لقد زادت الفترة الزمنية عمّا يفترض بين الجزء الاول من المقال الذي يعود للاثنين الماضي والجزء هذا اليوم. ولكن النظرة المحايدة لمعالي الوزير عبود (فادي) لم تتبدل، لا بل اكتسبت توطئة ملموسة لدى مروري في آخر الاسبوع المنصرم على أصحاب لي في منطقة على أطراف المحيدثة فوق بلدة بكفيا... حيث علمت لدى سؤالهم لي عن الجزء المتبقي من مقالة: «عيش فادي عبود»، أن لفادي عبود أيضاً معملاً للحمّص في بكفيا، ومعملاً آخر للأوعية البلاستيكية في مزرعة يشوع ــ المنطقة الصناعية. كما أنه يملك فندق «سان ميشال» عظّم الله قدره في منطقة النعص فوق بكفيا حيث تصب المياه الطبيعية المعدنية، وحيث من غير الممكن إسكان النزلاء في طابقين تحت أرض فندق السان ميشال، لذا فقد تمّ عوضاً عن اسكانهم، إسكان اليد العاملة في الحمّص. أي أنه تمّ تأسيس معمل للحمّص على عمق طابقين تحت الأرض، أي تحت أرض الوطن وفي النعص تحديداً، حيث يأتي الزوّار والسياح لـ«يعيشوا لبنان» كما نادت حملات عبود الدعائية في أكثر من مناسبة وموسم ــ على عمق طابقين تحت الارض، أي على عمق يلامس عمق المياه المعدنية الجوفية للنعص يا شعب لبنان العظيم. وطبعاً هذا ليس بمقصود ولا هو بصحّي. فالانسان عادةً، حتى ولو كان يعمل لدى فادي عبود بالحمّص، يتوقّع أن تتفّجر المياه المعدنية وتخرج من الأرض لا أن ينزل هو إليها، أو أن يغطس في الأرض كما لو أن الأرض هي البحر. فقد سُمّيت يابسةً ولا أدري أين كان الوزير في هذه اللحظة. ربما كان يؤسس شركة GPI للأوعية البلاستيكية الخاصة بتوضيب المأكولات. أو أنه كان يحاجج أرباب العمل والصناعيين كي ينتزع منهم أشرف حدِّ أدنى للأجور، أي ما لم يقدر على فعله الوزير السابق للعمل شربل نحّاس رغم انتمائه اليساري ونزعته الماركسية.
ما همّ، ما لنا لنا وما له لله بحسب ما يقول دائماً ولكنه له، وهم يعرفون. وما لنا معه؟ وما لنا عليه؟ لا شيء، فإن ما لقيصر أيضاً لقيصر وما لعبود لله وما لله لعبود وشركائه في الوطن وفي GPI وفي غرفة الصناعة هي الصناعة والتجارة هي التجارة وكيف جمعهما مبنى واحد الملك فيه عادة إسألوا مالكه... الملك لله.
ما جاع فقيرٌ الا بما مُتّعت به شركة GPI لصحون الحمّص وللغينيس ولمغارة جعيتا التي أقفل مطاعمها القيّم عليها المغضوب عليه دوماً في بلاد كسروان الذي نعتذر عن عدم ذكر اسمه مساهمة منا في إطالة عمره حفظه الله.
لقد كانوا يوماً يقفون على أوتوستراد البترون الى جانب أكبر كوب لليموناضة أو في داخله، لا أذكر. فصوَر الصحف التي ذُهلت بحجم الكوب ارتبكت في تصوير التفاصيل. وبما أن الزجاج شفّاف والوزير شفّاف فلم يكن واضحاً للقرّاء والمشاهدين إن كان الوزير وقتها الى جانب الكوب أو في داخله. وليكن، وسيكون أيضاً مستقبلاً، فكائناً من كانت الـ GPI له سيفتح معملاً للبلاستيك يصنّع صحوناً تقلّد صحن الفخّار المجوّف الذي ينطق باسم المازات اللبنانية. وكائناً من كان صناعياً وتاجراً أي مصدّراً ومستورداً فإنه لو واجه مشكلة في إسكان زوّار فندق السان ميشال من المواطنين والسواح سيُسكن عمّال معمل الحمّص طابقين تحت الأرض حفاظاً على السياحة من الصناعة وعلى الصناعة من السياحة... مثلاً.
إن الوزير فادي عبود يعيش لبنان وقد يعيش بكفيا وقد يعيّشنا كل الطريق الممتد بين الاثنين. قد يطلب منا أن نعيش بيت الككو، ولما لا؟ فهل ديك المحدي أفضل؟ أم بيت الشعّار؟ أم عين علق؟ قد يعيش البترون ومطار رفيق الحريري في آن واحد، قد يعيشهما وحيداً دون الـ 240 مراقباً سياحياً الذين طالب بهم الحكومات المتتالية، علماً بأنه يذكّر دائماً بهم وهو يعيش الزيتونة باي Zaitounay Bay وبيروت سوكس Beirut Souks وهو يعيش البلد ويواجه وحده، لكنه ليس وحده بالحقيقة. فغرفة الصناعة والتجارة كذلك الامر تعيش من ورائه كلّ هذه الحملات وحفلات العيش المفاجئ لموقع محظوظ على الخريطة. وقوى 14 آذار أيضاً أضربٌ وأفَكّ. ولكن من يعيش فادي عبود نفسه يا ترى؟ هل من السهل أن يعيش الانسان فادي عبود؟ كيف عاشه الوزير المستقيل شربل نحاس؟ كيف عاشه وهو محشور وإياه في خندق واحد؟ كيف استطاع الجنرال عون أن يكبسهما في كتلة واحدة؟ وهل صدّق بعد كبسهما أن ذلك قد حصل؟
انا حالياً أعيش الجميزة وقد أعيش البسطة الفوقا في وقت متأخر من المساء، فقد حوّلوا السير كلّه الى هناك.