أن تقول إن المقاومة حقّ، بكافة أشكالها، وفي صلبها المقاطعة الاقتصادية والثقافية للشركات الداعمة لإسرائيل، فهذا قدحٌ وذمٌّ يستأهل المحاكمة. هذا ما أرادته شركة دارين الدوليّة (ش. م. م.) ممثلة «H&M» في لبنان، وهذا ما انتصرت عليه «الأخبار» وأنصار مقاطعة إسرائيل وداعميها في لبنان.
قبل عام، استأنفت «الأخبار» حكماً صادراً عن محكمة استئناف الجنح في بيروت الناظرة في قضايا المطبوعات، الذي قضى بإدانة المدّعى عليه المدير المسؤول إبراهيم الأمين بسبب نشر «الأخبار» خبراً تحت عنوان «قاطعوا الاحتلال... قاطعوا H&M».
وفي تفاصيل الخبر المنشور بتاريخ 10 آذار 2010، ما يأتي: «دعت مجموعة من المنظمات العالمية إلى مقاطعة محال H&M في مختلف أنحاء العالم. ووزعت المنظمات بياناً دعا إلى مقاطعة محال الألبسة الشهيرة بسبب استعدادها لفتح أول فرع لها في إسرائيل، وفي القدس المحتلة على بقعة هُجّر أهلها الفلسطينيون من أجل بناء مستوطنة إسرائيلية يهودية محلها. وH&M التي تستثمر في إسرائيل تغطي على انتهاكات الدولة العبرية للقوانين الدولية من خلال احتلال فلسطين وتشييد جدار الفصل العنصري وارتكاب جرائم، وخصوصاً خلال عدوان غزّة». وشرح خبر «الأخبار» أن بيان المنظمات الدولية دعا «إلى التظاهر أمام فروع الشركة في كل بلد في 11 آذار 2010 وتوزيع البيان على زبائن المحال، لا تدعموا الاحتلال، لا تتسوّقوا عند H&M».
ربحت «الأخبار» قبل أيام حكماً قضائياً، بعد أن قبلت المحكمة الاستئناف الذي قدمه محامي الجريدة نزار صاغيّة، لفسخ القرار الذي أدان الأمين بصفته مديراً مسؤولاً في الجريدة بذمّ الشركة المذكورة ونسب «أخبار تمسّ بكرامتها وسمعتها».
بالطبع، القرار ليس نصراً قضائيّاً فحسب. «الأخبار» لم ترتكب جرماً أخلاقياً أو جنائياً. لم تنشر خبراً كاذباً. لم تشتم، لم تقدح أو تذمّ. «الأخبار» مارست اقتناعاتها بنقل خبر صحافي بمهنيّة، واكتفت «بنقل وقائع دعوة عالمية في إطار حقّها في نقل الأخبار والتعبير عن رأي سلمي وسياسي مناهض اعتاده لبنان»، على ما ورد في متن نصّ قرار محكمة التمييز التي قبلت استئناف «الأخبار».
وبغضّ النظر عمّا إذا كانت دعوة المقاطعة هي دعوة عالمية، أليس من حقّ «الأخبار» كأي وسيلة إعلامية أو مواطن لبناني أن تتوجّه إلى الرأي العام في قضيّة كقضية المقاومة، وتحديداً المقاطعة الثقافية والاقتصادية عبر الدعوة إلى مقاطعة الشركات التي تدعم إسرائيل بنحو مباشر أو غير مباشر؟
يقول الدكتور سماح إدريس عضو «حملة مقاطعة داعمي إسرائيل»، إن قرار المحكمة هو «تذكير لكلّ من نسي بأن لبنان في حالة حرب مع إسرائيل، ويحقّ لكل مواطن بأن يمارس حقه الطبيعي في مقاومة إسرائيل وداعميها، واستخدام أسلوب المقاطعة السلمية والمدنية». وأهمية الخطوة، بحسب إدريس، أنها «أعطت شرعية لأي تحرك سلمي أو مدني ضد أي شركة لديها فروع في الكيان الصهيوني أو تستثمر هناك. ليس مقبولاً بعد الحكم القول إن التظاهر أو مقاطعة هذه الشركات يؤذي الاقتصاد اللبناني أو موظفي هذه الشركات، لأن المصلحة الوطنية تتفوق على أي مصلحة شخصية أو مادية أو (شركاتية)». ويضيف ناشر مجلة «الآداب» أن «هذا الحكم يقدم تحرراً إضافياً للصحافة كي تنقل أخبار المقاطعة من دون أن تتهم هي بذاتها بأنها تحرّض على الشركات، كما يعطي دفعاً إضافيّاً لحركة المقاطعة لتمارس حقها الوطني في حرية التعبير من دون أن تتهم جزافاً بالقدح والذّم، وللشركات الداعمة لإسرائيل والتي تستثمر في الأراضي المحتلة لتفكّر مرتين قبل أن تستثمر هناك».
لا يمكن شعباً أن يحمل حجراً وبندقية وصاروخاً مضاداً للدروع في يد ويطارد جندياً أو دبابة إسرائيلية، أن يدفع باليد الأخرى ماله لشراء سلعة من شركة تدعم الاستيطان على أرض فلسطين، وتساهم في تهجير الشعب الفلسطيني وقتل اللبنانيين والفلسطينيين والسوريين وتدمير مدنهم وقراهم.
نقل خبر عن مقاطعة داعمي إسرائيل لا يمثّل ذنباً. هو موقف وطني أولاً، وجزء من معركة حريّة التعبير ومساهمة في قضيّة إنسانية وأخلاقية وسياسية ووطنية وقومية تعني كل مواطن لبناني يدرك مدى خطر إسرائيل على مصالح بلاده وشعبه.