في الشارع التحتاني في عين الحلوة، يقيم أيوب صادق منذ عام 1986، باسم حركي اختاره عند التحاقه بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، رمزاً للصبر والصدق. يعرفه جيرانه بـ«أيوب التونسي» نسبة إلى جنسيته. في اليوم الثالث لاجتياح 1978، وصل إلى لبنان، وشارك في الجبهات في كفرتبنيت وأرنون وحرب الجسور وحرب الجبل وشرق صيدا وحصار عين الحلوة، قبل أن يقع في الأسر في معتقلَي عتليت وأنصار. خلال الاعتقال، ترجم كتاب «مجزرة صبرا وشاتيلا» للمؤرخ الصهيوني أمنون كابليوك بعدما حصل عليه من الصليب الأحمر الدولي، ووزّع الترجمة على معسكرات المعتقلين. أشرف على أول نشرة إخبارية يومية مكتوبة وزّعها على الزنازين، استقى أخبارها من «راديو ترانزستور» كان صلته بالعالم. بعد تحرير صيدا وشرقها، استقر أيوب في عين الحلوة. تزوّج من إحدى بنات المخيم وأنجب ثلاثة أولاد. ومنذ عام 2003، افتتح متجراً لبيع التذكارات التراثية الفلسطينية.لا يجد معظم عارفي أيوب سبباً لبقائه في المخيم الذي يعيش ظروفاً صعبة من الاشتباكات الأمنية المتكررة إلى ضيق العيش. أما بالنسبة إليه، فإن الأسباب التي دفعته للمجيء إلى لبنان عقب الاجتياح الإسرائيلي عام 1978 ومشاركته في صد العدوان على المخيم خلال حصاره عام 1982 ثم نضاله السياسي والاجتماعي فيه، لم تنتف طوال عقود... قبل أن تنتفي عام 2020 عندما قُتل بيرم، النجل البكر لأيوب، على يد أحد شبان المخيم. في الرواية الأمنية، فإن الشاب الذي درس الهندسة في بيروت وأقام وعمل في شرقها، قُتل بسبب خلافات شخصية. لكن أيوب يرجّح بأن ابنه «ربما دفع ثمن تجربة والده النضالية والعسكرية». مقتل بيرم أصاب أيوب بمقتل دفعه للتحضير للعودة إلى تونس نهائياً. في لحظة ضعف، حدّث نفسه: «هل هكذا تكافئني القضية؟ هل هكذا يكافئني المخيم الذي نذرت عمري وعائلتي لأجله؟». لكنه استدرك قائلاً: «القاتل هو الفاقد لهويته وانتمائه إلى القضية الشريفة».
يحكي أيوب عن مصير رفاقه «التوانسة» والمغاربة الذين قاتلوا على جبهات لبنان. منهم من انتحر ومنهم من أكمل نضاله في بلده بأشكال مختلفة. أما في الشأن الخاص، فقليلون هم من استطاعوا الانخراط اقتصادياً ومهنياً واجتماعياً في محيطهم. بعضهم تعرّض لانتقاد شديد بعد عودته من لبنان، لأنه «تغرّب كل تلك السنين وعاد إيد ورا وإيد قدام. كأنّ القضية بتطعمي خبز».