يقترب رئيس الجمهورية ميشال سليمان من اختتام «جولته حول العالم»، قبل نهاية ولايته الرئاسية. كاد يزور كل بلدان العالم. لكن زيارته الأخيرة إلى السعودية، تبقى الأكثر «اهمية» من حيث مضمونها. هي الرحلة الخارجية الأكثر إحراجاً لسليمان. عجز الأخير عن قول كلمة واحدة اعتراضاً على إلزامه بالجلوس قرب الرئيس سعد الحريري في مجلس الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز قبل أسبوعين. وهذه الرحلة أيضاً، هي اكثر رحلة شهدت حفاوة بالرئيس اللبناني. والحفاوة عند العائلة الحاكمة في السعودية تعني أن المئات من أبنائها شاركوا في المأدبة التي أقامها لسليمان ولي العهد سلمان بن عبد العزيز. وتعني أيضاً أن الأخير استقبل سليمان في المطار، بوجود عدد كبير من المسؤولين السعوديين (أي من أبناء العائلة المالكة)، وان الديوان الملكي خصص الوزير عبد العزيز خوجة لمرافقته، وأن عدداً من الأمراء البارزين زاروه في مقر إقامته في القصر المخصص لكبار الضيوف. لم يكتف السعوديون بهذا القدر من «المفاجآت». فخلال اللقاء الذي جمع رئيس الجمهورية والملك السعودي، كان الأخير شديد السلبية في الكلمات القليلة التي قالها لسليمان، بحسب أحد من حضروا اللقاء. كان رئيس الجمهورية يكرر الكلام اللبناني المعروف عن «الدور الإيجابي للمملكة في الحفاظ على لبنان واستقراره الأمني والاقتصادي». قال إن لبنان خسر أكثر من 7 مليارات دولار نتيجة الحرب الدائرة في سوريا. وأشار إلى ما يجري في طرابلس، وإمكان تطوره ليشكل خطراً على الامن اللبناني برمته.
كان ينتظر كلاماً يمكنه الاستناد إليه ليفتح الباب على الحديث في شأن تأليف الحكومة. لكن عبد الله «صَدَم» سليمان بعبارة تلخّص كل السياسة السعودية تجاه ما يجري في لبنان سوريا: «عليك أن ترسل الجيش لمنع حزب الله من التدخل في سوريا».
رئيس الجمهورية تلعثم بالرد. أسعفه الرئيس سعد الحريري الذي استدرك حرج سليمان، وقدّم مداخلة طويلة، نسبياً، استأذن خلالها «طويل العمر» أكثر من مرة لكي لا يبدو حديثه رداً على ملكه. تحدّث الحريري عن سليمان. أكثر من مديحه. قال إن الرئيس يبذل أكثر مما يستطيع من الجهد للالتزام بالنأي بلبنان عما يجري في سوريا. وجزم بأنه لو كان بمقدور سليمان ان يمنع حزب الله من التدخل في سوريا، لفعل ذلك. وتحدّث عن التوازنات اللبنانية الهشة، التي لا تسمح للجيش بالوقوف في وجه الحزب.
لم يردّ ملك آل سعود على الحريري. في ظل هذه السلبية، لم يجد رئيس الجمهورية أي باب مفتوح ليدخل منه إلى ملف تأليف الحكومة. السعوديون يريدون أن يقاتل الجيش اللبناني حزب الله، فهل من الممكن الحديث معهم عن حكومة يشارك فيها الحزب؟ هنا كانت معضلته.
في لقاءاته الاخرى، لم يتحدّث بالسياسة، بمعناها اللبناني. مع وزير الداخلية السعودي محمد بن نايف، كان ملف إغاثة النازحين السوريين هو الأساس. ومع رئيس الحرس الوطني السعودي متعب بن عبد الله، كان الجيش اللبناني واحتياجاته محور الحديث. أكثر المسؤولون السعوديون من الوعود. لكن سليمان عاد خائباً. الرسالة التي فهمها أن لبنان سيبقى ساحة اشتباك عنيف خلال الأشهر المقبلة.
(الأخبار)