بسرعة، قفز الإماراتيون من السفينة السعودية الغارقة إلى أحضان التفاهمات الدولية والإقليمية مع إيران؛ الواقع السياسي المستجدّ والمصالح التجارية الضخمة المنتظرة جراء رفع العقوبات عن الجمهورية الإسلامية، يدفعان إلى تجاوز الخلافات الداخلية، نحو مقاربة واقعية للانخراط في مجرى التسويات والمكاسب.
وقد لا يتمتع الأردنيون بالقدرة نفسها على إدارة الظهر للسعودية، لكنهم يشعرون بفداحة الاستمرار في العلاقة الدونية الكريهة الكارثية مع الرياض؛ الأخيرة لا تخفي تذمّرها من أن عمان لا تنفّذ «التعليمات» إلا بالحد الأدنى، وتحافظ على الصلات مع دمشق، وتنتظر الفرصة للخلاص.
باختصار، الحلف الثلاثي يتفكّك، وسط انهيار عالم السعودية كله:
ــــ العلاقات التقليدية مع الولايات المتحدة تعاني من اضطراب وتوتر غير مسبوقين، والعلاقات الغامضة مع روسيا تصطدم بالصراع حول سوريا.
ــــ المليارات السعودية «تذوب» في نهر السياسة المصرية التي تتجه إلى بناء علاقات متوازنة مع القوى الدولية والإقليمية، وفق رؤية استراتيجية تتجاوز السعودية، وتسعى للتوصل إلى صيغة لعلاقة نوعية مع إيران.
في المشهد الجيوسياسي المعقّد للمنطقة، مصر تنافس تركيا على المقعد الشاغر في الثنائية الشيعية ــ السنية، التي باتت ضرورة استراتيجية لإنقاذ الشرق الأوسط كله من الصراع المذهبي والتذابح والدمار. يمكننا القول هنا إن الرسالة المصرية قد نضجت واكتملت ووصلت بالفعل، بواسطة شخصية مصرية كبيرة المقام، في الأيام القليلة الفائتة، إلى مطبخ القرار الإيراني.
ــــ السعودية التي تخسر مصر الآن، في حالة عداء مع تركيا، والإخوان المسلمين وقطر.
ــــ القطريون ينتظرون الضوء الأخضر من دمشق للقيام باستدارة كاملة؛ لديهم اليوم فرصة غير مسبوقة للتموضع في ترتيبات تضع حداً نهائياً للخطر السعودي على الكيان القطري.
ــــ مسقط توطّد علاقاتها التقليدية مع طهران. الكويت تنأى، مؤقتاً، بنفسها. وحتى البحرين تتململ، فهي تواجه خياراً مصيرياً بين المبادرة إلى حل توافقي داخلي للأزمة أو الخضوع لحل يُطبخ بين واشنطن وطهران. المنامة تتفلّت الآن نحو التلاقي مع مصالحها الوطنية، على رغم النفوذ السعودي الممانع.
ــــ السعودية، الغائبة عن الوعي، تغرق في العزلة؛ ما بقي لها من نفوذ لا يتعدّى الأتباع: «المستقبل» و14 آذار في لبنان، ومن النمط نفسه أوساط في الإمارات والبحرين والأردن، كذلك بالطبع ما تملكه من أتباع علنيين في التيارات السلفية، وصلات غامضة مع الجماعات الإرهابية.
ــــ إسرائيل هي الحليف الجدي الوحيد الباقي للسعودية. السعوديون ــ المتوهّمون بقدرات تل أبيب العسكرية ميدانياً، وبنفوذها السياسي في الولايات المتحدة ــ يعتقدون بأنهم يراهنون على الحصان الفائز؛ لكن إسرائيل في أزمة استراتيجية: قوتها الردعية مثلّمة ومحدودة، أو أقله غير مضمونة. الجديد أنه لم يعد هناك مناخ سياسي لاستخدامها. وفي الوقت نفسه، فإن التعارض الصريح في المصالح بين الولايات المتحدة وإسرائيل، يضع الأخيرة أمام إمكانية وحيدة هي الحصول على ثمن ــ في الشأن الفلسطيني تحديداً ــ لقاء الانصياع.
في المحصّلة، يمكننا القول إن إسرائيل تستخدم السعودية للحصول على المزيد من أراضي الضفة الغربية، والمزيد من المستوطنات، وتهويد القدس، وتقزيم المشروع الفلسطيني. ولكن ليس لدى تل أبيب ما تمنحه في المقابل للسعودية.
السعودية، إذاً، تنتحر؛ ففي وسط عزلتها الدولية والإقليمية، ستكون عرضة للانتقام الخارجي ولانفجار التناقضات الداخلية. هذا ما سنشهده في 2014.
الوقت المتاح للصحوة السعودية محدود للغاية؛ عليها، قبل انعقاد «جنيف ــ 2»، أن تتوصّل إلى تفاهم مع دمشق. وللمفارقة سيفتح هذا التفاهم بالذات، أمامها، الفرصة لاستعادة حضورها الإقليمي، سواء في الثلاثية العربية التقليدية السابقة (مصر، سوريا، السعودية)، أو في إعادة ترتيب علاقاتها مع الولايات المتحدة، أو في حفظ مقعدها في التفاهمات الأميركية والروسية والإيرانية.
المفارقة الثانية أن دمشق التي تتشدّد بقبول الاستدارتين التركية والقطرية، ستلاقي الاستدارة السعودية بالترحاب، لثلاثة أسباب: (1) إنهاء الحرب المنهكة، وتجاوز التنازلات الممكنة في «جنيف ــ 2»، وغلق الأزمة اللبنانية، (2) الانتقال إلى لقاء مصري ــ سوري صريح يمنح السوريين الفرصة لاستعادة التوازن في العلاقات مع الحلفاء، (3) تخفيض المخاطر الإسرائيلية.
إيران، أيضاً، تتلهّف للمصالحة مع السعودية؛ فالمملكة التي تظلّ عنوان الكتلة السنية، قادرة على خفض التوتر والاحتراب المذهبيين، وضمان الحلول السلمية في سوريا والبحرين والعراق.
هل تفعلها السعودية وتستدرك، وترجع عن طريق الانتحار؟
يحتاج الأمر إلى معجزة إلهيّة.