في 12 تموز 2006، وبعد عملية «الوعد الصادق» التي نفذتها المقاومة في خلّة وردة مقابل بلدة عيتا الشعب بقيادة الشهيد خالد بزي (الحاج قاسم)، سمع أبناء البلدة عبر مكبرات الصوت التي استخدمها العدوّ الاسرائيلي، نداءات التهديد والوعيد والانتقام. هذا الكلام لم يحمله أبناء عيتا على محمل الجدّ، وإن كان صادراً عن أعتى جيش في المنطقة، فهم يعرفون عدوّهم جيداً. عايشوا الاحتلال وناصروا المقاومة. وزعوا الحلوى في شوارع البلدة احتفاءً بأسر الجنديين، في الوقت الذي أعدّوا فيه أنفسهم جيداً للقتال. حملوا أسلحتهم وانتظروا، قاتلوا قتال الأبطال ومنعوا العدوّ من احتلال بلدتهم، فاضطر إلى جرف عدد من المنازل لأنه لم يستطع الدخول اليها.
هي عيتا الشعب الأكثر ايلاماً للعدوّ، في الحرب المدمّرة في تموز، تشابكت سواعد النساء والرجال معاً حول البنادق وأوراق شتول التبغ وبين ركام أكثر من 1100 منزل جرى تدميرها. هي البلدة التي لم يتركها أبناؤها يوماً من الأيام بداعي الحرب أو الاحتلال، بل قرّروا البقاء فيها، متمسّكين بزراعة حقولهم الواسعة، إذ يقيم في البلدة اليوم حوالى 8100 نسمة من أصل 11000، وهذا ما يميزها عن باقي قرى وبلدات الجنوب، ولا سيما تلك التي عانت الاحتلال والاعتداءات الاسرائيلية لعشرات السنين ولا تزال. وبهذا تكون البلدة الأكثر تضرّراً من الحرب، ليس لكثرة المنازل التي جرفت وقصفت أو تضرّرت فقط، بل أيضاً لأن جميع المقيمين عادوا الى بلدتهم بعد الحرب، وتحمّلوا عناء انتظار اعادة الاعمار والسكن عند الأقارب أو في أماكن مستأجرة أو بين الركام. وهم اليوم أكثر راحة من ذي قبل، بعدما عادت معظم منازلهم اليهم، رغم أوضاعهم المادية السيئة.
بين عيتا الشعب وحرب تموز حكايات صمود لا تنتهي. شباب يتحدثون كل يوم عن «مهزلة العدو» وعمليات قتل الجنود الصهاينة. فيروي شاب قاوم الاحتلال في عيتا عن كيفية استفزاز المقاومين للجنود الغزاة ثم قتلهم، فيقول: «كنا نترك الجنود يدخلون المنزل الذي يقصدونه، ثم نرمي احد الحجارة داخل المنزل، فيعتقد الجنود ان الحجر قنبلة فيخرجون خائفين، عندها نقوم باصطياهم فرداً فردا». يوقن الاهالي أن«زمن الهزائم قد ولّى»، ولهذا كانت عيتا مكاناً للاحتفال بيوم الانتصار أمس. مكان على بعد أمتار من مواقع الاحتلال المهزوم، وعلى مساحة واسعة من الأراضي الزراعية. هناك رفع أبناء عيتا مكبرات الصوت عالياً، ووجهوها نحو فلسطين المحتلّة، كما رفعوا صورة كبيرة للشهيد بزي في وجه المواقع الاسرائيلية المدشّمة التي توارى جنود العدوّ خلف تحصيناتها. يقول المسؤول الاعلامي لحزب الله في الجنوب حيدر دقماق إن «احتفال الانتصار هذا العام في عيتا هو لتأكيد قوّة المقاومة في وجه العدوّ الذي حاول طيلة 33 يوماً أن يدخل الى هذه البلدة الصامدة ولم يستطع». وأشار الى أن «عشرات الآلاف الذين حضروا الى مكان الاحتفال من كل المناطق اللبنانية دليل على قوة المقاومة وثقتهم بجبن العدوّ وعدم قدرته على المواجهة».
في مكان الاحتفال وضعت منصة كبيرة حملت شعار المناسبة لهذا العام «قرارنا مقاومة» مع عدد من الصور التي تبرز انتصارات المقاومة ومفاجآتها في مقابل صور أخرى تعكس هزيمة العدو وجنوده، كما رفعت على المباني المحيطة جداريات ضخمة لصور القادة والشهداء، إضافةً إلى صورة عملاقة للشهيد بزي، وإلى جانبها جدارية عملاقة لأحد أبناء البلدة من كبار السن يرتدي «حطة وعقال» ويحمل بيده عصا، وقد كتب عليها «مرحا بطلتك يا سيد، عيتا اليوم بتعيد». وقد ازدانت الطرقات المؤدية إلى عيتا الشعب من جهات بنت جبيل وبيت ليف وراميا بالأعلام والرايات واللافتات. وقامت لجان مختصة بإعداد خطة سير لتسهيل وصول الوافدين إلى مكان الاحتفال. وانتشرت عشرات الأعلام اللبنانية وأعلام حزب الله، على اطراف باحة المهرجان، إضافةً الى آلاف الكراسي التي صُفت داخلها وفي محيطها لاستيعاب اكبر عدد من المواطنين، الى جانب مكان خصص لممثلي الرؤساء والشخصيات الرسمية والحزبية والدينية.