في 18 نيسان الماضي، وبناءً على مطالعة من وزير المال يوسف الخليل، اتّخذ مجلس الوزراء قراراً رقمه 22 يهدف إلى تشريع الجريمة المنظّمة التي ارتكبها مصرف لبنان والمصارف لحجز أموال الناس. فالقرار يمنح الطرفين حصانة في مواجهة دعاوى إساءة الأمانة والإفلاس الاحتيالي التي تواجه عدداً من المصارف الآن، كما أنه يحاول تبرير كل إجراءات مصرف لبنان أثناء الأزمة وفرض قيود غير شرعية على الودائع.ففي جلسته الأخيرة، أقرّ مجلس الوزراء الآتي: «الطلب من المصرف المركزي اتخاذ الإجراءات الضرورية والمناسبة لإلزام المصارف بسقف السحوبات المتاحة للمودعين (سحباً أو تحويلاً) وفقاً للتعاميم ذات الصلة، وإلا التعامل بشكل يساوي في ما بينهم وعدم إعطاء أولوية لوديعة على أخرى أو على أي التزام آخر بالعملة الأجنبية مهما كان نوعه ومصدره والاستمرار بمنح عملائها حرية التصرّف بالأموال الجديدة (فريش)».
وجرى تبرير القرار بعرض قدّمه وزير المال يوسف الخليل حول ما أسماه «فوضى في التعامل مع المودعين بنتيجة عدم انتظام العمل في القطاع المصرفي وتعثّر الالتزام بالضوابط التشريعية أو التنظيمية والتي من نتائجها تأمين المساواة بين المودعين»، ثم استرسل الخليل في سرد قصّة «حرص الحكومة» على مشروع الكابيتال كونترول لضبط حركة التحاويل والمعاملات المصرفية ووضع حدّ للخلل الحاصل في هذا القطاع والحؤول دون انهياره... مشيراً إلى أن الحقّ على مجلس النواب الذي لم يقرّ المشروع بعدُ مفرّطاً بحقوق المودعين والمساواة في ما بينهم، ثم خلص إلى اعتبار هذا الواقع «ظرفاً استثنائياً يوجب على الحكومة اتخاذ تدابير استثنائية». وجرى الاستناد إلى المواد 70 و71 و174 من قانون النقد والتسليف لإصدار القرار المسخ.
السرد المؤثّر الذي قدّمه الخليل في مجلس الوزراء، لم يكن مبنياً على قواعد قانونية بل يقال إنه أتى بتوجيه واضح من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي وعد المصارف حين كانت تمارس الإقفال بوجه الزبائن قبل بضعة أسابيع، أن يمنحها غطاء يشرّع الكابيتال كونترول. لكنّ هذا الغطاء لم يكن ليأتي من دون تغطية مماثلة لتعاميم مصرف لبنان التي صدرت أيضاً، استناداً إلى قانون النقد والتسليف ولا سيما المواد المذكورة. فالمادتان 70 و71 تشيران بوضوح إلى «مهمة المصرف العامة» فيما المادة 174 مصنّفة تحت باب «قواعد تسيير العمل العامة». فمن مهمة المصرف المركزي الحفاظ على سلامة النقد وسلامة المصارف والاستقرار الاقتصادي، وهو من يتعاون مع الحكومة ويقدّم لها مشورته، ولديه صلاحيات إصدار التوصيات وإصدار التعاميم. بهذا المعنى، فإن القرار الحكومي الذي أُقرّ بإجماع كل الوزراء، هو عرض تجريبي لعملية تشريع الجريمة المنظّمة التي قامت بها قوى السلطة في السنوات الأربع الماضية. وعلى حدّ قول أحد المصرفيين، فإن قائد المافيا، لم يكن يعمل وحدَه، بل كان يعمل لمصلحة المافيا التي ستعمل بدورها على تغطيته... وأخيراً أتى هذا الغطاء.
القرار الوزاري ليس امراً استثنائياً ويخرج عن النطاق الضيق لتصريف الأعمال


المهم، أنّ المسألة لا تتعلق بتشريع الكابيتال كونترول الذي مارسه مصرف لبنان والمصارف منذ بداية النصف الثاني لعام 2019، بل المسألة تتعلق بتشريع الجريمة التي ارتُكبت خلال فترة إدارة الأزمة وصولاً إلى جذورها التي تعود إلى السنوات الماضية.
والقرار يستدعي أيضاً معاينة قانونية أجراها المحامي كريم ضاهر، وخلص بنتيجتها إلى أن القرار مجرّد «هرطقة دستورية» لأن مجلس الوزراء في حالة تصريف أعمال «وهو قرار يخرج عن النطاق الضيق لتصريف الأعمال، وأن تبرير صدوره بالظروف الاستثنائية يوجب السؤال عما إذا كان هناك أي ظرف أكثر استثنائية من الظروف التي مرّت منذ النصف الثاني من عام 2019، بينما الآن لم يعد الظرف استثنائياً بمقدار ما كان عليه في أوّل سنة من الأزمة مثلاً».
ويضيف ضاهر، أن القرار هو محاولة «بصورة غير مباشرة لتبرير كل الأعمال التي قام بها مصرف لبنان في السنوات الماضية». كما يرى ضاهر أن القرار «يحاول تغطية دعاوى إساءة الأمانة والإفلاس الاحتيالي التي تعرّضت لها المصارف من المودعين والتي تفرض حضور وامتثال رؤساء مجالس إدارة المصارف وأعضاء مجالس إدارتها لمختلف الإجراءات القضائية، ما يدفعهم إلى إجراء تسويات تزعجهم». قرار كهذا بات يمكن استعماله كورقة من أجل وقف تنفيذ القرارات القضائية التي تزعج المصارف وأصحابها.
لكن بعيداً عن سياق تبنّي القرار وخلفياته، يبدو أن القرار قابل للطعن. فهو يسهّل العملية الجارية منذ فترة إلى الآن، أي تذويب الودائع وتحويلها إلى ليرات تفقد قيمتها سريعاً. بل يرى ضاهر أنه أكثر من ذلك، إذ يعتبر أنه «إعادة هيكلة مبطّنة للمصارف، فضلاً عن كونه كابيتال كونترول مبطّناً أيضاً، لكنه قبل كل ذلك يخرق تراتبية القوانين، ولدينا مهلة شهرين للطعن فيه، وسنقوم بهذا الأمر».