غرق الرجل الأربعيني على أريكته المفضّلة في غرفة الجلوس. التقط جهاز التحكم عن بعد. عبث بالمحطات صعوداً ونزولاً. لم يجد مبتغاه على التردد الأفقي 10720 على قمر نايلسات. ربما هي العاصفة الجوية تحول دون التقاطه قناته الموعودة. يظنّ أنها مؤامرة جديدة تحاك ضده. أراد الشاب المناضل الحالي لمح «قناة اليسارية»، علّ هذا المشهد يساعده على النوم قليلاً، فيحلم بأنّ يساراً جديداً يلوح في الأفق. لم يتمّ ذلك على خير، فعادت لتراوده المشاهد المزعجة التي يراها يومياً في مجالس قوى اليسار. عملت القوى والأحزاب اليسارية العربية منذ سنوات على مشروع إطلاق «قناة اليسارية»، وقررت المضي في هذا المشروع خلال «اللقاء اليساري العربي الثاني»، الذي عقد في بيروت العام الماضي. اليوم موعد إطلاق اللقاء الثالث، في فندق «هوليداي إن» في فردان ــ بيروت، على أن تختتم أعمال المؤتمر يوم الأحد. يحمل اللقاء شعارات كثيرة، وعنوانه الأساسي «جبهة مقاومة وطنية عربية لمواجهة الامبريالية ومن أجل التغيير الديموقراطي الجذري».
بين قضايا التغيير والإصلاح والاقتصاد والاجتماع والدين والدولة وقضية فلسطين، يتأخر ملف «قناة اليسارية» على جدول أعمال اللقاء، إذ سيناقش في اليوم الأخير من المؤتمر، الأحد المقبل. وحصر معدّو جدول أعمال اللقاء الثالث هذا الموضوع بساعتين من الوقت، بعد الفطور وقبل استراحة الجلسة الختامية.
ماذا عن عملية إعداد هذا المشروع وخلفياتها، وكيف ينظر إليها الشيوعيون اللبنانيون؟
يقول الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني، الدكتور خالد حدادة، إن المكتب السياسي في الحزب يدعم هذا المشروع بالمطلق، مشيراً إلى أن المكتب سجّل مجموعة من الملاحظات الإيجابية الهادفة إلى تطوير المشروع. يضيف أن على الحزب المساهمة في إنجاح هذه التجربة.
النظرة التفاؤلية التي ينطلق منها حدادة لتناول ملف اليسارية تصطدم بالكثير من الوقائع السلبية «الهدامة» التي يتحدث عنها مسؤولون في الحزب. يروي هؤلاء أنّ حدادة، قبل ثلاثة أشهر من اليوم، أراد زف بشرى سارة للرفاق في الحزب وحوله. فقال في ورشة عمل تنظيمية داخلية إنّ قناة اليسارية انطلقت. يومها خرج الشيوعيون من اجتماعهم وفي أذهانهم أنّ «انتصاراً على الظلم والإمبريالية قد تحقّق». هلّلوا في المقاهي والحانات والمجالس لهذا المشروع واعتبروا أنّ «عودة اليسار لن تكون إلا من هذا الباب، وخصوصاً أن هذا المشروع يجمعنا برفاقنا العرب، الأمر الذي سيساعدنا على الانتشار ولملمة الصفوف».
لكن مع مرور الوقت، بدأ التفاؤل ينحسر، وما ظنّه الشيوعيون خطوتين إلى الأمام بعد واحدة إلى الوراء، تبيّن أنه «فشخات» إلى الوراء. يملك هؤلاء الكثير من الملاحظات على إدارة قيادتهم لهذا الملف، وتحديداً «الرفيق خالد». فالأخير، بحسب أعضاء في اللجنة المركزية، ترأس اجتماعاً للمكتب السياسي للحزب قبل مدة، وعرّف عن نفسه بأنه، إضافة إلى كونه الأمين العام، رئيس مجلس الإدارة في قناة اليسارية!
لا يرضى كثيرون من الشيوعيين بهذا الموقع الجديد التي تبوأه حدادة، وخصوصاً أنّ هذا القرار اتُّخِذ دون مناقشة المرجعية الأعلى في الحزب، أي اللجنة المركزية. أما حدادة فيؤكد أنّ هذه اللجنة ناقشت الموضوع، «ومن يعترض ويقول العكس، ربما تغيّب عن اجتماعات اللجنة المركزية». أما المعترضون، فيشيرون إلى أنّ القضية الوحيدة التي طرحت على النقاش في اللجنة تتعلّق بآلية التوظيف في القناة، وأنها طُرِحت على خلفية سؤال.
يبدو أنّ حدادة وقيادة الحزب يسيران في تنفيذ هذا المشروع من دون الالتفات إلى المعارضين له. إذ جرى استئجار مكاتب مخصصة للقناة بين منطقتي مار مخايل وغاليري سمعان (الشياح)، كما باشر المعنيون بالإدارة إلى الاتصال بعدد من «الرفاق» و«الأصدقاء» المطلعين على الشأن الإعلامي، محاولين الاستفادة من بعض الخبرات.
وتشير المعلومات إلى أنّ حصص ملكية «اليسارية» توزّعت على الشكل الآتي: الحزب الشيوعي اللبناني، باسم خالد حدادة، 34%. الحزب الشيوعي السوري ــ فرع قاسيون، باسم قدري جميل، 34%. مخايل عوض 32%. مع العلم أنّ رأس المال الذي تكوّن حتى الآن يقدّر بـ900 ألف دولار، نتيجة مساهمة جميل بـ700 ألف دولار وعوض بـ200 ألف أخرى. أي أن الشيوعي اللبناني يملك الحصة الأكبر من دون أن تكون له أي مساهمة مالية. تضاف إلى ذلك اسئلة يطرحها شيوعيون كثر عن الخلفيات السياسية لكل من الشريكين في القناة. فالمساهمان الوحيدان في مالية المؤسسة واضحان في توجّههما السياسي، خصوصاً حيال النظام في سوريا.