الصالون معتم بعض الشيء. تتفاعل الأضواء مع الأثاث الغريب. على المدخل، أرجوحة «مهارتجا راجاستاني» عمرها يزيد على مئتي عام، مكسوة بقماش مطرّز بالذّهب منقولة من كاتدرائية فرنسية. في الطابق العلوي، لوحاتٌ وقصاصات صحف، منحوتات برونزية مستوحاة من رؤوس ماعز مطليّة بالأحمر والأسود ولون الذهب، وثريات فنية، ومخطوطة بيد نابوليون. صالون ميشال ألفتريادس مجنون. فيه من كل واد عصا، حرفيّاً. يشتهر رجل الموسيقى والفنون والمسرح، بحمله عصا، وارتدائه ثياباً عسكرية وأزياء غريبة، وطبعاً لقبه المفضّل: «الإمبراطور». سمى صاحب «ميوزك هول» صالونه خلافاً للواقع، «utopia now». وفي واحدة من قصص الصالون غير المعروفة، قبل أربع سنوات، كان رئيس دولة تيمور الشرقية خوسيه راموس أورتاس في زيارة إلى لبنان، وعرج على الصالون لتناول العشاء. لم يمضِ أكثر من عشرين دقيقة، حتى همّ بالرحيل من دون وداع الحاضرين. صُدم أورتاس. فقد جلس في غرفة واحدة مع جاك فيرجيس، «محامي الرعب» الفرنسي الشهير، ودبلوماسيين وضباط لبنانيين وعرب وأجانب، سمع أحد الدبلوماسيين يدافع عن الرئيس اليوغوسلافي السابق سلوبودان ميلوسيفيتش. بعدها بساعات، تلقى ألفتريادس اتصالاً من أحد أصدقائه في القصر الجمهوري، يبلغه فيها أن الرجل أبلغ رئيس الجمهورية أن «مؤامرة دولية» تحاك في بيروت.
لم يتوقّف ألفتريادس عن إعداد «المؤامرات»، من حملة «لن ندفع»، إلى حملة «فليحكم الجيش» هذه المرّة، يعدّ ألفتريادس ومجموعة من الناشطين وأقارب شهداء الجيش اللبناني مؤامرة من نوعٍ آخر. مؤامرة في مقابل «فيلحكم الإخوان»، تحت عنوان «الشعب يريد الجيش».
في الصالون، الذي زاره اللواء الروسي ألكسي ليونون، أول رجل خرج من كبسولته في الفضاء، وابنة تشي غيفارا ووزير الخارجية الفرنسي السابق رولان دوما، وغيرهم كثر، يمضي ألفتريادس مع مجموعة من الناشطين ساعات طويلة لإعداد تحرّك لدعم الجيش في عيده. تجمّع الناشطون بعد فكرة جرى تسويقها على مواقع التواصل الاجتماعي، ليتلقفها عددٌ من أسر شهداء الجيش وعدد من الإعلاميين وأساتذة الجامعات والفنانين.
يقول القيّمون على النشاط إنه «لا علاقة له بالسياسة. وهدفه حصراً دعم الجيش». ثمّة لبنانيون كثر، خائفون. في زمن تصارع الجيوش والفوضى في كلّ المنطقة، يقف هؤلاء حائرين: من يحمينا ومن يمنع امتداد فوضى الإقليم من الوصول إلى كلّ شارعٍ وبيتٍ هنا؟ تسمع خلال الاجتماعات التي تعقد دورياً منذ حوالى الشهر، مرتين على الأقل أسبوعياً، أصواتاً تفكّر بصوت عالٍ حول حشد أكبر عدد من اللبنانيين لدعم الجيش، «لأن الطوائف وممثليها يحدّون من قدرة الجيش على التحرك بسبب الحسابات السياسية».
بعض الناشطين يعاني حماسة زائدة، فمعاداة جزء من اللبنانيين قد لا تصبّ في مصلحة النشاط، بينما المطلوب، بحسب ناشطين آخرين، «أن يحشد النشاط كل مكونات المجتمع وتياراته السياسية لدعم الجيش». لذلك، وجّه المعنيون دعوات إلى مختلف القوى السياسية في 14 و 8 آذار، وإلى مختلف المؤسسات الدينية للمشاركة، حتى إنك قد تجد عونيين وقواتيين تحت سقف الصالون، يفكّرون معاً، وفي الوقت الذي تبدي قوى 8 آذار تجاوباً مع الدعوة، تسمع أن مدير مكتب الرئيس سعد الحريري نادر الحريري أعلم المنظمين عزم التيار على المشاركة، وكذلك عدد من رجال الدين المسيحيين والمسلمين.
النقاشات في الاجتماعات تخطّت حدود الفكرة. العمل في الأيام الماضية تركّز على تنظيم الحضور وكيفية الدعاية وتوزيع المواد على وسائل الإعلام واللوحات الإعلانية، وتنظيم نقاط تجمع في المناطق، لنقل المشاركين من المناطق إلى ساحة الشهداء. وبحسب المنظمين، فإن حملة إعلانية ضخمة ستبدأ في الأيام المقبلة على شاشات التلفزة المحليّة، ولوحات الإعلانات على الطرقات، فضلاً عن مواقع التواصل الاجتماعي، «لحشد أكبر عدد من المشاركين». وعن آلية التمويل، يقول الناشطون إن «الاعتماد الرئيسي هو على تبرّعات بعض المتموّلين المقتنعين بضرورة دعم الجيش، بالإضافة إلى الاستفادة من بعض العلاقات الشخصيّة مع وسائل الإعلام».
« الشعب يريد الجيش»، عنوان لتظاهرة داعمة للجيش اللبناني، الخميس المقبل، 1 آب في بيروت ـــ ساحة الشهداء الخامسة عصراً.