يقع القصر الذي يقيم فيه النائب تمام سلام على بعد أمتار قليلة من مكتب حزب الله. جيران القصر في المصيطبة والجوار يسمّونه «مكتب الحزب». طبعاً، لا يقصدون بهذا الاختصار اختزال الرب من الاسم. المتعارف عليه في المنطقة أن «الحزب» هو حزب الله؛ أما «الحركة» فهي «حركة أمل». يُحذف «الأمل» منها هي الأخرى. وعلى النحو ذاته، يقال «التيار» عن تيار المستقبل، فيشطب «المستقبل» أيضاً من لغويّات سكان المصطيبة إذ يدلون على هذا الفريق السياسي.
للمناسبة، يستكين القصر في منطقة مختلطة ديموغرافيّاً، ويطغى فيها حضور العملاقين الشيعيين، فيما تتراجع شعبيّة «تيار المستقبل» فيها. السكان البيروتيّون يعتبرونها مدينتهم وهم أصلها، والاختصار في أسماء الأحزاب الحالية يعود إلى ثقافتهم، التي تقتضي العيش بلا تكلّف، وتفضيل الود في العلاقات الاجتماعيّة على الحسابات السياسيّة الخانقة. غابت أحزاب وتبخرت أحزاب وجاءت أخرى، وقصر آل سلام ما زال يراقب التغيّرات المدينيّة، منتصباً كأنه ينتظر دوره من جديد.
في صدره صورتان. الأب بالأبيض والأسود والابن بالألوان. صائب سلام يبدو متجهماً في صورته، على صورة المرحلة التي عاشها، بينما يبدو تمام خطيباً منفعلاً، على العكس الشائع عنه. الأدراج الصغيرة تبيّن عمر المبنى، ونوافذه الزرقاء تطل على زمن سحيق. إنه منزل على صورة بيروت كما يحبها البيروتيّون، وتحيط به كمية كبيرة من الأشجار المصففة بعناية، إضافة إلى أشجار مماثلة ما زالت على حالها قرب «جامع المصيطبة». لا يبدو القصر، القابع وسط منطقة سكنيّة مزدحمة، جاهزاً ليكون منزل رئيس وزراء على الطريقة اللبنانيّة. والواقع أنه كان كذلك أيام الرئيس صائب سلام، الغني عن التعريف، والد النائب تمام سلام. بني عام 1870. وعندما سكنه الرئيس صائب سلام، لم تكن المنطقة سكنيّة وكان البحر في مواجهة القصر. من الحقبة القديمة بقي معلَمان رئيسان: «المختار العانوتي» وجامع المصيطبة، إضافة إلى حديقة صغيرة لم يعد يلعب الأولاد فيها. في عهد الوالد، لم تكن الاجراءات الأمنيّة معقدة، وتالياً، كان رئيس الوزراء، البيروتي تحديداً، زعيماً شعبيّاً، على طريقة لبنانيّة مختلفة، عن تلك التي تلزمه الآن القيام باستعراض ضخم.
يشدّد «الحراس» على أن «البيك» الحالي لا يحب الزجاج العازل في سيارته، ولا يضع لافتة هيئة دبلوماسيّة عليها، جازمين أن شيئاً لن يتغيّر. يحب التجول بسيارة واحدة بلا مرافقة، فلا يحدث صخباً. وعندما يستقبل الوفود، في «صالون الأحد»، لا يتطلب الأمر مواعيد دقيقة وحسابات. يتدفقون وحسب. ويتوقع أن يأتي بيروتيون كثر للتهنئة إذا سمي سلام. البيروتيون قرويون في خصالهم وإن كانت بيروت مدينة مفترضة وعاصمة نوستالجيّة في الشرق النوستالجي. وإذا كان البيروتيين نوستالجيين، وفرحين بعودة رئاسة الحكومة إلى العاصمة، فقد يكون الإبن (تمّام) اعتاد على شعبويّة أبيه (صائب) إذ لم يخرج من قصره. يقيم فيه صيفاً شتاءً وفي هذا هو نوستالجي جداً هو الآخر. الابن الصالح الذي لم يغادر منزل العائلة والتزم بأعمالها. وعلى سيرة أعمالها لا بد من الإشارة إلى الدور الذي لعبته «المقاصد» (سابقاً) في تحويل المنزل إلى منزل لبناني «خدماتي». حسب الحراس، و«جماعة» النائب سلام، الزوار من الشيعة والسنة. وإن كان هذا الخليط قد تقلص أخيراً بعد تعاظم نفوذ الأحزاب في المنطقة. ولكن في النهاية، هذا المنزل ــ القصر، بناه أبو علي سلام، جد النائب تمام سلام. منزل «زعامة» لبناني وحاله حال المنازل الأخرى التي عملت على هذا النحو الشعبوي للوصول إلى السلطة والبقاء على مسافة منها حتى بعد الابتعاد منها. لقد كان في الأساس منزلاً بني بعد عقد بشراء الطابق الأرضي، قبل أن يظهر الطابقان الجديدان. إنه منزل العائلة قبل أن يكون منزل رئيس. يعود هذا إلى كون تمام سلام، في العرف اللبناني، «بيك ابن بيك». يمنحه هذا تفوقاً لفظيّاً على الأقل. الجيران يحترمون هذه المعطيات. يقول الحراس إن القذائف هطلت على القصر مرة واحدة في الثمانينات، حين كان صائب سلام خارج البلاد. وفي بقيّة الأعوام، لم يكن في خطر. خلال الحرب الأهليّة استضاف قائد الثورة الفلسطينيّة «أبو عمار» واستضاف مؤسس حزب الكتائب أيضاً بيار الجميّل. وفي السابع من أيّار «حمانا حزب الله وحركة أمل فالمنطقة منطقتهم». لم يشاهدوا مسلحاً واحداً ذلك اليوم.
تحصل «استقبالات الأحد» في الطابق الأرضي، بينما يقيم النائب تمام سلام مع مكتبه في الطابق الأول، فيما تقيم والدته في الطابق الثاني. عائلة بورجوازيّة مثاليّة. ورغم ذلك لم يكن في حسابات «أهل القصر» أن «البيك» سيعود رئيساً للوزراء؛ فتراهم يتحدثون بلا حسابات: «نعم، لقد قابل الأمير بندر». وعلى الهاتف، يسكت أحدهم لبرهة ويجيب: «لا أعتقد أن حزب الله لديه مشكلة معنا».