رغم الترحيب الإسرائيلي الفوري بقرار مجلس التعاون الخليجي تصنيف حزب الله منظمة إرهابية، بقي الصمت سائداً على المستوى الرسمي في تل أبيب، وهو ما لا يتلاءم مع أدائه المعتاد في مقاربة أحداث بهذا القدر من الأهمية. ويمكن التقدير بأن إسرائيل تجد نفسها أمام نوعين من الاعتبارات. الأول، تجنب الترحيب الرسمي لقطع الطريق على حزب الله ومحور المقاومة في الكشف عن الخدمة التي يوفرها القرار الخليجي للمخططات الإسرائيلية. والثاني، أن إسرائيل ترى في هذه الخطوة محطة ملائمة لتحقيق قفزة في مسار تظهير العلاقات مع السعودية وتطويرها، انسجاماً مع الخطاب الرسمي الإسرائيلي الذي يؤكد على التهديدات والمصالح المشتركة.
من ثوابت السياسة الخارجية الإسرائيلية العمل على تصنيف المقاومة، في لبنان وفلسطين، كمنظمات إرهابية. لكن تل أبيب اعتمدت، منذ سنوات، خطاباً رسمياً يشدّد على ضرورة تقديم صورة حزب الله على أنها مطابقة لكل من «داعش» و»القاعدة». وبعد القرار الخليجي، بات بالإمكان القول إن الخطابين الرسميين الإسرائيلي والسعودي ــــ والخليجي ـــــ إزاء المقاومة باتا متطابقين شكلاً ومضموناً. وفي هذا السياق نفسه، بات في إمكان رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو مطالبة الاتحاد الأوروبي بانتهاج الطريق السعودي في النظرة الى حزب الله، كما فعل قبل أسابيع عندما طالب الاتحاد الأوروبي بأن «تعكس سياسته حيال إسرائيل والفلسطينيين السياسة العربية السائدة تجاه إسرائيل والفلسطينيين». هذا مع الإشارة الى أن إسرائيل بذلت قبل سنوات جهوداً كبيرة مع الاتحاد الأوروبي من أجل إدراج حزب الله كمنظمة إرهابية، أثمرت في النهاية بإدراج الاتحاد الأوروبي «الجناح العسكري لحزب الله على لائحة الإرهاب». والآن ستجد إسرائيل في القرار الخليجي مناسبة لتجديد محاولاتها، مدعومةً هذه المرة بموقف خليجي جامع.
بات في وسع
إسرائيل مطالبة
الغرب بأن يحذو حذو الدول الخليجية


على مستوى التوقيت

أبرز ما يميز القرار السعودي والخليجي تزامنه مع سياسة التدرج في تظهير العلاقات بين الرياض وتل أبيب، وتطويرها الى مرحلة التحالف. وتمثل هذا التدرج، في الأسابيع والأشهر الماضية، بسلسلة لقاءات بين شخصيات سعودية رفيعة مع شخصيات إسرائيلية رسمية وغير رسمية، وصولاً الى تسريب القناة العاشرة الإسرائيلية خبر زيارة وفد إسرائيلي رفيع للرياض من دون صدور أي نفي من الطرفين. ويأتي قرار تصنيف حزب الله منظمة إرهابية مقدمة للانتقال الى مرحلة التحالف. إذ إن أي تحالف بين دولتين يشترط أن يستند الى رؤية وموقف موحد من التهديدات المشتركة. ويمكن القول منذ الآن إن السعودية استكملت الشروط وأتمت المقدمات للانتقال الى مرحلة التحالف مع تل أبيب، وخصوصاً أن الطرفين لا يتطابقان فقط في تحديد التهديدات باعتبار حزب الله منظمة إرهابية، بل يتفقان أيضاً على أن للمواجهة مع الحزب ومحور المقاومة أولوية تتقدم على مواجهة «داعش» و»القاعدة» في سوريا. وهو ما عبر عنه نتنياهو ومسؤولون إسرائيليون في أكثر من مناسبة، وما تجاهر به السعودية ودول إقليمية أخرى تعارض أي سياسة دولية تستهدف «داعش» و»النصرة» إذا لم يشمل ذلك إسقاط النظام السوري.

حاجة إسرائيل الى المشروعية

منذ تبدل معادلات الصراع مع العدو الإسرائيلي، بفعل استراتيجية المقاومة في لبنان وفلسطين، وإدراكه بأنه لم يعد في وسعه تحقيق الحسم العسكري في الحروب التي يشنها، أو على الأقل باتت كلفتها أكبر من جدواها، اعتمدت إسرائيل استراتيجية تقوم على استهداف التجمعات السكانية والمناطق المدنية كجزء من خطة تهدف الى إخضاع المقاومة بدلاً من الحسم الذي بات متعذراً أو مكلفاً، كما فعلت خلال عدوان «الجرف الصامد» على قطاع غزة.
وعلى خط مواز، أدركت إسرائيل أن هذا النوع من الحروب يحتاج الى بناء مشروعية دولية تبرر سياسة التدمير الشامل، وهو ما يفسر الحملات الدبلوماسية والإعلامية المكثفة في المؤسسات الدولية وفي العالم الغربي تحديداً. ويمثل القرار السعودي ــــ الخليجي مرحلة الذروة في توفير المشروعية التي تحتاج إليها إسرائيل لأي عدوان واسع تقرر تل أبيب شنه ضد حزب الله. وعلى ذلك، يتوقع أن تتلقف الدولة العبرية هذا القرار كأساس تستند إليه في الترويج لسياساتها الدعائية التي تهدف الى تقديم حزب الله كمنظمة إرهابية في المؤسسات الدولية.