على الغلاف | ماذا يفعل مواطن لبناني مسجون في بلد أجنبي؟ اذا كان من كبار تجار الألماس في أفريقيا، فسـ«يتداعى» النواب الى ارسال وفد رفيع منهم إلى الدولة المعنية لمعالجة الأمور.
اذا كان من كبار المستثمرين في القطاع المصرفي في لبنان او في أوروبا، فسيتحرّك رجال الاستثمارات في كل الامكنة لإطلاقه.
إذا كان من سلاطين الفنّ، فسيحج الجمهور الى مطار رفيق الحريري الدولي وترفع لافتات «مش guilty».

أما إذا كان الموقوف مواطناً عادياً... فلا شيء يمكن القيام به!
ماذا يفعل معتقل سياسي لبناني في سجن فرنسي؟ حتى الآن، يبدو الجواب: لا شيء. فلا سلك ديبلوماسياً يسأل، ولا عائلة حزبية تنشط ولا قوى سياسية معنية تتحرّك. جورج ابراهيم عبد الله، المعتقل في السجون الفرنسية منذ تشرين الأول 1984، لا يخطر على بال سوى عائلته والمقربين منه وعدد من الشباب الناشطين في اتحاد الشباب الديموقراطي. هؤلاء وحدهم يلمّون بتفاصيل الملف، ويعرفون أنه أنهى «محكوميّته» منذ 12 عاماً، وأنّ قراراً سياسياً فرنسياً وغربياً يقضي بإبقائه في سجنه. هؤلاء يعرفون أنّ النيابة العامة الفرنسية رفضت واستأنفت وأوقفت قرارات المحاكم الفرنسية لإطلاق عبد الله، وأنّ الأخير تقدّم 9 مرات بطلبات إخلاء سبيل رفضتها كلها السلطات القضائية والسياسية الفرنسية. وهؤلاء هم من يدرك أنّ السلطات الفرنسية تبقي جورج عبد الله في سجنه لكونه يجيب القضاة الفرنسيين في المحاكم، رداً على سؤالهم، بأنه لن يتوقف عن العمل السياسي والنضال لتحرير فلسطين بعد خروجه من السجن.
نشاط المعنيين بقضية جورج عبد الله مقسوم إلى مستويين: مستوى دولي من خلال «الحملة الدولية للإفراج عن جورج ابراهيم عبد الله»، وآخر محلي ينشط باسم «لجنة رفاق جورج ابراهيم عبد الله» ويضمّ أهل جورج وأصدقاءه واتحاد الشباب الديموقراطي وشخصيات مستقلة.
مرّ 28 عاماً على اعتقال عبد الله. الجهل اللبناني الرسمي والسياسي والحزبي يتعدّى أحياناً سؤال المسؤولين: مَن هو جورج ابراهيم عبد الله؟. والبعض يسلّم برأي السلطات الفرنسية بكونه «إرهابياً ومخرّباً». وهو ما يترجم الواقع الآتي: مثلاً، أحد المقرّبين من الرئيس ميقاتي يؤكد أن رئيس الحكومة لا يعلم حتى اليوم ما إذا كان سيطرح القضية على جدول نقاشاته خلال زيارته المرتقبة إلى فرنسا في الأسبوع الأول من شباط، علماً أن زيارة وفد الحملة الدولية اليوم للسرايا.
قبل ما يقارب أسبوع، حصل تواصل بين «الحملة الدولية» والقنصل اللبناني في فرنسا، غادي الخوري. أبلغ الأخير «الرفاق» أنه تداول مع المسؤولين الفرنسيين وأبرق إلى وزارة الخارجية نتائج النقاش. ليتبيّن لاحقاً أنّ الدولة الفرنسية تلاحظ «عدم مطالبة الدولة اللبنانية بالإفراج عن عبد الله»، الأمر الذي يترك الكثير من الأسئلة حول أداء الحكومة اللبنانية، الحالية وسابقاتها.
قبل أسبوعين، في 5 كانون الثاني 2012، وجّه عضو كتلة الاصلاح والتغيير، النائب سيمون أبي رميا سؤالاً الى وزير الخارجية عدنان منصور، مستفسراً عن موقف الدولة وتقاعسها عن المطالبة بتحرير المعتقل. الجواب تأخر، ويفترض ان هناك ساعات قليلة قبل وصول الردّ المكتوب لمنصور، والذي حار ودار لأيام بين السرايا الحكومي ومراكز القرار باحثاً عن الأجوبة اللازمة.
الأجواء السياسية توحي بأنّ ثمة ما يجول في خاطر القوى السياسية النيابية، تحديداً على صعيد تكتل الإصلاح والتغيير وكتلتي الوفاء للمقاومة والتنمية والتحرير. فبعد تحرك أبي رميا، أشارت مصادر مطّلعة إلى أنه تم تكليف النائبين نوار الساحلي (حزب الله) وعلي بزي (حركة امل) مواكبة هذا الملف. الأخيران يعملان بعيداً عن الإعلام. ربما يحاولان كسب الوقت للاطلاع على تفاصيل القضية.
جوزيف عبد الله، أخو جورج والناشط في إطار «لجنة الأهل» و«الحملة الدولية»، يقول إنه «في ضوء عمل الحملة وبعض التطوّرات نلحظ كلاماً يوحي بإعادة طرح قضية جورج». يستند جوزيف في قوله هذا إلى ما سبق أن أعلنه الرئيس الأسبق لجهاز الاستخبارات الفرنسية، ايف بونيه، لصحيفة «لا ديبيش» يوم 7 كانون الجاري، إذ هاجم دولته معتبراً أن استمرار اعتقال جورج «فضيحة» ومعتبراً أن القضية باتت «قضية انتقام دولة». يقول جوزيف انّ ثمة تطوّرات يجب التوقّف عندها «دون إيهام أنفسنا بأي أمر». أي دون إيهام رفاق وأصدقاء جورج بأنّ الدولة اللبنانية قادرة على التحرّك وتحرير مواطنها.
من جهة أخرى، يقول مسؤول لجنة رفاق جورج في اتحاد الشباب الديموقراطي، حسن صبرا، انّ الاتحاد مستمرّ بالعمل على هذه القضية منذ 2006 ولحين إطلاقه. يضيف صبرا أنّ التواصل مباشر مع «المناضل» لكونه «يثق بنا وبنشاطنا وينسجم مع أفكارنا».
في لقاء اليوم، لن يتردّد ضيوف السرايا الحكومية في تحميل الرئيس ميقاتي مهمّة نقل العمل على تحرير جورج عبد الله من المستوى المدني إلى الرسمي. أهم ما يمكن ميقاتي القيام به هو طرح الملف على جدول أعمال زيارته في باريس، فمن شأن هذه الخطوة تحويل قضية جورج من «قضية مخرّب» إلى قضية معتقل سياسي تطالب دولته باسترداده.

■ من يرغب في مراسلة الأسير جورج إبراهيم عبد الله في سجنه، يمكنه توجيه رسالته إلى العنوان الآتي:

Georges ABDALLAH
2117/A – CP de Lannemezan
204 rue des Saligues
BP 70166
65307‐ LANNEMEZAN




المقاومة وجورج عبد الله

حاولت فرنسا بعد عامي 1996 و2000، لعب دور مركزي في ملف المفاوضات بين إسرائيل وحزب الله، حول تبادل الأسرى والمفقودين.
بعد العام 1996، وإثر الدور الذي لعبته باريس في انجاز تفاهم نيسان، لم يمانع حزب الله توسع الدور الفرنسي، وبعد عملية انصارية، حاول الرئيس الراحل رفيق الحريري منح فرنسا دوراً اضافياً، ولم يكن حزب الله معارضاً، برغم ان فرنسا وعدت، على سبيل الاغراء، بأنها ستساعد على معالجة بعض الملفات الاضافية.
ووصلت رسالة مفادها أن باريس مستعدّة لإطلاق سراح جورج عبد الله، اذا تولّت هي ادارة المفاوضات.
حزب الله لم يمانع، وهو الذي كان قد اعد ملفاً خاصاً بعدد من اللبنانيين والفلسطينيين المعتقلين في دول أجنبية على خلفية الصراع العربي ــــ الاسرائيلي، لكن تل أبيب رفضت، وتراجعت فرنسا.
بعد عملية اسر ثلاثة جنود للعدو الاسرائيلي في شبعا عام 2000، وأسر ضابط رابع، تقدمت فرنسا ايضاً بعرض للقيام بالوساطة بين اسرائيل وحزب الله، وفي هذه المرة، وعدت أيضاً بأنها ستبادر إلى اطلاق جورج، وتولّى نافذون في الاستخبارات الخارجية الفرنسية ايصال الرسالة.
حزب الله كان أيضاً موافقاً، لكن اسرائيل رفضت من جديد، وأصرّت على أن تتولى ألمانيا ادارة الملف، ويومها اقفلت باريس ملف جورج من جديد.