بعد تقرير ديوان المحاسبة الأخير والاتهامات التي تضمّنها لستّة وزراء اتصالاتٍ بهدرِ المال العام بنسب متفاونة في ملفَّي مبنيَي قصابيان و«الرينغ» المتعلقين بشركة «تاتش»، علمت «الأخبار» أن الديوان يحضّر قرارات اتهامية قضائية تحكم بغراماتٍ وسنداتِ تحصيل بحق من يثبت ارتكابه أعمال هدر للمال العام من الوزراء الستة وموظفي «تاتش». وتقع سندات التحصيل على الأموال الخاصة لهؤلاء بمقدار مسؤوليةِ كلّ منهم في هدر المال العام.في غضون ذلك، تكشّفت تفاصيل جديدة في ما يتعلق بمبنى «الرينغ»، أهمها وصول الغرامات المتراكمة نتيجة التخلف عن سداد ثمن المبنى إلى 18 مليون دولار، وارتفاعها بقيمة 45 ألف دولار يومياً، فضلاً عن أن «أي تحرّك قضائي أو قانوني للحفاظ على ملكية الدولة في العقار فات عليه الأوان» وفق مصادر قضائية متابعة.
وكان الديوان قد حمّل وزيرَي الاتصالات، السابق طلال الحواط والحالي جوني القرم، مسؤولية إهمال قضية مبنى شركة «تاتش» المعروف بـ«مبنى الرينغ»، الذي اشترته الدولة اللبنانية بعقدٍ لا يضمن حقوقها، وقّعه وزير الاتصالات محمد شقير عام 2019. إذ تخلّف الحواط عن سداد القسط الأول (15 مليون دولار) في 15/12/2020، وتخلّف القرم عن سداد القسطين الثاني والثالت اللذين استحقا في ولايته (مجموعهما 30 مليون دولار). نجم عن ذلك رفع شركة «سيتي ديمفلوبمنت»، مالكة العقار، دعوى أمام المحكمة الابتدائية في بيروت، في 1/3/ 2022، تطلب فيها فسخ عقد البيع واسترداد المبنى والتعويض عليها مالياً عن فترة استخدامه من قبل «تاتش» وعن «عدم صيانته وسوء الاستعمال والتخريب اللاحق به والحاجة إلى الترميم الكامل». النقطة الأقوى التي ترتكز عليها الدعوى تكمن في عدم وضع وزارة الاتصالات إشارة عقد بيع على الصحيفة العقارية للمبنى، ما يعني أنها لم تحفظ ملكيتها فيه. وهذا، في الأساس، خطأ شقير الذي وقّع العقد بنسخة واحدة موجودة لدى محامي البائع فقط، من دون تسجيلها لدى الكاتب العدل، ما يتيح له تسجيلها تلقائياً في السجل العقاري.
وفيما لم يحرك الحواط ساكناً في الملف، ردّ القرم على اتهامات الديوان له بالإهمال وتكبير الخسارة، بأنه استحصل على قرار قضائي قضى بوضع إشارة على الصحيفة العقارية للمبنى تفيد بأن هناك دعوى مرفوعة هدفها وضع إشارة عقد بيع عليها، لكن بعد الانتهاء من عملية الإفراز. ولكن رغم أن القرار القضائي صدر في 9/3/2023، إلا أن وضع الإشارة لم يحصل حتى اليوم بحسب نسخة من الصحيفة العقارية للمبنى (بتاريخ 27/4/2023) حصلت عليها «الأخبار». إذ خلت من أي إشارة للدعوى أو عقد البيع. وقد برر القرم ذلك بـ«إقفال الدوائر العقارية»، رغم أن السجل العقاري في بيروت لم يشهد ملاحقات قضائية على غرار بعبدا وعاليه ولم يكن مقفلاً.
مراجع قضائية أشارت إلى أنه «لا فائدة أو مفاعيل قانونية لخطوة القرم، طالما أنها أتت بعد تقدّم صاحب المبنى بدعوى فسخ عقد البيع، لأنه في حال ربح الدعوى سيسترد المبنى، حتى ولو كانت إشارة دعوى القرم أو إشارة عقد البيع قد سجّلت على الصحيفة العقارية للمبنى». وتلفت إلى «أنّه بين تعيين القرم في وزارة الاتصالات (أيلول 2021) ودعوى مالك المبنى لفسخ العقد (آذار 2022) ستة أشهر كان على الوزير التحرّك خلالها لحفظ حق الدولة. وبين دعوى المالك (آذار 2022) ودعوى القرم في 2023 حوالي 11 شهراً، تخلّلها إنذار وجّهته «سيتي ديفلوبمنت» إلى «تاتش» في كانون الأول 2022 بسبب التخلف عن دفع القسط الثالث من ثمن المبنى، فضلاً عن إنذار مماثل وجّهته الشركة في كانون الأول 2021 (في ولاية القرم أيضاً) بسبب التخلّف عن دفع القسط الثاني».
أصل الخطأ في توقيع شقير عقد بيع لم يضمن حقوق الدولة


في المحصّلة، تبلّغت «تاتش» ووزارة الاتصالات المسؤولة عن دفع النفقات التشغيلية، خلال ولاية القرم، إنذارين بالدفع ودعوى فسخ عقد البيع قبل أن يتحرّك الوزير في 2023، ما جعل تحرّكه «ساقطاً قانونياً ولا يحفظ حق الدولة في حال ربح المالك دعواه، وهو أمر مرجح جداً». وإلى جانب وضع إشارة على سجلّ المبنى، يشير قضائيون إلى أنه «كان في إمكان القرم وقبله الحواط إجراء منازعة قضائية لإعادة النظر في العقد وطلب إبرام عقد جديد غير مجحف بحق الدولة وتسجيله لدى الكاتب العدل لتسجيله فوراً في العقارية».
في الشق المالي، أكّد القرم أنه راجع ديوان المحاسبة لاستشارته لجهة «إيداع شيك مصرفي لدى الكاتب العدل بسعر 3900 ليرة بقيمة كامل المبلغ المتراكم (45 مليون دولار)»، وأنّه بالفعل أودع 30 مليون دولار بموجب شيك مصرفي وفق هذه الآلية عام 2023. وقالت مصادر في ديوان المحاسبة إن «الحلّ المقترح من القرم يبقى حلاً مجتزأً من جانب واحد وغير مضمون النتائج، طالما أنه استنسب أن يسدّد المبالغ المتوجبة على أساس سعر صرف 3900 ليرة للدولار من دون تبيان السند القانوني أو الواقعي لاعتماده، ومن دون أن يكون هناك اتفاق مسبق مع الجهة البائعة على هذا السعر. فضلاً عن أن تسديد المبالغ لا ينهي احتمال إلغاء عقد البيع بفعل التخلف الحاصل في تطبيق بنوده». وأضافت إن «القرم لم يتحرّك لإيجاد حلّ إلا بعد إبلاغه دعوى فسخ عقد البيع وإنذارين من المالك».
من تبعات التخلّف عن الدفع، تراكمت غرامات بقيمة 18 مليون دولار على خزينة الدولة، وعلمت «الأخبار» أنها ترتفع بقيمة 45 ألف دولار يومياً (15 ألف دولار عن كل يوم تأخير عن ثلاث سنوات بمجموع 45 ألفاً).
إلى ذلك، طلب النائب العام لدى الديوان القاضي فوزي خميس من مدير الشؤون العقارية وضع إشارة عقد بيع على سجلّ المبنى، ومنع التصرف به إلى حين الانتهاء من تحقيقات باشرها. وقرّر خميس استدعاء الوزراء المتعاقبين على الاتصالات للاستماع إلى إفاداتهم. كما حدّدت لجنة الإعلام والاتصالات جلسة الثلاثاء المقبل لمناقشة التقرير بحضور ممثلين عن الديوان ووزيرَي العدل والاتصالات.



الكازينو يخضع للشراء العام؟
علمت الأخبار أن إدارة كازينو لبنان استجابت لكتاب وزير المالية يوسف الخليل المرسل إليها في 12 الجاري، بناءً على طلب رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، وأرسلت أمس مستندات متعلّقة بعقد التلزيم الذي وقّعته مع شركة «OSS» لإدارة ألعاب الميسر إلكترونياً، لكي تحوّلها المالية، وفقاً لطلب ميقاتي، إلى كل من هيئة الشراء العام وديوان المحاسبة. ومن المتوقّع أن تدرس المالية الأوراق وتُرسل الملف بداية الأسبوع المقبل إلى الديوان، طالبةً المشورة.