أعلن قيادي في حركة «حماس» عن لقاءات تفاهم مع مسؤولين من إيران وحزب الله لاستئناف العلاقات والدعم الخ. ومنذ أكثر من سنتين، هذه هي المرة الأولى التي تتقصد «حماس» فيها، الحديث عن فحوى لقاءات مع محور المقاومة، وتتباهى بالقول إنه تم إبلاغها أن طهران ما تزال تعتبرها عضوا في ذلك المحور.
هل إيران هي التي تحدّد ما إذا كانت حركة ما هي حركة مقاومة... أم نهج هذه الحركة، وطبيعة تخندقها في لوحة الصراع الوطني الاجتماعي المحتدم في بلاد العرب؟
بعد كل ما حدث منذ ربيع 2011، لم يعد الانتماء الفلسطيني وامتشاق السلاح، ولا حتى ماضي الصدام مع العدو الإسرائيلي، تشكل شروطاً كافية للقول إن هذه حركة مقاومة أم لا؛ فالطعنة التي وجّهتها حركة «حماس» إلى قلب محور المقاومة في دمشق، كانت جوهرية وعميقة وسامّة، ولا تعكس خطأ أفراد وإنما أيديولوجيا تنظيم وسيكولوجيا قيادة، ولا تعبّر عن خلافات في توصيف حدث أو تقييمه، وإنما عن خيانة صريحة لخندق المقاومة، كما للخبز والملح.
ليس معروفا عن «حماس» ـــ التي تحكم بالقوة الانقلابية وتصادر أبسط الحريات الشخصية في غزة ـــ تعلّقها بالقيم الديموقراطية، لتتخذ موقفاً من النظام السوري الذي كان دكتاتورياً أيضا طوال تلك السنوات التي استضاف فيها الحمساويين، وقدم لهم أعلى أشكال الدعم ـــ وأهمها الدعم السياسي ـــ مما حوّل «حماس» إلى قوة أساسية في الشأن الفلسطيني.
في الواقع، طعنت «حماس» دمشق، غدراً، واختارت، بصورة منهجية، خندق الحَمَدين القَطريين ـــ وهو مجرد واجهة للخندق الإسرائيلي ـــ والرجعية الخليجية والإرهاب التكفيري ورعاته الامبرياليين، في مشروع تدمير سوريا والجيش العربي السوري. وهل من يسعى إلى تدمير هذا الجيش يُعدّ أو يمكن أن يُعَدّ مقاوماً؟ واختارت «حماس»، من دون التباس، السلطان العثماني الطامع في الأرض السورية، وبايعته على احتلال أرض عربية، وتلفّعت بعلم الانتداب الفرنسي على سوريا.
هل قاتلت «حماس»، بالسلاح، ضد الجيش العربي السوري؟ ليس للإجابة على هذا السؤال، أي أهمية؛ فلقد غدرت في الموقف، واصطفت في السياسة ـــ وهذا هو الأهم ـــ وأساءت وحرّضت ـــ مع المحرضين ـــ على الولوغ في الدم السوري. وهي فعلت ذلك، ليس، فقط، انطلاقا من روح مذهبية متعصّبة مريضة، وإنما، بالأساس، انطلاقا من موقف أيديولوجي رجعي اخونجي، ولد وترعرع في أحضان الاستعمار والرجعية، على أساس العداء لحركة التحرر العربية.
«حماس»، اليوم، في ورطة ماحقة؛ فهي راهنت على سقوط النظام السوري، وخاب رهانها، وراهنت على النظام الإخواني في مصر، وتورطت إلى جانبه ضد الشعب المصري، فسقط ذلك النظام، وتحوّلت فلوله إلى العنف والإرهاب، وراهنت على السلطان رجب أردوغان، فترنّح تحت ضغوط العزلة والمعارضة والأكراد، وراهنت على سياق إقليمي ودولي يسمح لها بنقل ثقلها إلى الأردن، ولكن اجماعاً وطنياً أردنياً نشأ على صدّها، خوفاً من مشروع الكونفدرالية والوطن البديل.
بالمعنى الاستراتيجي، «حماس» انتهت؛ ربطت مصيرها بمصير المشروع القطري التركي الاخواني، وسقطت بسقوطه. ولم يعد لها سوى شبكة انقاذ واحدة تتمثل في الإيرانيين وحزب الله.
إيران قوة إقليمية رئيسية أثبتت عداءها للإمبريالية والصهيونية والرجعية، كما أثبتت وفاءها للتحالف مع أصدقائها العرب، من خلال وقفتها الشجاعة والثابتة مع الجمهورية العربية السورية. وهذه الوقفة، وحدها، تمثّل أساساً متيناً لإعادة تقييم الدور الإيراني في المنطقة، وإطاراً ودياً لبحث الخلافات معها.
إيران، اليوم، حليف مركزي لحركة التحرر العربية، ولكن ذلك لا يمنحها الحق في إعادة تعويم حركة الإخوان المسلمين التي لفظتها الشعوب العربية. وطهران، بالطبع، لن تستطيع ذلك، إلا عبر حليفيها العربيين، حزب الله والنظام السوري؛ فيقوم الأول بالضغط على الثاني.
آن الأوان للكف عن سياسات تملّق قوى الاسلام السياسي السنّي؛ فالجماهير العربية السنيّة المؤمنة تتجه، اليوم، إلى موجة مدنية عروبية علمانية ـــ وليس هناك تناقض بين الإيمان الشعبي والصحوة المدنية العلمانية ــــ يكفي، لكي تدركوا ذلك ـــ أن تنظروا إلى صور الزعيم الراحل جمال عبدالناصر في المظاهرات المصرية المليونية، بل أنظروا إلى المفاجأة: صور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في ميادين القاهرة! وأعلام سوريا في ميادين تونس... ومصر وتونس، للتذكير، بلدان «سنيّان».
العلاقة مع «حماس»، اليوم، أصبحت تسيء إلى صورة حزب الله، القادر على كسر ما يظنه «عزلة مذهبية»، فقط، بتظهير علاقاته مع الوطنيين والقوميين واليساريين، وتأكيد انفصاله عن الإخوان والسلفية.
11 تعليق
التعليقات
-
السيد ناهض حترمقال مليء بالتناقضات, ومفخخ بمصطلحات خطيرة. -ايران حاولت استمالة الإخوان المسلمين في مصر بعد تسلمهم السلطة, والمرشد الأعلى للثورة الإسلاميّة في ايران ذهب بعيداً واعتبر أن ثورات الربيع العربي ما هي إلا (صحوة اسلامية) وهو لغاية الآن لم يُعد النظر في تقيمه و اعتباره ذاك. -حين تحالف حزب الله مع حماس, تحالف معها على أساس مشروع المقاومة, وليس بناء على مقاربات فقهيّة أو تسويات عقائدية (إن صحّ التعبير). حماس و قبل تعاونها مع حزب الله كانت فاعلة جدّاً, و حين بدأ التعاون الفعلي مع حزب الله كانت اهتمامات حماس قد تحولت إلى السلطة والتّسلّط (هل تعرف أيها الكاتب من شجّع حماس على الإنخراط في سلطة أساسها اتفاق أوسلو؟ الإجابة والتفاصيل يمكن أن تكون موضوع لمقال مفيد بالمناسبة). بمعنى: لا حزب الله ولا ايران ولا سورية ولا أي طرف عاقل, يمكن أن يتحالف مع أطراف غير فاعلة عملياً, من فئة (قوى الوطنيين والقوميين واليساريين) ما دام فعلهم يقتصر على كلام يُلقى من على متن المنابر, فهؤولاء أطراف مستهلكة كلفتها أكبر من فائدتها الديكورية, إلى أن يثبت العكس. و حتى ذلك الوقت (وقت أن تثبت هذه القوى قدرتها) يستحسن الصمت قليلاً وترك تقدير الفائدة و المخاطر من تحالفات مع الإسلام السياسي السنّي (كما يسميه الكاتب) لأصحاب المصلحة, والهرولة سريعاً للعمل الجاد, بدل اسداء النصائح.
-
يا أخ ناهض،تقول أن النظاميا أخ ناهض،تقول أن النظام السوري كان ديكتاتورياً طيلة الفترة التي إستضاف فيها (الحمسيون)،وتبدأ الفقرة التي تلي ذلك بالقول أن حماس قد طعنت دمشق (غدراً ).هكذا .. نقبل منك اقرارك بأن نظام الأسد كان ديكتاتورياً جثم على صدر دمشق وسورية كلها ،ربما طعنت حماس النظام في دمشق ،لكنها أبداً لم ولن تطعن دمشق .
-
حماس ارتكبت جريمتين، الاولى حماس ارتكبت جريمتين، الاولى اقحام نفسها في صراع داخلي سوري، وهذه خطيئة لأنه لا يجوز لحركات التحرر ان تتدخل في شؤون مضيفيها. الجريمة الثانية هي اختيار القطيعة مع النظام الوحيد الذي استضافها على مدى سنوات مقاومتها الفعلية املا في حضن جديد قطري تركي (ولاحقا مصري). التقييم الاخلاقي لفعل حماس مريع جدا، لكن على محور المقاومة ان يتعامل معها كما يتعامل مع جنبلاط، اي بمنطق فهم الطبيعة الانتهازية لحماس (على مستوى القيادة) وبنفس الوقت النظر الى مصلحة المقاومة كاساس لكل تعامل مع حماس
-
لا حل إلا بالعلمانية!!!مقال بمنتهى الروعة، شكرآ أستاذ ناهض!!!
-
المعايير الجديدةمع معارضتي للإسلام السياسي (السني والشيعي), هل يُعقل أن تتحول حماس التي تقاوم وترفض الإعتراف عميلة؟ والنظام الذي هادن مدة 40 سنة وجلس على طاولة المفاوضات عدة مرات هو معيار الوطنية؟ عندما يصير "الممانعجي" ملكياً أكثر من الملك!
-
مقال صادق في قوله:"وهي فعلتمقال صادق في قوله:"وهي فعلت ذلك، ليس، فقط، انطلاقا من روح مذهبية متعصّبة مريضة، وإنما، بالأساس، انطلاقا من موقف أيديولوجي رجعي". فكيف يؤمن لهذه الحركة بعد اليوم. بالتأكيد أنّ السياسة رغم مصالحها لا يمكن أن تحتفل بالخيانة. وهذه الحركة قد خانت!!
-
حماسهل السياسي العربي جاهل و غبي لهذه الدرجة هل من الممكن الوثوق بمن غدر مرة ٲ خرة هل للوفاء قيمة عند العرب
-
سليمكلام سليم 100 % . يجب ان لا ننسى العلاقة التاريخية بين الأخوان و أيران الاسلامية, و قد تلعب أيران بالفعل دورا في تعويم الاخوان من جديد.. يجب الحذر من الاسلاميين بكافة أشكالهم و على حزب الله أن يختار اليساريين العلمانيين لأنهم الاقوى و أكثر من ثبت في دعمه.
-
رائعرائع ويجب ان يأخذ هذا التحذير بقوه لأن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين، مع انو جنبلاط لدغون اكتر من مره!!،المهم يجب عدم تكرار هذا الخطأ السياسي والاستراتيجي،نعم يجب واوجب وليس مستحب
-
شكراً أستاذ حتّر. فعلاً . شكراً أستاذ حتّر. فعلاً . ...لقد سقطت حماس وعلى من يهمه الأمر الأنصات إلى نصيحتك القيمة بالابتعاد عنها وعن كل الطائفيين ناكري الجميل. المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين.