لم تبقِ إسرائيل الرسالة التي أرادت إيصالها من وراء الغارة الصاروخية التي شنتها مقاتلاتها على منطقة الناعمة فجر أمس رهناً للتحليل والتأويل. فهي، بحسب مواقف رسمية، تأتي في سياق الرد على الصواريخ التي أطلقت باتجاهها أول من أمس من الأراضي اللبنانية، كما أنها موجهة بشكل مباشر إلى الحكومة اللبنانية التي تتحمل مسؤولية ضبط الأوضاع ضمن نطاقها السيادي، برغم أن التقديرات الاستخبارية الإسرائيلية تجزم بأن الجهة المنفذة لعملية الإطلاق هي مجموعات تابعة لـ «الجهاد العالمي».
ومن المعروف أن الجيش الإسرائيلي دأب في المرات السابقة التي أُطلقت فيها صواريخ من الأراضي اللبنانية باتجاه فلسطين، عامي 2009 و 2011، على الرد عبر قصف مدفعي استهدف مناطق الإطلاق. والمرة الوحيدة التي أغارت فيها طائرات إسرائيلية ضد أهداف لبنانية منذ حرب تموز 2006 هي التي شنت فيها مروحيات إسرائيلية عام 2010 مستهدفة نقطة للجيش اللبناني في بلدة الطيبة إبان اشتباك العديسة الذي قتل فيه ضابط في الجيش الإسرائيلي وجرح آخر.
وبناء على ذلك، يمكن القول إن الهجوم على الناعمة يُعد تطورا في سياسة الردود التي تعتمدها تل أبيب حيال الجبهة اللبنانية، ويهدف إلى إسماع صناع القرار في بيروت أصداء الترجمة العملية للموقف الإسرائيلي القاضي بتحميلهم مسؤولية إطلاق الصواريخ باتجاه إسرائيل. وعلى أية حال، هذا ما كان أمكن استنتاجه في سلسلة التصريحات الإسرائيلية التي أعقبت غارة الناعمة، خصوصا على لسان وزير الدفاع، موشيه يعالون الذي شدد على أن الغارة «تأتي كرد على إطلاق النار ظهر أمس باتجاه الجليل الغربي. إن دولة إسرائيل ترى في الحكومة اللبنانية مسؤولة عما يحصل ضمن نطاقها، ولن تغض الطرف عن كل إطلاق نار أو استفزاز ضدها». وأكد في ختام اجتماع لتقدير الوضع على الحدود الشمالية أجراه أمس بحضور رئيس الأركان، بيني غانتس، أن إسرائيل «ترى بعين الخطورة عملية إطلاق النار أمس باتجاه إسرائيل، ولن نسمح لأية جهة بأن تشوش حياة مواطنينا. نحن نعمل بمسؤولية وتفكر من أجل الحفاظ على أمن الدولة ومواطنيها».
بدوره، قال الناطق باسم الجيش الإسرائيلي، يوآف مردخاي، إن الهجوم الذي شنه سلاح الجو على الناعمة وسمعت أصداؤه في بيروت «يمثل رسالة واضحة من إسرائيل وجيشها إلى صناع القرار في لبنان الذين نرى فيهم مسؤولين عن إطلاق النار (على الجليل) أمس».
وأثناء زيارة تفقدية إلى مكان سقوط الصواريخ في مستوطنة «غيشير هازيف»، حذر وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي، إسحاق أهرونوفيتش، الحكومة اللبنانية من تكرار الهجمات الصاروخية تحت طائلة التعرض لرد إسرائيلي أقسى. وقال إن «الحكومة الإسرائيلية لن تسمح بإطلاق النار والتعرض للأبرياء. الرسالة واضحة، كل من يحاول التعرض لسكان الدولة سنستهدفه. سيكون هناك رد وفي حال استمروا، سيكون الرد أقسى وأشد». وأشار إلى أن «هجوم سلاح الجو على جنوب بيروت حقق هدفه، نحن نعلم أننا أصبنا أهدافاً وضعناها لأنفسنا وهم يعلمون أننا قادرون على رفع مستوى الضربة. وآمل أن لا تتكرر هذه الأمور». وطالب أهرونوفيتش الحكومة اللبنانية ببسط سيطرتها وعدم السماح بإطلاق صواريخ من أراضيها.
وعلى صعيد التعليقات الصحافية، رأى محلل الشؤون العسكرية في «يديعوت أحرونوت» أن غارة الناعمة «ذات ميزة استثنائية إلى حد ما. فهدفها هو التلميح للحكومة اللبنانية ولحزب الله أن عليهم أن يعملوا بتصميم وبمهنية عالية أكثر من أجل منع حالات إضافية من إطلاق استفزازي على الأراضي الإسرائيلية، أكثر منه معاقبة مطلقي صواريخ الكاتيوشا الأربعة». أضاف الكاتب أن الموقع الذي هوجم في الناعمة يتمتع بميزتين، «الأولى، أنه موجود على بعد عدة كيلومترات جنوب بيروت ودوي الانفجار سُمع جيداً حتى في القصر الرئاسي اللبناني، والثانية، أنه بعيد عن السكان المدنيين، وبعبارة أخرى، الموقع تم اختياره بسبب إمكان إيصال الرسالة عبره إلى الحكومة اللبنانية وإلى حزب الله، وليس لأن منظمة أحمد جبريل هي من أطلقت صواريخ الكاتيوشا على إسرائيل».
أما لماذا لم يضرب الجيش الإسرائيلي المجموعة التي أطلقت الصواريخ؟ فلأن الحديث، برأي بن يشاي، عن «ثلاثة أو أربعة مخربين نصبوا الصواريخ واختفوا بعدها بحيث يصعب تحديدهم، ولذلك اختار الجيش مهاجمة من يمكن تحديده، خصوصا أن لديه خنادق كبيرة».
وفي «اسرائيل اليوم» كتب يوآف ليمور، أن الصواريخ التي أطلقت على إسرائيل قد تعكس مخططا مدبرا الهدف منه جر إسرائيل إلى المعمعة السورية اللبنانية «لكن انطلاقا من دوافع مغايرة لتلك التي لدى الأسد وحزب الله: الأمل في أن يضعف التدخل الإسرائيلي الأسد ويسرع سقوطه». واعتبر أنه برغم ضبط النفس الذي تبديه إسرائيل، فإنها تواجه على المستوى الإستراتيجي إشكالية تتعلق بنجاحها مستقبلا في البقاء خارج الصورة وتجنب أن تصبح لاعبة نشطة في حرب ليست لها في ظل الوضع الذي يزداد تعقيدا في مصر ولبنان وسوريا.