزاب فنالت أعلى نسبة تصويت بينهم (نحو 800 ناخب). وعلى عكس «أمل»، لم يكن لدى حزب الله مرشح مباشر، إلا أنّه نجح في مدّ حلفائه بنحو 650 صوتاً. في حين كان التيار الوطني الحر، الكتلة الأقل عدداً بين تحالف الأحزاب، إذ يتردّد أنّ أصواته التي صبّت لمصلحة اللائحة لم تتعد الـ400. وهذا الرقم كان متقارباً مع الكتلة الناخبة التي تملكها «القوات» داخل النقابة، وجيّرتها لمصلحة مرشّحها ومرشحي «مصمّمون» والحزب التقدمي الاشتراكي الذي لم ينجح إلا في استنفار 350 صوتاً.
أمّا الجماعة الإسلامية وجمعية المشاريع الخيريّة وحزب الوطنيين الأحرار، فتبيّن أنّ كل واحد منهم جيّر بين 140 و200 صوت.
في المقابل، يعتقد البعض أنّ الرقم الذي ناله ائتلاف «مصمّمون» كان أقل من المعارك الأخرى ويرجّح أن يكون أقل من 900 صوت، ولو أن السبب في ذلك يعود إلى الظروف المرتبطة بهذا الاستحقاق كونه تزامن مع رمضان وبدء عطلة عيد الفصح. فيما يشير البعض إلى أنّ كتلة المستقلين كانت الأكبر بين جميع الأحزاب، إذ إنّ أكثر من ألف مهندس لم يلتزموا بأي لائحة كاملة بل صوتوا لمرشحين بحسب كفاءتهم وعلاقتهم الشخصيّة بهم، وهذا ما استفاد منه بعض المرشحين غير المنضوين في اللوائح كشارل فاخوري ودنيا عبود وراشد سركيس، إضافة إلى أكرم خوري الذي لم تلتزم كل الأحزاب بتجيير الأصوات له كحركة أمل مثلاً.