.. وأخيراً وقع حسين الحجريري، المعروف بـ«حسين الحلاق»، في قبضة قوى الأمنية. ملاحقة استمرت على مدى أكثر من سنتين لـ«الرأس المدبر» الذي افتتح عصر الخطف مقابل فدية، باختطافه للأستونيين السبعة في آذار من العام 2011، في البقاع. سائر المشاركين في عملية الخطف أوقفوا أو قُتِلوا، باستثناء «الحلاق» (30 عاماً)، ابن بلدة عرسال، الذي فشلت أكثر من عملية أمنية في توقيفه.
منذ أيام، وبعد عملية رصد طويلة، وضعت قوة من فرع المعلومات حداً لفراره فألقت القبض عليه بعد استدراجه بمساعدة «عراسلة»، من فليطا السورية إلى جرود بلدته عرسال. مسؤول أمني قال لـ«الأخبار» ان العملية الأمنية نفذت «بسرية تامة» منذ تاريخ بدء عملية الرصد، ذلك أن «الحلاق» من النوع «الحذر والخطير جداً»، والدليل على ذلك فشل كل المحاولات السابقة لتوقيفه، ومنها تلك التي اشتبكت فيها معه قوة من فرع المعلومات في بلدة عرسال في العاشر من أيلول 2011، والتي أصيب فيها وتمكن من الفرار. وفي المعلومات الأمنية أن «الحلاق» استدرج منذ فترة، بمساعدة «عراسلة»، من الأراضي السورية الحدودية المحاذية للأراضي اللبنانية، وتحديداً في فليطا، إلى جرود بلدة راس بعلبك، بعد الاطلاع على معلومات أمنية تؤكد دخوله وخروجه من الأراضي اللبنانية وإليها عبر جرود بلدة عرسال.
وبحسب التحقيقات الأولية فإن «حسين الحلاق» يعتبر «الرأس المدبر» لعملية اختطاف الأستونيين السبعة، وأن «الأوامر بتنفيذ العملية صدرت من احد قادة تنظيم القاعدة في العراق».
من جهة ثانية، تشير التحقيقات الأمنية إلى أن «حسين الحلاق» يعتبر «المسؤول الفعلي» عن خطف المدعو حسين كامل جعفر من خراج بلدة عرسال إلى بلدة فليطا السورية، ولمدة فاقت العشرين يوماً، الأمر الذي أدخل منطقة البقاع الشمالي في أتون عمليات خطف وتوتر شديدين بين العراسلة وآل جعفر. كذلك أشار بيان قوى الأمن الداخلي إلى ان الحجيري هو المسؤول عن عملية خطف ثلاثة مراسلين يعملون لحساب «هيئة الإذاعة البريطانية» (بي بي سي)، قبل أشهر، وسرقة اموالهم وجوازات سفرهم، قبل إعادة جوازات السفر لهم بعد الحصول على مبلغ مالي كبير.
حسين الحجيري الذي وقع الاحد الماضي في قبضة فرع المعلومات بعد طول بحث وتحر ومطاردات كلفت شهداء وجرحى ومبالغ مالية طائلة، ليس رجلا بسيطا كما يصفه بعض رفاقه ومعارفه في بلدته عرسال. فالشاب المولود في العام 1983 من والد عرسالي وام بعلبكية، عاش طفولته في مدينة الشمس متأثرا في مراهقته بحزب الله، قبل ان يعود الى عرسال مفتتحا صالون حلاقة. وأمضى في هذه المهنة نحو سنتين ونصف السنة، قبل ان يتحول الى العمل في مقالع وكسارات بلدته، الى ان جاءت الحرب الاميركية ــ البريطانية على العراق سنة 2003 حيث قادته الحماسة مع مجموعة من الشباب العرسالي الى بغداد لمواجهة العدوان، مشاركا في معركة ضد الاميركيين قرب مطار العاصمة العراقية، قبل ان يعود الى عرسال بعد سقوط بغداد واستشهاد رفيقه اسماعيل الحجيري الذي ترك استشهاده «غصة» في حياة حسين ويومياته.
يوم عاد «الفدائي» من العراق، تحول الى رمز نضالي في عرسال، ولم يعد ذاك الشاب المراهق البسيط. فقد تقدم بجرأته على اقرانه واصبح محط احترام وتقدير من أقرانه. اكتشف رفاق «الحلاق» في عرسال ان الشاب المقاوم للاحتلال الاميركي في العراق رغم صغر سنه وأميته السياسية، ليس الا صاحب مخيلة واسعة واحلام تتجاوز مساحة جرد عرسال. اندفاعه المتهور احيانا اوجب عليهم تجنب معاشرته او الاكتراث له ولما يقوله، واصبحوا يتهمونه بأنه «يعمل» على الموضة، وحسب ما تتطلبه مخيلته الواسعة الى ان وقعت واقعة خطف الاستونيين واصبح الحديث عن حسين اكثر جدية.
لم يكن الحجيري متدينا او يمارس الشعائر والواجبات الدينية الاسلامية. كان يتمتع بشرب الخمر التي كانت توصل احلامه الى السماء. احلام سرعان ما اجتنبها واصبح ملتزماً دينياً فجأة بعد خروجه من سجن رومية، فاعتبر رفاقه فعله الجديد «موضة» لن يصمد على الالتزام بها، خصوصا أن عمله كسائق شاحنة نقل احجار من المقالع لم يكن محط ارتياح اصحاب المقالع ومناشر الاحجار لما عرف عنه من عدم التزام بسداد الاموال او صدق الالتزام بالعمل، ما حوله الى شخص غير موثوق.
حسين الحجيري الذي اوقف في رومية سنة 2008، وامضى محكوميته (سنة و8 اشهر) بتهمة الانضمام الى عصابة مسلحة، كان نزيل المبنى (ب) حيث تعرف هناك الى الاسلاميين وتشرب عقيدتهم، وخرج «نصف شيخ» كما يقول احد اصدقائه لـ«الأخبار». ويضيف ان دخول حسين الى سجن رومية غيّر مسار حياته، اجتماعياً وفكرياً، وعاد الى عرسال متابعا العمل على شاحنته الى ان جاءت حادثة خطف الاستونيين السبعة ومطاردته من قبل فرع المعلومات واصابته بجروح بليغة نقل على اثرها الى سوريا حيث عولج هناك وتخفى في ارض الشام.
«الحلاق»، المتزوج من قريبة له في عرسال ولهما طفل (3 اعوام) وطفلة (عام ونصف العام)، انهى دراسة المرحلة الابتدائية قبل ان يمتهن الحلاقة وتشذيب اللحى، والتمتع بفنون رقص الحنجلة على رنين كؤوس الخمر، ترك توقيفه ارتياحا لدى أهالي بلدة عرسال الذين وجدوا في إلقاء القبض عليه نهايةً لملف اقلقهم ووضع البلدة في اتون صراع مرير مع الدولة. فـ«الحلاق» الذي لم يكن بطلا في نظر اقرانه، واصبح حديث سهراتهم، ظهرت عليه النعمة بعد الافراج عن الاستونيين السبعة، حيث انجز بناء منزله واشترى «كميونا» جديدا قبل ان يصبح طريدا، وقع في «فخ» فرع المعلومات الذي «خرق» اقرب المقربين اليه فاستدرجه الى خلف القضبان من دون مقاومة تذكر بعد قتل نصف اعضاء مجموعة خطف الاستونيين في مواجهات مع فرع المعلومات.
على صعيد آخر، شُيّع في عرسال، أمس، أحد أبناء البلدة الذين قضوا خلال مشاركتهم في القتال إلى جانب مجموعات المعارضة السورية، في منطقة ريف القصير.