بين لبنان وسوريا، ثم سوريا ولبنان، ذهاباً وإياباً، تخفق الرايات السود للسلفية المقاتلة، أتباع «القاعدة»، فكراً وتنظيماً، المتحدين في «جبهة النصرة» السورية، وقريباً... في «جبهة النصرة» اللبنانية. (أنظر «الأخبار»، 25 شباط 2013).
أخذت السلفية المقاتلة على عاتقها ــــ ولا أتحدث، هنا، عن مؤامرة محبوكة، وإنما عن سياق ملائم، محلياً وإقليمياً ودولياً ــــ تنفيذ البرنامج الأميركي ــــ الإسرائيلي في استنزاف قوة الدولة السورية الممانعة. ولا يُستكمَل هذا البرنامج إلا باستنزاف مماثل لقوة حزب الله. وعلى هذه الخلفية التي نراها واضحة للعيان، ليس لدينا شك بأن الهدف الثاني للإرهابيين، سيكون لبنانياً، بامتياز.
تريدون؟ سأدع هذا السيناريو جانباً، لنلاحظ أن أي سيناريو آخر سيقود إلى النتيجة ذاتها: إذا انتصر النظام السوري أو حصلت تسوية تخفّض حرية حركة السلفيين المقاتلين في سوريا، فإلى أين سيذهب هؤلاء، وهم بالآلاف ؟ تركيا تسيطر على العملية برمّتها، والأردن مغلق أو شبه مغلق، والعراق متحفّز، بينما الحدود الرخوة، والحاضنة الأكثر استعداداً، والتغطية السياسية نصف العلنية والعلنية، بالنسبة للإرهابيين، تتمثل، جميعها، في لبنان. والأهم من ذلك كله، هناك الهدف المطلوب ضربه، غربياً وأميركياً وخليجياً، وبالطبع، إسرائيلياً.
تتوالى استفزازات السلفية المقاتلة من شمال لبنان إلى جنوبه، مروراً ببيروت، في محاولات مثابرة لانتزاع الردّ من حزب الله وأنصاره. يكظم الحزب، عن اقتدار وحكمة، التعديات المتعددة الأشكال، تلافياً للوقوع في الفخّ المُعَدّ للمقاومة، أعني أن تنخرط في قتال مذهبي داخلي. وعلى حزب الله وأمل والعناوين الشيعية عموماً، التحلّي بالصبر الجميل، والنأي بالنفس؛ فالمطلوب، اليوم، تحديداً هو اندلاع صراع مذهبي مسلّح في لبنان، يستكمل الحرب الدائرة في سوريا والعراق، الحرب السنية ــــ الشيعية. وهي حرب من شأنها، بغض النظر عن موازين القوى العسكرية، أن تدمّر المقاومة ولبنان. وبالنسبة للجيش والأمن اللبنانيين، فإن تركيبتهما وصغرهما واحتياجهما المستمر إلى التغطية السياسية، يمنعهما، واقعياً، من مجابهة جدية مع الخطر القائم ــــ القادم.
لا يمكن الركون، إذاً، لقوة حزب الله ولا إلى قوة الجيش والأمن اللبنانيين، في مواجهة تنامي قوة السلفية المقاتلة التي كوّنت، حتى الآن، الكتلة الحرجة لإحداث الانقلاب الإرهابي في لبنان. وهو انقلاب لن يوفّر «النصارى» بالطبع، إنما في الحلقة الثانية، حين ينفلت العقال. المجاهدون الطائفيون التكفيريون لن يتركوا في النهاية حتى السنّة المعتدلين المتمدنين السائرين في الخط العروبي. وبالنسبة للقوميين واليساريين والعلمانيين، فأحكام الذبح هي تحصيل حاصل. فما العمل؟
أولاً، الإرهاب، في تكوّنه ولحظة انفجاره وديمومته، ليس الإرهابيين أو التمويل أو السلاح أو المنظمات؛ إنما الإرهاب مناخ ثقافي وسياق مجتمعي وسياسي. ومن هذه الزاوية، ما يزال هناك وقت ــــ وإن قصيراً ــــ للقيام بنشاط جدي مثابر وشجاع، لتكوين جبهة متحدة ضد السلفية المقاتلة، جبهة لا تقتصر على القوميين واليساريين، وإنما تشمل، أيضاً، العلمانيين والتقدميين والمنظمات الاجتماعية والنشطاء المدنيين والشباب والنساء الخ، جبهة تحيّد الخلافات الفكرية والسياسية، وتتحدّ وراء مهمة واحدة، تفكيك الثقافة الملائمة والحواضن الممكنة للسلفية المقاتلة،
ثانياً، يعني ذلك، بالدرجة الأولى، أولئك التقدميين والموصوفين أعلاه من الطائفة السنية، وللعمل في صفوفها تحديداً. هنا، تنبغي مخاطبة هؤلاء بوضوح وصراحة، ووضعهم أمام مسؤولياتهم الوطنية والإنسانية؛ فبعضهم معتكف، وبعضهم يرفع راية الليبرالية في وجه المقاومة ويغضّ الطرف، في الوقت نفسه، عن تنامي السلفية الإرهابية، وبعضهم قد يبتلعها لأنه قد يفيد الطائفة في المعادلة السياسية الداخلية، وبعضهم ــــ حتى من بين اليساريين ــــ يشعر بالأمان طالما أن الإرهاب لن يمسه بسبب انتمائه المذهبي. وهو، بالطبع، واهم؛ فمعركة السلفية الجهادية، هي، في عمقها الأساسي، معركة تكفير السنّة غير السلفيين وإخضاعهم لنمط وهّابي في الدين والثقافة والحياة،
ثالثا، يمكن للجبهة المتحدة ضد الإرهاب، أن تبدأ بفعاليات ثقافية وفنية وإنسانية تتحدى التكفير والتحريض المذهبي، وتنظّم مسيرات واعتصامات وتجمعات تحت شعارات مدنية صريحة، لكن الجزء التالي، لا بد أن يركّز على بناء القوة الذاتية لكبح جماح الإرهابيين، وتتمثل في لجان للدفاع الشعبي، مشكلة على أسس مجتمعية لا حزبية،
رابعاً، آن الأوان لحزب الله أن يقطع ذلك الحبل السرّي مع قوى الإسلام السياسي، والتحالف الصريح مع العلمانيين، بما في ذلك تقديم الدعم الكافي وغير المشروط لكل القوى المؤهلة لمقاومة السلفية المقاتلة، من القوميين واليساريين والسنّة العروبيين والتجمعات الشبابية والمنظمات المدنية، في كل المناطق اللبنانية، وكذلك، بصورة مكثفة، في المخيمات الفلسطينية.
13 تعليق
التعليقات
-
لا تناصر ظالماً على ظالمقرأت عنوان المقال فقلت "الله!"، ثم تعمقت ووجدت الأخ يتكلم عن الممانعة والصمود وجبهة حزب الله وسورية وكل الكذب الأزلي الذي رافق انحطاطنا منذ الإستقلال. نعم، أين راياتنا؟ لكن راياتنا يجب أن تقف في وجه كل من الأسد الغاشم والجهادي الجاهل، لا أن تناصر ظالماً على ظالم! ما يدعو إليه الكاتب هنا هو ما دعى إليه جمبلاط الأب وجميل الأب وفرنجية وشمعون في الستينات والسبعينات. ألم تكفيك الحرب الأولى؟؟
-
صوت العقلاستاذ ناهض ،انت صوت العقل في زمن لا عقل فيه.العرب ليسوا بحاجة لغريب ومؤامرة من الغريب.دودنا منا وفينا.شخصياً ما عندي امل...
-
انتهاء القضية الفلسطينيةان من فهم القضية إصطف الى الجانب الامريكي الإسرائيلي ، ومن فهم ولم يقتنع فإما هو على الحياد لعدم قدرته على التغيير في النتائج ، أو ان لا دور له يعول عليه ، يبقى من فهم ولكنه لم يقتنع ولم يرضخ للأمر ، فنزل الى المعركة الفاصلة في تاريخ الصراع العربي وبالتحديد الفلسطيني الإسرائيلي ، فعندما تنتهي سوريا تنتهي القضية الفلسطينية ، سيقول البعض وما الذي تفعله آو فعلته سوريا من اجل القضية الفلسطينية وهي التي اغلقت حدودها في الجولان امام المقاومة ؟. إن بقاء سوريا دولة ممانعة يبقي القضية الفلسطينية قائمة . لان سوريا وإن لم تحارب اليوم من اجل فلسطين فهي لن ترضى بسلام لا يعيد لها الجولان واراضيها المحتلة . ولأن هذا الأمر لن يحصل ولن توافق عليه لا اسرائيل ولا امريكا ، بات من المفترض انهاء نظام الممانعة السوري ، ان كل الذين يحاربون في العراق وفي سوريا ، يدركون جيداً إن لم يكن على صعيد الأفراد ،بل على صعيد القيادات ومن يفتون منهم ،ان القضية الفلسطينية انتهت بالنسبة لجميع من هم على تحالف مع امريكا ، والدليل على ذلك توجه كل الإخوان والسلفيون والقاعدة وجبهة النصرة وحتى العرب لمحاربة سوريا، متناسيين العدو الإسرائيلي الذي دنس المقدسات الإسلامية والمسيحية وهو المحتل الغاصب ، والذي خلق الظلم واوجد الإضطهاد ، فلماذا لا يصحح هؤلاء الشيوخ الذين يوزعون الفتاوى في الداخل والخارج ، ويعملون على التحريض المذهبي خدمة لإسرائيل ، لماذا لا يوجهون بوصلتهم حيث العدو المغتصب والمتربص بالجميع.قبل الوصول الى النهاية المحزنة للشعب الفلسطيني الذي لن يعود الى ارضه ابداً....
-
تحليل منطقيتحليل منطقي و عميق، و أشاطر الكاتب رأيه
-
للحق وجه واحد اْبيض وللباطل وجوه كثيرو سوداءءءءءءءءءء.الرجال تخلق الرايات.وقطع القماش السوداء والبيضاء والملونة لا تحقق شيئاً.ولا تفعل شيئاً.وحملة الإسلام رجالاً.إساْل التاريخ عنهم؟؟ هل يجيب التاريخ؟؟ اْنهم قدموا له الصورة المشرقة المضيئة. وحملة تلك الرايات خالد وبلال وعمار حملوا رايات فائدهم ومعلمهم وهاديهم الى الصراط المستقيم الذي هو الإسلام.وما ترى هذه الايام غثاء كغثاء السيل.إذا تداعت الاْكلة على قصعتها.اْلا نعيش هذه النبوءة النبوية هذه الايام. وعندما سئل الفاروق عمر رضي الله عنه لمن النصر؟؟قال النصر للاْتقى وإن كانوا في التقوى سواء فالنصر للاْقوى.وعندما نحدد من العدو نكون قد إقتربنا من التقوى.وهناك من لم يسمح لنا بذلك لاْن العدو يحيط اعناقاً بالاغلال والقيود المهينة. وكيف نفعل ونحن نبتعد عن كل ما اْمرنا الله به ونقترب على كل ما نهانا الله عنه.الموالاة والخضوع الذليل لاْعداءالله. ورسوله عليه وعلى آله وصحبه وسلم نهانا بقوله"لا ترجعوامن بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض"...ماذا نكون ونحن يضرب بعضنا رقاب بعض. وما نتوقع ممن يبتعد عن الله ويقترب من الشيطان.ونترك ما قال الله ونجري لاهثين كالكلاب المذعورة نتمرغ على احذية اعداء الله.
-
يا بني اميلتفكيك مشكل يجب في البداية التعامل مع المشكل الحقيقي لا المشكل المتوهم الذي نتهم الخصم به سعيا وراء تعبئة قوانا. منذ بداية المد السلفي دأبت الممانعة بكل فصائلها (الاسلامي و القومي و الليبرالي) على تكفير خصمها السلفي و لم تحاول و لا لمرة واحد النظر داخل عين الاعصار اقلها لتطبيق الحكمة القائلة اعرف عدوك. و اصرت و ما زالت تصر على اقتصار رؤيتها للسلفية المقاتلة على تهمة العمالة للصهاينة و الاميركان او الجنون الرجعي الوهابي. اما الخلاف التاريخي بين الاسلام و الخصم العلماني الذي يشكل النظام السوري عاموده الفقري فعلى الاغلب لا يهم احد اما الخلاف بين جماهير الاطراف الذين دفعوا الثمن الغالي لسياسة الانفتاح الاقتصادي المرتبط ايضا بفساد سلطة و سكان الحواضر الكبرى كدمشق و حلب و بيروت اضافة الى الخلاق بين نظام شديد المركزي و الهياكل الاجتماعية التقليدية فهو ايضا لا يهم و الخلاف بين الاكثرية السنية التي تتحمل منذ 5 عقود الصلف الاقلوي لذراع النظام السوري الامنية فهو ايضا لا يهم واخيرا و ليس اخر لا يشكل الصراع السعودي - الايراني اي اهمية جديرة بالنقاش و اليد الايرانية الموضوعة على العراق و لبنان و الان سوريا و افضل من ذلك محاولة التقدم في البحربن. ان ما يجري مي سوريا هو محاولة سعودية لكسر المحور السوري الايراني في نقطة ضعفه و استفادت السعودية من النقاط المعروضة سابفا لتحويل الامر الى ثورة شعبية ان الاعتراف بشرعية اسباب الخصم هو النقطة الاولى للوصول الى تسوية معه اما صرخات الحرب و التكفير و التخوين فلا تفعل شيئا غير صب الزيت على النار. و لكن على من تقرأ مزاميرك يا داوود
-
شذّاذ الافاقابان حكم المماليك انطلقت السلفية التكفيرية بقيادة ابن تيمية مهاجمة الدروز في كسروان و بعد مجازر اين منها مجازرها اليوم في بلاد الشام فهجّرتهم و شتتهم الى جبال الشوف و الغرب و الدرزي بنظرهم لا تقبل توبته و كذلك فعلت بالنصارى كما تسميهم لان المسيحي بنظرهم هو من لا يؤمن بالتثليث و لا يعترف بصلب المسيح و الاسلام بنظرهم ليس دين الرحمة كما فهمه السلف الصالح بل هو دين السيف و الذبح بهذه الذهنية ينتشر الفكر السلفي التكفيري جامعا شذاذ الافاق المجازيين بدعم من شذّاذ الافاق الحقيقيين ؟
-
الزبدةبدك فريق لبناني يستخدم الفلسطينيين ضد فريق لبناني طيب شو رآيك نسلح المخيمات في الأردن؟ لا؟ لعاد خلي مخيمات لبنان بحالها
-
بيمشي الحال نرفع عباءة بدلبيمشي الحال نرفع عباءة بدل الراية؟