لم تحسم المشاورات التي تكثفت في اليومين الماضيين على خط بيروت الرياض أسماء المرشحين لرئاسة الحكومة العتيدة، وسط التباين على نوع هذه الحكومة. فتيار المستقبل يرفض تسمية رئيس الحكومة المستقيلة نجيب ميقاتي، متسلحاً برفضه حكومة سياسية. وتقول مصادر التيار إنه «يريد حكومة حيادية تشرف على الانتخابات. أما إذا أرادوا حكومة سياسية، فليكن سعد الحريري رئيساً لها».
وكان الرئيس فؤاد السنيورة قد عاد والوفد المرافق له أمس من الرياض بعد لقائه الحريري. وذكرت مصادر في قوى 14 آذار أن محادثات جرت، على هامش الاتصالات التي أجراها الحريري والسنيورة بأركان القوى المذكورة المسيحية للتهنئة بعيد الفصح، حول الوضع الحكومي والاسماء المقترحة لتولي رئاسة الحكومة. وأشارت المصادر الى أن الاتصالات أسفرت عن حصر دائرة الاسماء، وأن ما اتفق عليه حتى الساعة هو رفض بعض الاسماء. وفي مقابل تشدد تيار المستقبل في رفض عودة ميقاتي، فإن القوات اللبنانية والكتائب لا يمانعان ذلك شرط معرفة شكل الحكومة وتوجهاتها. ولفتت الى أن اجتماعاً لهذه القوى قد يعقد خلال الساعات المقبلة لمزيد من المفاوضات قبل موعد الاستشارات. وحتى الآن، حصر تيار المستقبل أسماء مرشحيه لرئاسة الحكومة بكل من الوزير السابق خالد قباني وغالب محمصاني.
ونقلت مصادر سياسية عن رئيس الجمهورية ميشال سليمان حرصه على إجراء الاستشارات في موعدها، «لا بل حرصه على الإسراع فيها لتشكيل حكومة جديدة، وعلى أن تكون سياسية لا محايدة».
في المقابل، ترفض «قوى 8 آذار» تأليف حكومة حيادية، مؤكدة تمسكها بحكومة سياسية، على رأسها ميقاتي أو من يشبهه في توجهه. وتعلّق هذه القوى آمالاً على موقف النائب وليد جنبلاط. لكن الأخير، بحسب بعض عارفيه، لن يمضي بتسمية رئيس للحكومة من دون موافقة السعودية عليه، فيما فوّضت الرياض الحريري الرافض لميقاتي اتخاذ ما يراه مناسباً. وفي الوقت نفسه، يرفض النائب ميشال عون إعادة تسمية ميقاتي. وهو سأل حلفاءه أمس، خلال الاجتماع الموسع للقوى المسيحية في 8 آذار، « إذا كنتم تريدونه فلماذا أسقطناه؟ فلنذهب إلى خيار آخر». لكن الخيار الآخر، يجيب حلفاء عون، «بحاجة إلى أكثرية لا نملكها». بمعنى آخر، هم بحاجة إلى جنبلاط، أو ميقاتي. في حين أن الأخير لن يذهب في خيار لا ترضى عنه السعودية هذه المرة.
الكل، إذاً، يدور في حلقة مفرغة، بانتظار ما ستُسفر عنه مشاورات الساعات المقبلة. وقد هدف حوار الرابية إلى كسر الجليد الذي تراكم بين الحلفاء، خصوصاً بين بري وعون. فالأخير لا يزال مصراً على عقد جلسة تشريعية، يُطرَح فيها مشروع اللقاء الأرثوذكسي. وهو يقول: «أعرف أن القوات والكتائب لن يصوّتا معنا. لكن فلنحاول، ولتنكشف المواقف الحقيقية». في المقابل، لا يزال بري على قراره: «لن أعقد جلسة فاقدة للنصاب الوطني». وتضيف مصادره: «سنصوّت إلى جانب الأرثوذكسي. ولكن هل توافرت له أكثرية؟ لقد أبلَغَنا فريق 14 آذار رسمياً أن أي جلسة يُطرح فيها التصويت على الأرثوذكسي ستشهد تعديله، وإفراغه من مضمونه، لناحية إلغاء المادة التي تنص على انتخاب أبناء كل مذهب لنوابهم، على أن تُضافَ إليه مادة تحوّله إلى اقتراح مختلط. وهذا الاقتراح يحظى بالأكثرية، إذ سيصوّت إلى جانبه فريق 14 آذار والنائب وليد جنبلاط».
خلاصة الأمر أن فريق 8 آذار يعاني أزمة مزدوجة: أزمة تسمية رئيس الحكومة (كل ما اتفق عليه أمس هو استمرار المشاورات للتوصل إلى اسم واحد يقدمه فريق الأكثرية السابقة إلى رئيس الجمهورية في المشاورات). والوجه الثاني من الازمة هو بين بري وعون. وما تحقق أمس بين الرجلين هو اتصال عون ببري لتهنئته بالسلامة بعد العملية الجراحية التي أجريت له. وتم الاتفاق في الرابية على زيارة ثانية يقوم بها وفد من 8 آذار لبري في عين التينة. وهنا أيضاً برزت أزمة. فالوزير جبران باسيل قال للنائب سليمان فرنجية: «لا حاجة إلى أن أكون معكم عند الرئيس بري. فأنت تمثلنا». قالها باسيل، بحسب بعض الحاضرين، «بين المزح والجد». لكن فرنجية أصرّ، فقبل باسيل. وبانتظار أن يحدد الموعد بين بري وحلفائه، تبقى قوى 8 آذار مأزومة.
وسط هذه الأجواء، زار وزير الشؤون الاجتماعية وائل أبو فاعور، برفقة نجل النائب جنبلاط، تيمور، الرياض والتقيا عدداً من المسؤولين السعوديين. وفيما تردد أمس أن أبو فاعور أبلغ من التقاهم، نيابة عن جنبلاط، «المضي بتسمية من يختاره الرئيس سعد الحريري لرئاسة الحكومة»، نفت مصادر في قوى 8 آذار هذا الأمر، مؤكدة أن جنبلاط لا يزال على موقفه الذي أبلغه لمن التقوه قبل زيارة أبو فاعور للسعودية، «لناحية عدم المواجهة مع أي من طرفي النزاع، والسعي إلى التوافق على مواصفات الحكومة واسم رئيسها». ولفتت المصادر إلى أن أبو فاعور أبلغ من التقاهم أمس أن شيئاً لم يتغير.
بدوره، أكد ميقاتي أمام زواره أنه أبلغ الجهات المعنية استعداده للعودة إلى رئاسة الحكومة، «لكن وفق 4 ثوابت: لا أقبل بأن أكون في مواجهة مع طائفتي، وعلى القوى السياسية أن تأخذ في الاعتبار الحساسيات الموجودة لدى الطائفة السنيّة، وجوب ألا تكون الحكومة من لون واحد، أن تثبت الحكومة النأي بالنفس وألا تقطع علاقاتها مع الدول العربية، تبلّغ الأميركيون والأوروبيون أن من يريد حكومة بلا حزب الله، فليرسل جيشه للفصل بين المدينة الرياضية والطريق الجديدة».
كذلك تحدّث ميقاتي عن ضرورة تفعيل العمل الحكومي، خصوصاً لناحية ألا تأخذ التعيينات الوقت الذي كانت تستغرقه المشاورات بشأنها في الحكومة المستقيلة، وأن يكون هناك انسجام في العمل الحكومي.
وفي السياق، أكد رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد، خلال مهرجان لحزب البعث العربي الاشتراكي في لبنان وفاءً لروح الرئيس الفنزويلي الراحل هوغو تشافيز، أنه «لا بد من حكومة سياسية بامتياز». وفي احتفال آخر، لفت رعد الى «أننا منفتحون على كل الخيارات والاحتمالات، ولا نضع فيتو على أحد ممن هم في الصف الوطني. أما من هم وكلاء الآخرين في وطننا فهؤلاء لهم حساب آخر».
أمنياً، برز حادث لافت مساء أمس، إذ أطلق مجهول رصاصة باتجاه الشيخ سالم الرافعي إثر خروجه من جامع التقوى لكنه لم يصب بأذى. وأكد الرافعي أنه لا يتهم «جبل محسن» بما جرى، وأنه يرفض الانجرار إلى الفتنة، معلناً عن مؤتمر صحافي يعقده ظهر اليوم.

تسليم وتسلّم في قوى الأمن

على صعيد آخر، جرى أول من أمس، في مقر المديرية العامة لقوى الامن الداخلي في الأشرفية، حفل تسليم وتسلّم بين المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي وخلفه العميد روجيه سالم.