بين السبت والأحد، اكتمل ترشيح النائب جبران باسيل وبقية قوى المعارضة لجهاد أزعور إلى رئاسة الجمهورية. ومع دخول البلاد مرحلة جديدة من المواجهة السياسية، أطلق البطريرك الماروني بشارة الراعي جولة من الاتصالات السياسية، بدأها بإرسال موفد عنه للقاء الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله. فيما لا يزال أزعور يجري مشاورات داخلية وخارجية قبل إعلان موقفه، خصوصاً أنه يؤثر على ما يبدو موقعه الوظيفي الحالي في صندوق النقد الدولي. ولم يعرف ما إذا كان في صدد الحضور إلى لبنان سريعاً، أم أنه سيستكمل لقاءاته مع النواب من خلال التواصل الهاتفي.ومع اكتمال المرحلة الأولى من الترشيحات الداخلية، عادت الأنظار لتتجه إلى الخارج، إذ تتحدث مصادر مطلعة عن احتمال حصول تبدلات في مواقف أطراف اللقاء الخماسي الخاص بلبنان، مع التركيز على الموقف الأميركي الذي يقول داعمو أزعور إنه يصب في جانبهم، وإن واشنطن ستجد طريقة مع الرياض للتدخل لمصلحته، وهي معطيات عبّر الرئيس نبيه بري عن خشيته منها أمام زواره أمس، مشيراً إلى تلقيه معطيات عن نية أطراف إقليمية ودولية التدخل لدى النواب المتردّدين لإقناعهم بالتصويت لمصلحة أزعور.
ومع ذلك، يراهن الطرفان على الموقف الفرنسي الذي لم يشهد تغيراً نوعياً. وقالت مصادر مطلعة إن باريس لا تزال عند موقفها، وإنها بعد إعلان كتل نيابية ترشيحها لأزعور، «تدعو الجميع إلى تهدئة الجبهات».
مؤيدو فرنجية: سيناريو معوض في مجلس النواب سيتكرر ولن يكون هناك نصاب


وكان باسيل أعلن السبت الماضي تقاطعه مع كتل نيابية على ترشيح أزعور. ومرة جديدة، استعان بحضور الرئيس ميشال عون الاحتفال ليوجّه رسالة حادّة إلى معارضي ترشيح أزعور من نواب التيار بالقول: «لا أحد أكبر من المؤسسة، وعندما يخرج عن قراراتها ويعتقد أنه أكبر منها، تعيده إلى حجمه وتؤكد له أنها أكبر منه». وأضاف: «مستمرون في التحاور، لكن عندما يُتخذ القرار، يصبح القرار أكبر من الجميع والجميع يلتزم به، والالتزام بالقرار مقدّس». وفيما خرجت الحركة الاعتراضية أو الرد عليها من خلفَ الجدران، تبقى التساؤلات حول قدرة باسيل على تأمين ما تعهّد به لقوى المعارضة التي تقول مصادرها إن «رئيس التيار أكد بأنه يفاوض باسم كل التيار وأن النواب جميعاً سيلتزمون بالقرار»، وهو أمر لا يؤكده المعترضون.
من جهتهم، اتخذ نواب قوى المعارضة بقيادة القوات اللبنانية مِن منزل النائب ميشال معوض، منصة لإعلان ترشيح أزعور. وتلا النائب مارك ضو بياناً باسم 32 نائباً يعلن فيه «التوصّل إلى التقاطع على اسم أزعور كمرشح وسطي غير استفزازي لأي فريق ويمتلك مواصفات مهنية وسياسية ويتمتع بفرصة لمساعدة لبنان»، وتم الكشف عن التقاطع مع تكتل «لبنان القوي» على الترشيح. وأُعلن أن «أزعور يمتلك 65 صوتاً، وأن ترشيحه ليس مناورة ولا تكتيكاً بل محاولة جدّية لإطلاق مسيرة الإنقاذ».
إلا أن ما حصل ليس كافياً، والجميع يراقب موقف نواب وليد جنبلاط الذين يعقدون غداً اجتماعاً. وإلى جانب بند دعم أزعور، يناقش النواب فكرة تأخير إعلان الموقف، لترك الأبواب مفتوحة أمام توافق وطني. وكان لافتاً إعلان النائب هادي أبو الحسن مساء أمس أن الكتلة ستصوّت لمصلحة أزعور، كما أعلن النائب ميشال ضاهر الموقف نفسه. إما بقية النواب المستقلين، وخصوصاً نواب «كتلة التغيير»، فقد انقسموا بين مؤيدين (حضروا في منزل معوض) ورافضين (حليمة القعقور وسينتيا زرازير وفراس حمدان)، وبين من يدرسون الموقف (بولا يعقوبيان وملحم خلف ونجاة صليبا والياس جرادة وإبراهيم منيمنة).
إلى ذلك، واصلت القوى الداعمة لترشيح فرنجية اتصالاتها لاحتواء الموجة الجديدة. وبدا أن الكل ينتظر قرار رئيس مجلس النواب من دعوة مجلس النواب إلى الانعقاد سريعاً. وهو أعلن أنه ينتظر اكتمال الكتل لمواقفها قبل الدعوة. لكنّ المعارضين أبدوا خشية من لجوء بري إلى «حيل» تجعله يؤخر موعد الجلسة من أجل العمل على تحصيل عدد إضافي من النواب المؤيدين لفرنجية.


أياً يكن الأمر، فإن بري وحزب الله وآخرين باتوا ينظرون إلى أزعور على أنه مرشح مواجهة وتحدّ، وأن هدف داعميه ينحصر بإطاحة بفرنجية. وأكدت مصادر هذا الفريق أن «المعارضة مخطئة في حساباتها، فلا تراجع عن فرنجية بأي شكل من الأشكال، وسنخوض معركته كما خضنا معركة ميشال عون حتى النهاية، ولن نقبل بأن يمر أزعور الذي أتى إلينا بداية وعرض نفسه كرئيس جمهورية توافقي وها هو اليوم تحوّل إلى مرشح تحد». وقالت المصادر إن «سيناريو معوض في مجلس النواب سيتكرر، وحتى إن عُقِدت الجلسة لن يكون هناك نصاب، مرة واثنتين وثلاثاً، وستعود الأمور إلى الستاتيكو السلبي». واعتبرت المصادر أن «باسيل صارَ في المقلب الآخر، وكل محاولاته للعب على الألفاظ لم تعد تجدي نفعاً، فليفعل ما يريد أما نحن فلن نتراجع».
لكنّ الخشية المستجدة لدى الرئيس بري تتمثل في تبلّغه بقرار جنبلاط السفر إلى فرنسا لتمضية إجازة قد تمتد نحو عشرة أيام، وأنه سيترك الأمر لإدارة نجله النائب تيمور. وفسّر بري الخطوة بأنها «هروب من الإحراج تجاهه شخصياً».
أما حزب الله، فقد تولى أمينه العام السيد حسن نصرالله إبلاغ موقفه للموفد البطريركي المطران بولس عبد الساتر، فأكد له التمسك بترشيح فرنجية وعدم الاستعداد للبحث في سحب ترشيحه، مجدداً عرضه لهواجس الفريق الذي يمثل إزاء مواصفات الرئيس المقبل. وسمع نصرالله من عبد الساتر عرضاً لنتائج زيارة الراعي لروما وباريس، وعرضه فتح الحوار من جديد للتفاهم على توافق، لا أن يكون الرئيس المقبل عنوان صدام مع فئة من اللبنانيين ضد أخرى.


تباين أم مناورات جديدة؟
لفتت مصادر قريبة من التيار الوطني الحر إلى وجود تباين جدي مع بقية القوى التي رشّحت جهاد أزعور على طريقة إدارة المرحلة المقبلة من المعركة. وقالت المصادر إن النائب جبران باسيل والبطريرك الماروني بشارة الراعي يخالفان موقف القوات اللبنانية وبعض النواب المستقلين بالضغط المباشر لعقد جلسة نيابية، من دون إفساح المجال أمام محاولة توفير توافق وطني مع الثنائي (أمل وحزب الله).
وتتابع المصادر أن اقتراح ترشيح أزعور بدأ بين الراعي وباسيل قبل انضمام الكتائب ومستقلين، وأنه يُخشى من محاولات تقوم بها قوى داخلية (تحديداً القوات اللبنانية) وجهات خارجية (تحديداً الولايات المتحدة) لاستخدام الترشيح لأغراض أخرى.
وأشارت المصادر إلى أن «الهدف الفعلي» هو التوصل إلى اتفاق، وأن على الجميع المحاولة، وفي حال فشل المقترح، يذهب الجميع إلى انتخابات مفتوحة في المجلس النيابي. وحذّرت المصادر نفسها من «سعي البعض إلى حرق أزعور من أجل إعادة تسويق قائد الجيش العماد جوزيف عون كمرشح تسوية في حال حصول تسوية جديدة تقوم على إطاحة المرشحيْن أزعور وفرنجية».