■ إذا عدنا إلى 12 تموز 2006. هل كنت تعلم بأن عملية أسر الجنديين الإسرائيليين ستنفّذ في ذلك اليوم؟ ما هي الإجراءات التي اتخذتها؟ وكيف تطوّرت الأمور؟أساساً، القرار بأسر جنود إسرائيليين كان قد اتخذ في شورى حزب الله قبل أشهر من تنفيذ العملية. في آلية العمل لدينا، عندما تتخذ الشورى قراراً من هذا النوع، يحوّل الإجراء والتنفيذ إلى المجلس الجهادي الذي يرأسه، بحسب نظام الحزب، الأمين العام. هذا المجلس يتألّف من مجموعة من القيادات الجهادية الأساسية.

على المستوى التنفيذي، نوقش الأمر في المجلس الجهادي من جهات عدة، كاختيار المكان المناسب لتنفيذ عملية ناجحة، الزمان، التكتيك، خطة العمليات، المشاركون، إدارة العملية، وردود الفعل المحتملة والاحتياطات التي يجب اتخاذها. هذه الأمور كلها تناقش عادة في المجلس الجهادي، ويتخذ القرار بالإجماع أو بشبه إجماع، أي ليس بالتصويت.
تم اختيار المكان، وتحديد المجموعات المشاركة، وإدارة العملية. لكن الأمر لم يكن بسيطاً، واحتاج تنفيذه إلى أشهر. دخل الإخوة إلى المنطقة، وحتى إلى داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، أكثر من مرة، وكانوا يكمنون لمدة ثم يخرجون، ثم يعودون وينتظرون الفرصة المناسبة. أحياناً، كانت تتوافر أهداف، لكن لم يكن واضحاً إن كانت مدنية أو عسكرية. ونحن كنا نؤكد على ضرورة أسر جنود لا مستوطنين، لئلا يقال لاحقاً إننا خطفنا مدنيين. كل هذا استغرق وقتاً إلى أن نُفذت العملية. طبعاً، كان المعنيون بإدارة الموقف في بيروت، على مستوى القرار وعلى المستوى الجهادي، عندما نقترب من احتمال تنفيذ العمل، يطّلعون على ذلك. لم يكن أحد متفاجئاً. قبل تنفيذ العملية بأيام قليلة، كان لدينا احتمال قوي جداً بأن الإخوة سيوفّقون لتنفيذ العملية خلال أيام.
وفي لحظة تنفيذ العملية، كنّا على اطّلاع، واتخذنا الإجراءات والاحتياطات التي خططنا لها. وانتقلت مجموعة قيادة العمليات إلى المكان الذي يجب أن تكون فيه منذ الدقائق الأولى. في الساعات التي تلت العملية، لم تكن التداعيات كبيرة وخطيرة. كلّ ما كان متوقعاً في اليوم الأول جرى استيعابه بشكل جيد، لأننا حضّرنا لمواجهته جيّداً. وبعد التأكد من نجاح العملية، وأن الأسرى نقلوا بعيداً عن خط النار، انتقلت من غرفة العمليات إلى المؤتمر الصحافي، وجرى الإعلان عن أسر الجنديين بهدف التفاوض غير المباشر لإطلاق الأسرى لدى العدو.

لا نطلق تهديداً أو نتحدث عن معادلة لسنا قادرين على تنفيذها


أكثر ما آلمني من مجازر العدو في تموز قصف مجمع الإمام الحسن


■ كيف يتصرّف الأمين العام في هذه اللحظات؟ ما هو دوره تحديداً؟ وهل كانت لديك كلّ التصورات والخطط البديلة حول آليات الإخلاء والانتقال وغيرها؟
الأمين العام هو جهة قرار في إدارة العمل الجهادي. بالطبع، هو لا يدير الوحدات الجهادية والقتالية والميدانية بشكل مباشر، ولا يدير العمليات بالمعنى العسكري التقني. القيادات الجهادية، أو من نسمّيهم نحن المعاونين الجهاديين، هم من يتولون ذلك. طبعاً هم يتابعون العمل مع الأمين العام، لأن السياسات المرسومة من شورى القرار موجودة لديه بشكل واضح، وهو مفوّض بهامش من الصلاحيات، ومطلع على الوضع الجهادي وعلى الإمكانات المتاحة وعلى الوضع السياسي. إذاً، الأمين العام هو جهة قرار، حتى في الشأن الذي يرتبط بالميدان أحياناً. وهو يتخذ القرار بالتشاور وأحياناً بالتوافق مع أعضاء المجلس الجهادي. على سبيل المثال، المناطق التي كنا نستهدفها بالقصف داخل فلسطين المحتلة. ليس الميدان هو الذي يقرّر أين نقصف. هذا قرار نتخذه نحن. عندما يؤخذ القرار، يتابع المسؤولون الجهاديون تنفيذه، ويعملون على التنسيق بين الوحدات وبين جهات المعلومات وجهات المدفعية وإطلاق الصواريخ... يعني، عندما نقول إننا دخلنا في مرحلة حيفا فهذا قرار. نوع السلاح الذي يجري استخدامه قرار. استهداف «ساعر خمسة» قرار أيضاً. هذا النوع من القرارات يتخذه المجلس الجهادي والأمين العام، كونه رئيس المجلس، بالتشاور وبالتفاهم مع الإخوان، والجهات الإجرائية هي التي تدير، وأنا آخذ علماً بالإجراء.
لماذا نقول إن هذا قرار؟ لأن لكل خطوة حيثيتها. مثلاً، ضرب «ساعر خمسة» يعني أننا قررنا أن نضرب هدفاً نوعياً له تداعيات كبيرة. ثانياً، بما أننا نستخدم سلاحاً لأول مرة، فهذا يعني أن المجلس الجهادي قرر أن يكشف عن سلاح لم يكن معروفاً أنه موجود لدينا. بعد هذا القرار، يصبح النقاش تقنياً فنياً إجرائياً تنفيذياً لا علاقة لي به ولا أتدخل فيه. هذا موضوع أهل اختصاص. نعم عندما يكون الإخوان على تواصل معي، يقولون لي «ماشي الحال»، أو إن هناك عقبات أو صعوبات. لكن معالجة هذه الأمور من مسؤولياتهم.
هناك مثل آخر يتعلق بموضوع قصف تل أبيب. هذا ليس موضوعاً إجرائياً، بل قرار كبير. عندما كانت تُقصف الضاحية ومدن أخرى في الجنوب والبقاع، جرى نقاش جدي حول ما إذا كان ينبغي أن نقصف تل أبيب الآن أو لا. بنتيجة النقاش، ثبّتنا معادلة تل أبيب ـــ بيروت. الضاحية وبقية المناطق كانت، على كلّ حال، تتعرض لقصف شديد. قلنا: فلننشئ معادلة جديدة، إذا كنا نستطيع من خلالها أن نحمي بيروت أو نساهم في حمايتها لأسباب كثيرة فليكن ذلك وهذا أفضل.

■ لو حصل ذلك عام 2006، هل كانت تل أبيب ستضرب كما تضرب اليوم من غزة؟
بالتأكيد، وأقوى بكثير. هذا معروف. الإسرائيليون يعرفون ذلك. أنت تتحدث عن صواريخ بأحجام ونوعيات وكميات مختلفة. بالتأكيد، كانت لدينا القدرة على ضرب تل أبيب، وإلا فنحن لا نطلق تهديداً أو نتحدث عن معادلة لسنا قادرين على تنفيذها.

■ هل تعرضتم لأي خطر مباشر خلال الحرب؟
لم أتعرض لأي إصابة مباشرة، والأماكن التي كنت موجوداً فيها لم تتعرض لأي قصف. لكن، بطبيعة الحال، المنطقة التي كنا موجودين فيها كانت تتعرض للقصف.

■ هل صحيح أن صواريخ سقطت بالقرب منك أثناء انتقالك في أحد المواكب؟
غير صحيح.

■ كيف كنت تقضي نهارك في الأيام الأولى للحرب؟ نعرف أن الجهاز التنفيذي كان يقوم بمهمات كبرى، والمفاوضات السياسية لم تكن قد بدأت. هل كانت متابعتكم لمجريات الحرب متواصلة؟
عندما أقول إنني لا أتدخل بالميدان فهذا يعني أنني لا أديره. لكنني معنيّ بأن أعرف على مدار الوقت المستجدات في الجبهة: في الجنوب وفي المواقع الأمامية وفي البقاع، والأماكن التي تتعرض للقصف، الشهداء، الجرحى، المهجّرين، الناس، الجو الإعلامي والجو السياسي. هذا كلّه يحتاج إلى مواكبة.

■ هل رأيت أفراد عائلتك أثناء الحرب؟
نعم. رأيتهم مرة واحدة.

■ من كان أول من تفقدته عندما انتهت الحرب؟
عندما انتهت الحرب، كانت إمكانية الحركة معقدة قليلاً. تذكرون أن الحرب لم تنته بوقف لإطلاق النار، بل بوقف الأعمال العدائية. كنا نعتبر أننا لا نزال في قلب المعركة، لذلك بعد الحرب مباشرة، ولفترة، بقيت حركتي محدودة. هناك شخصيات ألحّت في طلب لقائي، فكنت أقول لهم إن هناك حرجاً عليّ وعليكم. كان تشخيص الإخوان أن الوضع خطر، وأن ظهوري في أي مكان قد يعرضني ويعرّض الموجودين للخطر. المكان الوحيد الذي ذهبت إليه بعد الحرب هو المكان الذي كان فيه المرحوم سماحة السيد محمد حسين فضل الله. زرته وعدداً من الإخوان لشكره على موقفه. أثناء الحرب، الوحيدون الذين كنت ألتقي بهم هم الإخوة المعنيون بالعمل الجهادي. وعلى الشبكة الداخلية، كنت أتحدث مع المنار، ومع العلاقات الإعلامية. في الحديث على الشبكة الداخلية، لم تكن هناك مشكلة. كانت هناك مشكلة في الكلام على الخلوي أو اللاسلكي. أحياناً، كنت أسجّل كلمة ثم تبث على اللاسلكي للشباب الذين ليس لديهم داخلي، هذا حصل.

ــــ هل تفقّدت النازحين أثناء الحرب؟
الأمر لم يكن يحتاج إلى تفقد شخصي لأن طبيعة الحركة كانت صعبة، لكنني كنت على تواصل مع الإخوان المعنيين بأمور النازحين. التشكيل الحزبي كله كان شغالاً، وكنت على تواصل مع كل المسؤولين، وبالتالي كانت لديّ صورة يومية واضحة عن القصف والدمار، وعن المهجرين وكيف تعالج مسائلهم والمشاكل التي يواجهونها. بطبيعة الحال، كان موضوع المهجرين والموقف الشعبي والناس وأوضاعهم ومزاجهم ومعنوياتهم، أساسياً بالنسبة إلينا، وتبنى عليها قرارات.

■ هل فاجأكم موقف المهجرين؟
لم يكن مفاجئاً لي، لكنه كان كذلك لكثيرين لأنه كان هناك رهان كبير على المهجرين، وجرى تحريض في وسائل الإعلام وفي أوساط المهجرين في المدارس وغيرها. كانت بعض الجهات السياسية تأمل أن يخرج هؤلاء في تظاهرات تطالب بوقف المقاومة أو بنزع سلاحها أو باستسلامها. حصل شغل على ذلك. عظمة موقف الناس ليس فقط بسبب إرادتهم واقتناعهم ووعيهم، بل لأنهم بقوا على هذه الاقتناعات في ظل حرب ودمار وتهجير وقتل ومجازر، وفي ظل تحريض هائل. لو كان هناك انسجام وطني والكل يشجع ويثبّت ويقوي العزائم، يمكن أن تعطي علامة أقل لموقف الناس. لكن، في الواقع، كان هناك مناخ من تثبيط العزائم والتخوين وتحميل مسؤوليات للمقاومة عن كل ما يجري، ومحاولات لحثّ الناس على الخروج في تظاهرات، لكنهم رفضوا.

■ خلال الحرب، ما هو أكثر موقف آلمك؟
ما كان يؤلم هو المجازر. العسكر عادة يكونون صلبين، لكن إخواننا، رغم صلابتهم، كانوا يتأثرون، وبعضهم كان يبكي عندما يرى مشاهد النساء والأطفال والمجازر. ما كان يؤلم كثيراً هو المسّ بالمدنيين. المباني يعاد إعمارها، والمهجّر سيعود في نهاية المطاف لأنه كان واضحاً لدينا أننا إن شاء الله سننتصر. حدثت مجازر عدة، ولا يمكن القول إن واحدة كانت أكثر إيلاماً. لكن هناك خصوصية لقصف مجمّع الإمام الحسن، أولاً بسبب عدد الشهداء الكبير، وثانياً بسبب ما أشيع في لبنان بأن الاستهداف جرى لاعتقاد الإسرائيليين بأنني كنت موجوداً فيه. طبعاً أنا لم أذهب إلى ذلك المكان أبداً في أي لحظة أثناء الحرب.

■ من هو الشخص الذي كنت تخشى عليه؟
ليس هناك شخص محدد. هناك مجموعة من الإخوة، من بينهم الأخ الحاج عماد، كنت أعتبر بقاءهم على قيد الحياة أمراً مهماً كونهم من الأساسيين في مسار الحرب، وكنت دائماً مهتماً بأوضاعهم.

■ ما هو دور سوريا خلال الحرب، وماذا كان دور العميد محمد سليمان؟ وهل سقط شهداء من الجيش السوري؟
خلال الحرب، لم يتوقف نقل السلاح من سوريا. لم يكن واضحاً كم ستطول الحرب، لذلك كلما كانت لدينا إمكانات وسلاح وذخيرة أكثر، كان الوضع أفضل، وكانت إمكانات النقل لا تزال متاحة رغم أن الإسرائيلي كان يستهدف تقريباً كل المعابر. مع ذلك. لم يسقط شهداء من الجيش السوري لأنه لم يحدث قصف داخل سوريا.
بالنسبة الى الشهيد العميد محمد سليمان، أعتقد أن الإسرائيليين هم الذين قتلوه بسبب دوره قبل الحرب وأثناءها لأنه كان مكلّفاً من الرئيس الأسد بمتابعة هذا الملف. كان دوره ممتازاً جداً وإيجابياً جداً، لذلك بعد الحرب، بحث الإسرائيليون عن الحاج عماد وعن العميد سليمان. بعض الإعلام العربي تحدّث عن تصفيات داخلية. من الواضح تماماً لدينا، من التحقيق والمعطيات الميدانية، أن إسرائيل وراء هذا الأمر.

■ هل صحيح أن الرئيس بشار الأسد كان مستعداً لفتح الجبهة؟
احتمال تطور الحرب إلى سوريا كان وارداً لأن الإسرائيلي كان يحمّل سوريا جزءاً من المسؤولية عن صمود المقاومة، وعن تزويد المقاومة بجزء من السلاح الذي كان له تأثير نوعي في مسار الحرب. لذلك كان هذا الاحتمال وارداً نتيجة تطورات الميدان، وخصوصاً عندما بدأ الحديث عن عملية برية قد تحصل باتجاه حاصبيا وراشيا والبقاعين الغربي والأوسط. يومها، تقريباً في الأسبوع الثاني من العدوان، أرسل لي العماد آصف شوكت الذي كان على تواصل معنا أثناء الحرب، طالباً رأيي في فكرة تدرس في دمشق بأنه في حال حدوث عملية برية واسعة، قد تجد سوريا نفسها مجبرة على الدخول إلى جانب المقاومة في الحرب. لا أدّعي أن القرار اتخذ، لكن الأمر كان مطروحاً لدى الرئيس والمجموعة المعنية باتخاذ القرار، وهم كانوا يواكبون كل شيء، وعلى اطلاع تفصيلي على ما يجري.
كان جوابي لهم، بعدما تشاورت مع الإخوان: لستم مضطرين لذلك، والأمر ليس بهذه الخطورة وإمكانيات المواجهة البرية لدينا عالية جداً، لا بل نتمنى أن يدخل الإسرائيلي في عملية برية لأنه عندها ستتضح معالم المعركة.
عملياً، العملية البرية التي كان يفترض على أساسها أن يناقش موضوع دخول سوريا في الحرب لم تحصل، ولذلك انتفى الأمر، ولم يحصل نقاش لاحق.