في النشرة التوجيهية التي أصدرتها قيادة الجيش للعسكريين في التاسع من آذار الماضي، حذّرت القيادة بلهجة غير معهودة من اختراق المؤسسة العسكرية. ما هي إلا أيام قليلة، حتى بان سبب هذه اللهجة: شبكة وصِفَت بالسلفية، وبأنها تابعة لكتائب عبد الله عزام، كانت تسعى لتجنيد عسكريين في الجيش، بهدف تفجير بعض ثُكَنه. وبعيداً عن الدور الذي أداه العسكريان اللذان استهدفتهما الكتائب بالتجنيد، وبغض النظر عمّا إذا كانا فعلاً قد تورّطا مع من كان يتصل بهما، فإنه لا أحد من الأمنيين الجديين ينكر وجود حالة كانت تسعى لاختراق الجيش. وبعد إماطة اللثام عن «الشبكة التكفيرية»، اكتشفت المؤسسة العسكرية اختراقاً من نوع آخر كان كامناً في داخلها: عسكريون يسرقون أسلحة أميرية، ويبيعونها إلى تجّار سلاح ينقلونها بدورهم إلى مناطق في بيروت، وفي الشمال، ومنها إلى سوريا. وهناك، يستفيد منها رجال الجيش السوري الحر. حتى يوم أمس، كان المعنيون في المؤسسة العسكرية يتكتّمون على ما يجري، لكن البحث يؤدي إلى تأكيد عدد من الوقائع، أبرزها الآتي:
أوقفت مديرية استخبارات الجيش رتيباً يعمل أمين مستودع في واحدة من كتائب اللواء الثامن. والعسكري الموقوف يُدعى خ. ح، من بلدة عرسال البقاعية. وجرى توقيفه بعد الاشتباه في سرقته عدداً كبيراً من الأسلحة والذخائر من مستودع الكتيبة، ثم بيعها. كذلك أوقفت الاستخبارات رتيباً آخر من الكتيبة ذاتها، للاشتباه في كونه تستّر على زميله في العملية ذاتها.
ويتداول أمنيون على نطاق واسع في أن تحقيقات الجيش أفضت إلى الاشتباه في عسكري آخر في اللواء اللوجستي. لكن المسروق من «اللوجستي» ليس من العتاد الأميري، بل من الأسلحة والذخائر التي تصادرها القطعات العسكرية من المطلوبين والمطاردين ومن مطلقي النار، أو ممن يحملون أسلحة من دون ترخيص.
وبيّنت التحقيقات أن البنادق الرشاشة المسروقة من مستودع الجيش يفوق عددها تسعين بندقية، إضافة إلى كمية كبيرة من الذخائر. وبناءً على التحقيقات التي أجريت، أوقفت استخبارات الجيش أكثر من عشرة أشخاص، في البقاع وفي منطقة الطريق الجديدة، إذ تبيّن أن مجموعة كبيرة من الأشخاص يشترون الأسلحة الأميرية، وتلك التي في عهدة الجيش، ثم ينقلونها إلى منطقة البقاع، حيث يجري تهريبها إلى الداخل السوري لتصبح في حوزة مسلّحي المعارضة السورية.
وتسري شائعات كثيرة في الأوساط الأمنية بشأن هذه القضية، علماً بأن معظمها غير صحيح، بحسب مصادر أمنية مطّلعة على الملف. وتلفت هذه المصادر إلى أن معظم الموقوفين أحيلوا على المحكمة العسكرية، حيث باشر قضاء التحقيق العسكري استجوابهم.
وتلفت المصادر إلى أن ما جرى اكتشافه دفع قيادة الجيش إلى مراجعة آليات تفتيش مخازن الأسلحة، وخاصة لناحية التشدد فيها. وبدأت داخل المؤسسة العسكرية حملة واسعة للتثبت من عدم تكرار ما جرى، ولتأكيد إجراءات حماية الأسلحة والأعتدة الحربية والمدنية العائدة للجيش.
وأكدت مصادر متابعة للملف أن ما ورد في النشرة التوجيهية لقيادة الجيش في التاسع من آذار الماضي لم يكن وليد ساعته، بل بسبب «علم القيادة بأن مستوى استهداف المؤسسة العسكرية مرتفع جداً في هذه المرحلة الحساسة». وأكدت المصادر أن الجيش لن يتهاون أبداً مع أي عسكري أو مدني يثبت تورطه في كل ما يمسّ أمن المؤسسة العسكرية وأمن البلاد عموماً.
من جهة أخرى، لفت مسؤولون أمنيون إلى أن مشكلة تواجه تجار السلاح في لبنان، الذين يريدون نقله إلى المجموعات المسلحة التابعة للمعارضة السورية. فبعض تجار السلاح تلقّوا تعليمات سياسية وأمنية بالامتناع عن بيع السلاح «لغير المضمونين سياسياً»، فيما البعض الآخر نفد مخزونه، ولم يعد سهلاً جمع بديل منه من السوق، رغم ارتفاع الأسعار إلى حدود غير مسبوقة. ولفتت المصادر إلى أن هذا الواقع دفع الراغبين في نقل السلاح إلى سوريا إلى ابتكار أساليب أخرى للعثور على أسلحة، كسرقة بعض المحال التي تبيع أسلحة صيد يمكن استخدامها في المعارك، فضلاً عن اللجوء إلى إغراء بعض من في عهدتهم الأسلحة، سواء في الأحزاب اللبنانية (وبعضها حليف لسوريا) أو كما جرى مع العسكري الموقوف.