حماس في وضع مختلف. رئيس مكتبها السياسي خالد مشعل صار متنقلاً بين قطر ومصر والسودان، ويزور بتقطّع سوريا والأردن وتونس. القادة الآخرون توزّعوا على عدد من العواصم، والنقاش داخل الحركة يتأثر حكماً بواقع النظام العربي في ضوء النفوذ المتزايد لحركة الإخوان المسلمين في المنطقة. وهناك ملف العلاقة مع سوريا وإيران إلى جانب ملفها الداخلي. يروي مطّلعون أنه في الاجتماع الأخير لمجلس الشورى، وهو أعلى هيئة قيادية في حماس، الذي عقد هذه السنة في السودان، قدّم رئيس المكتب السياسي خالد مشعل تقريره عن أشغال القيادة خلال المرحلة الماضية. عادةً يقدم هو تقريراً موجزاً وسريعاً، لكنه هذه المرة أفاض في الحديث، عارضاً واقع الحركة في ضوء المتغيرات القائمة في الشارع العربي. وانتهى إلى التأكيد على المقاومة كخيار أكيد ووحيد لتحرير الأرض. ثم فاجأ الحاضرين بإعلانه أنه بعد انقضاء 16 سنة على توليه مهمّات رئاسة المكتب السياسي، يعتقد أن الوقت قد حان لتولّي آخرين كل مسؤوليات القيادة، وأنه يعرف أنه ليس منطقياً أن يطالب بتغييرات تطاول مواقع أخرى، من دون أن يبادر هو إلى التقدم بطلب إعفائه من مهمة رئاسة المكتب السياسي.
تعامل الحضور مع الخطوة على أنها مفاجأة جدية. البعض وصفها بأنها «خطوة جريئة وغير مسبوقة على صعيد قادة الحركات الثورية الشابة»، إلا أن الردود اختلط فيها الموقف الأخلاقي بالموقف العاطفي وبالموقف السياسي والتنظيمي. وبرز تيار غالب يقول إن الأوضاع القائمة توجب على مشعل الآن الاستمرار بمنصبه، وإنّ وقت التغييرات القيادية الكبرى في الحركة ليس الآن، سواء على مستوى رئاسة المكتب السياسي أو على مستوى الهيئات القيادية الرئيسية. وقد تبع هذا الموقف عقدُ هيئات أساسية في الحركة، من بينها الحركة الأسيرة في السجون، وقادة من الداخل، اجتماعات تقويمية، انتهت الى إبلاغ مشعل الرغبة في بقائه في منصبه.
على أن الأهم في المواقف ما نسب إلى القائد العام لكتائب عز الدين القسام، المجاهد محمد ضيف، الذي طلب من ممثل الجناح العسكري في القيادة السياسية أحمد الجعبري، إبلاغ كل الأطراف في الحركة، من مشعل نفسه إلى منافسيه، مثل محمود الزهار أو موسى أبو مرزوق، وصولاً إلى المرشح التوافقي المقترح، أي إسماعيل هنية، أن الجناح العسكري يرى أن الوقت غير مناسب لتغييرات بهذا الحجم، وأنه يؤيّد بقاء مشعل في موقعه. حصل ذلك باعتبار أن الجناح العسكري يملك نفوذاً قوياً داخل الحركة، وعلى الأرض، وهو بادر الى إطلاق موقف لحسم جدال قام على أثر توسع الشائعات بشأن المستقبل القيادي، وخصوصاً أنه تبيّن للجميع، وخصوصاً للجناح العسكري، أن قادة بارزين في الحركة يقفون خلف معظم هذه الشائعات وهذه التسريبات، علماً بأن الجميع توافقوا على ترك الأمر إلى منتصف السنة الحالية، إذ من المفترض عقد المؤتمر التنظيمي الذي يصار خلاله إلى انتخاب قيادة جديدة.
في الجانب السياسي، تشهد الحركة مناقشات واسعة في ضوء وصول الإخوان المسلمين إلى الحكم في مصر وتونس، وتحقيق نفوذ كبير في ليبيا واليمن ودول عربية أخرى. وإذ يشدّد القادة على أن الموقف النهائي للحركة سيظل رهن مسألة المقاومة، فإن هؤلاء يشيرون إلى تأثيرات لا بد منها على جسم الحركة، وعلى عقلها، وإلى أن في الحركة تياراً قوياً يريد استثمار نجاحات الإسلاميين لدعم مشروع المقاومة، وعدم الاكتفاء بالنصائح التي تدعو إلى استغلال حالة الضعف التي يعيشها الشريك الفلسطيني الآخر، والذهاب معه إلى تسوية تمنح الحركة شرعية شعبية ورسمية فلسطينية وعربية كاملة، يضطر العالم إلى التعامل معها.
لكنّ النقاش يصبح أكثر تعقيداً عندما يتعلق الأمر بانعكاس التطورات العربية على الموقف من سوريا ومن إيران. وفي هذا السياق، يقرّ القادة في الحركة بالجمود القائم على مستوى العلاقات الرسمية بين قيادة الحركة والقيادة السورية، وبأن الرئيس الأسد رفض مرات عديدة الاجتماع مع قيادة الحركة، لأنه يعتقد أنها «لم تقف إلى جانب النظام في مواجهة المؤامرة التي تتعرض لها سوريا».
ويشير المعنيون الى أن حماس ترى أنّ النظام في سوريا كان حاضراً بقوة إلى جانبها، وأن ما رافق العدوان على غزة قبل ثلاثة أعوام كان ولا يزال شاهداً حياً، ليس عند قيادة الحركة في دمشق فقط، بل عند الجهاز العسكري في غزة نفسها، وأن الحركة تقابل هذا الموقف بقدر عال جداً من الوفاء.
إن حماس أبدت في وقت مبكر، من خلال مناقشات مباشرة مع الرئيس السوري، حذرها من حملة عالمية يعَدّ لها على خلفية بروز احتجاجات في سوريا. وهي دعت إلى الحل السياسي من خلال مبادرة النظام إلى رزمة إصلاحات تحتوي الشارع، وتساعد على جذب المعارضة الوطنية والإسلامية، وإبعاد وعزل المعارضين المتصلين بدوائر غربية تريد الشر لسوريا ولقوى المقاومة. وإن حماس اتصلت بقادة إسلاميين عرب وأتراك لعدم الدفع نحو مواجهة تقود إلى حرب أهلية في سوريا.
يقرّ القادة في الحركة بقرار عدم الإقامة الدائمة في سوريا، وبأن المجلس العسكري المصري يرفض كما الأردن الإقامة الدائمة لقادتها في القاهرة أو عمان، كذلك فإن القطريين والأتراك يقدمون تسهيلات لوجستية لكن شرط اقتصار الأمر على الجانب السياسي فقط.