لم يثر رئيس الجمهورية ميشال سليمان، خلال زيارته الأخيرة للسعودية، موضوع القرار الذي اتخذته دول مجلس التعاون الخليجي في حزيران الماضي بفرض عقوبات على حزب الله. هذا ما يؤكّده مصدر خليجي، مشيراً الى ان الرياض توقعت ان يفاتحها سليمان بالأمر، لأن معلومات مقلقة وصلت الى بيروت حول الآثار السلبية للقرار على مصالح الجاليات اللبنانية في هذه الدول.
وتزايد القلق بعد عقد وزراء الداخلية الخليجيين اجتماعين استثنائيين خصصا لوضع آليات تنفيذ القرار التي أقرّها الوزراء في اجتماعهم الخميس الماضي في المنامة، والذي صدر في ختامه بيان أعلن تبني إجراءات ضد «مصالح الحزب والمنتمين اليه والمؤيدين له في دول المجلس».
ولفت المصدر الى ان مجلس التعاون تعامل «بصلافة» مع اتصالات لبنانية بدوائره سعت الى الحصول على إيضاحات حول طبيعة هذه الإجراءات. وكشف لـ«الأخبار» أن الايضاحات تضمّنت الآتي:
اولاً، على الدولة اللبنانية، اذا أرادت استكشاف خلفيات موقف مجلس التعاون، العودة الى البيان الذي صدر عقب اجتماع المجلس بتاريخ ٢/٦/٢٠١٣ بوصفه «الوثيقة التي تعكس الموقف الرسمي والحقيقي لدول الخليج حول هذا الموضوع». ولفتت الإيضاحات الى ضرورة «النظر بجدية إلى الإدانة الصريحة التي تضمّنها البيان ضد مشاركة حزب الله في القتال في سوريا».
ثانياً، القرار لم يعتبر حزب الله منظمة ارهابية حتى الآن، لكن لهجته الشديدة تشير الى ان الإجراءات الراهنة خطوة أولية ستليها إجراءات أخرى أقسى وبشكل متدرج في حال لم يوقف حزب الله تدخله في سوريا.
وأشار المصدر الى أن النقطة اللافتة في الإيضاحات هي تركيزها على دعوة الدولة اللبنانية إلى «التوقف عند اللهجة القاسية للبيان بوصفها تشير إلى المدى البعيد الذي قد تذهب اليه دول المجلس في هذا الموضوع، وذلك وفق اسلوب متدرج»، إضافة إلى رفض إعطاء تطمينات حول عدم تأثر الجاليات اللبنانية في الخليج.
ويعكس تكرار هذه العبارة، في رأي المصدر، رغبة خليجية في توجيه تهديد مبطن للدولة اللبنانية وممارسة نوع من التهويل عليها لتصعيد موقفها ضد مشاركة حزب الله في القتال في سوريا.
ويجزم المصدر الخليجي بأن الرياض تقود مجلس التعاون الى خيار حرب العقوبات ضد حزب الله. ولكن اللافت انها تحاول التدرج في هذا المسار داخل المجلس بسبب تباين مواقف دوله من القرار. وهذا ما يفسر ان كل اجتماعات مجلس التعاون لتبنّي صياغات حول إجراءاته ضد الحزب، جرت في جلسات مغلقة وأحيطت مناقشاتها بسرية تامة. وهذا ما سعت اليه الرياض لطمس التباينات وإظهار ان القرارات ضد حزب الله تؤخذ بالإجماع.

عقدة امتلاك وسيلة ضغط

ويكشف المصدر نفسه ان فكرة فتح جبهة عقوبات خليجية على الحزب ليست جديدة. لكن الرياض كانت معنية دائما بعدم التفرّد بها، وتبحث عن فرصة تمكنها من جذب كل دول المجلس لتبنيها. وقد وجدتها الان من خلال طرح عنوان إدانة مشاركة الحزب في القتال في سوريا.
ويوضح المصدر ان موقف الرياض ليس جديداً وانما استمرار لبحث جار منذ سنوات لبلورة رؤية مواجهة مع حزب الله. ويكشف عن «عقدة» نشأت في الرياض، خلال مسار المواجهة مع حزب الله، بسبب شعورها بعدم نجاحها في امتلاك وسائل ضغط مباشرة وفعالة عليه. ويلفت إلى ان «ازمة عدم امتلاك وسيلة ضغط» أخضعت في السنوات الماضية إلى أكثر من مقاربة لايجاد حل لها. «في البداية استقر الرأي على فكرة شجعها الرئيس الراحل رفيق الحريري تقترح إشراك الحزب في السلطة، ما يقوده الى تغيير سلوكه عبر انغماسه اكثر في الشأن الداخلي على حساب دوره الاقليمي المطلوب إيرانياً». وبعد مقتل الحريري عام 2005 ، برزت في السعودية مقولة الانتقال الى «علاقة المناوشات» مع الحزب، وهي فكرة رئيس الاستخبارات السعودية بندر بن سلطان، ومؤداها إنشاء «حيثية نفوذ بأنياب» للسعودية في لبنان، تقضّ مضجع الحزب. والهدف المركزي لها «مواجهة الحزب بتوازنات لبنانية داخلية مستجدة تضطره لمراعاة وجهة نظر السعودية عندما يرسم خياراته السياسية الكبرى». لذلك، موّلت الرياض انشاء ميليشيات تدير مشاكل يومية مع الحزب في بيروت. وتقصّد السعوديون توجيه هذه الاحداث لخلق مناخ من الاحتقان المذهبي بهدف تغذية هواجس الحزب من امكان حدوث فتنة سنية ــــ شيعية في لبنان، ما يمكنهم من امتلاك ورقة ضغط عليه تطرح امامه مسايرة قواعد اللعبة الخاصة بالرياض، في مقابل سحبها مشروع مواجهة الشارع السني له». ويقول المصدر الخليجي ان الحزب نجح في 7 أيار 2008 في الحاق هزيمة بكل تكتيكات بندر. ووصلت الرسالة إلى الأخير حينما اعلن الحزب آنذاك انه تحرر من هاجس الفتنة السنية ــــ الشيعية في لبنان التي اصبحت وراءه.

اختراق القاعدة الاجتماعية للحزب

وخلال الفترة التي تلت انهيار خطة بندر، نوقشت في الرياض أفكار بديلة، اقترحت إحداها طرق باب الديموغرافيا اللبنانية الشيعية المقيمة في الخليج، واغراءها من خلال مصالحها الاقتصادية، لتلعب دورا سياسيا معاديا للحزب داخل الطائفة الشيعية. ولهذه الغاية وضعت اقتراحات تضمنت« آليات تأطير» للاغتراب الشيعي في الخليج. وأبدت البحرين، من بين كل دول الخليج الاخرى، حماسة مضاعفة للسير به. واجرت بالفعل اتصالات مع فعاليات لبنانية شيعية دينية ومدنية لقيادة هذا المشروع. لكن هذا السيناريو اصطدم بعقبات عدة، منها عدم تلمس قابلية لدى الاغتراب اللبناني الشيعي في الخليج لاداء هذا الدور، وثانيها ان دولا خليجية، كالامارات العربية المتحدة، كانت تسير في خطة ترمي إلى انهاء وجود الاغتراب الشيعي اللبناني فيها، لكن على مراحل. وبالتالي لم تكن في وارد استبدال خطة طردهم بخطة احتوائهم او اغرائهم. اما الكويت فكانت معاييرها في التعاطي مع هذا الملف مختلفة، انطلاقا من أسبابها الداخلية التي تمر في لحظة اتكاء الامير في صراعه مع السلفيين على تحالفه مع طبقة التجار الكويتيين، وبين هؤلاء شيعة كثر. وأثناء مناقشة هذه الفكرة برز رأي حذر من ان التدخل سياسيا في شيعة لبنان المغتربين في السعودية قد يجذب تدخلا معاكسا تجاه شيعة السعودية في المنطقة الشرقية. وربما شكل الحذر من حصول هذا الامر ابرز الاسباب التي قادت لطي هذا المشروع.

عزلة سعودية

ويلفت المصدر الى انه لا يوجد انسجام بين كل دول المجلس حول هذه القضية. فسلطنة عمان لا تتفق مع الرياض في المضي بعيدا في اعلان حرب عقوبات مفتوحة على حزب الله، وللكويت حساباتها الداخلية التي تجعلها ميالة لتهدئة اللعبة على هذا الصعيد. فيما تريد قطر العودة بفاعلية الى الساحة اللبنانية بوصفها منصة مهمة لاسترداد سياستها المشرقية. «ويمكن القول ان سياسة السعودي لرفع منسوب العداء الخليجي لحزب الله تواجه نوعاً من العزلة داخل مجلس التعاون، وهو الامر الذي يفسر تراجع الرياض في جلسة الخميس الماضي عن رفع اقتراح الى المجلس بتبني قرار بإدراج الحزب على لائحة الارهاب».
ومن وجهة نظر المصدر الخليجي نفسه، فان القرار الاخير لمجلس التعاون اتسم بطابع تقني، رغم ان الرياض أخذت منه ما تريد، وهو إضفاء سمة سياسية عليه لإظهار ان مجلس التعاون يصطف وراءها في حربها الراهنة المفتوحة على حزب الله والتي تتضمن مسارا امنيا. ويشدد المصدر على ان قرار مطاردة مصالح الحزب وبيئته في الخليج الذي اخذه اجتماع وزراء داخلية مجلس التعاون الخميس الماضي، لم يحل مشكلة تباين دول المجلس حول هذا الموضوع. ورغم ان آليات تطبيقه اتفق عليها خلال اجتماعين لوكلاء وزراء الداخلية الخليجيين، الا ان المرجح هو ان تقوم كل دولة بتفسير تطبيقاته وفق أجندتها السياسية او الامنية الخاصة بها.