كان يفترض أن نتابع اليوم مقالين سابقين عن رغبة التفاهم مع مصطلحات الصحافة الطليعيّة اللبنانيّة، خاصّة اليساريّة منها (هل يذكر أحدكم شيئاً «أو حركة» اجتماعيّة اسمها: اليسار الديموقراطي؟... أَهَه.. طيّب كم شخص أنتم؟... والله؟ (دارج) «بأيّا أوتيل نازلين حاليّاً؟!..». إذن ولكن،...
وعند طلب ملحّ لأحد المتابعين والمعجبين أو المشجّعين لي وبكلّ حماس لكن صادق، وليس نتيجة موجة دعائيّة إعلاميّة، أو حديقة تفاعليّة افتراضيّة لا أسس من المعرفة الدقيقة فيها، وأحد المتابعين هُوَ صراحة: مُتابِعَة، أي إنّها: امرأة عاملة ومتابعة كلّمتني بموضوع الردّ على مقال وَرَدَ في صحيفة «السفير» كان عنوانه يستخفّ بالحفلة الموسيقيّة التي قُدّمت في كنيسة انطلياس الأسبوع الماضي ويتطاول في تحليل أبعادها الصادقة موسيقيّاً واجتماعيّاً أولاً، وهذا الوجه واضح في أسعار البطاقة (تبرُّع...) وفي تسخيف العَمَل وفي حَرْفِهِ، كما وأخذ التحليل لمزاوجة: اليسار والانتماء من جهة، والكنيسة والصلاة أو التراتيل من جهة أخرى... وهي، أو وهُما، إنْ جاز التعبير، واعيان: اليسار والكنيسة، أو «الدين الطبقي» والدين الإلهي، شيئان موجودان ولا تضارب إطلاقاً «بينهما»، لا بل فإنّ فكرة التنسيق بينهما لصالح الإنسان المحتاج فكرة لا بأس بها أبداً... فلا الدين المسيحي يدافع عن الاستغلال وسوء أحوال العَمَالة وطبعاً ليست الاشتراكية بالوارد!
إنّ الحديثَ هنا قد يَفيضُ إلى ما لا تُحْمَدُ عُقباه... إنْ على صعيد المساحة على هذه الصفحة نفسها.. وبالتالي التصادم مع المشرفين على الجريدة هذا المساء... (وكلّ مساء عموماً... منذ فترة وهم يأتون... نفسهم وهذا شيء... لا بأس بها في هذه المزارع المضاءة ليلاً وكأنّها تستأهل!!)، المهم... أو على صعيد تعداد المحطات التاريخيّة لتلاقي الكنيسة مع اليسار في العالم... المهمّ هنا أنّه بدأ في أيّام لينين الذهبيّة، أي في الأيّام الأخيرة التي سبقت الهجوم على قصر الشتاء، الكرملين، والاستيلاء عليه من قبل الثوّار البولشفيك... لقد كان عدد رجال الدين الأرثوذكس المسلحين الذين انضمّوا إلى الثورة كبيراً جدّاً... هل كانوا في الحزب؟ لا أبداً، لقد كانوا ضدّ القيصر.. أي أنه حتّى السيّد المسيح خصَّ أحد المؤمنين، بحسب الإنجيل، بجواب يذكر فيه القيصر (ليس نفسه بالذات) وطالب بالعدل والمساواة في احترام الواجب الاجتماعي والواجب الإيماني وذلك في قوله: أعطِ ما لقيصر لقيصر وما لله... لله... وكان يتكلّم عن الفلوس، عن العملة... وهنا بيت القصيد... أي... عندما توافق أو يوافق أيُّ منّا على أن عبادة الله والمال غير ممكنة في آنٍ واحد، فهو سيكون إمّا يسارياً، وإمّا مناضلاً اجتماعيّاً أو مؤمناً متديّناً... عاملاً بين الناس، بين أبناء الرعيّة أوّلاً... مثلاً... لكنّه لن يكون بأيّ حال: مُضارباً في وول ستريت، ولا مساهماً في مصرف في شارعه في سوليدير...
في النهاية، صحيح أنّ عمليّة النقد عمليّة تُعطى قيمة أكثر من حجمها في مجتمع لا يقرأ ولا يسمع ولا يشاهد، وأنا نادم فعلاً على الوقت الذي أهدرته على هذا الردّ... إنّ الشيء المطمئن الوحيد هوَ أنّه: كما «كلّنا للوطن»، كلّنا مع الله ضدّ المال... وهذا أكثر من أكيد... فاطمئنّوا!