في جولة المساءلة النيابية الأخيرة للحكومة، أراد النائب سامي الجميل الظهور بصورة «الفتى الخارق». لم يرد أن يكذب على نفسه وناسه، فطرح الثقة بالحكومة. البحث في ما إذا كان ذلك أحرج فريق 14 آذار موضوع آخر، لم ولن يدور في عقله، باعتبار أنّ مهمّته هي تطهير صورته وتلميعها.
في الفترة القصيرة التي قضاها في مجلس النواب، منذ حزيران 2009، تعلّم «فتى الكتائب» أموراً كثيرة. بات يعلم كيف يتعامل مع الخصم. يدلّله بأطيب الكلمات، مثل «حبيب قلبي الحاج علي عمّار»، ثم يطلق انتقاداته، فيقع الخصوم في هول كلماته الأولى ولا يعكّرون صفو خطاباته، كما يفعلون مع غيره. اتّخذ الجميّل من هذا الأسلوب قاعدة عامة، وبات يعتبر أنّ بإمكانه تحقيق بعض المكتسبات من خلال العلاقات الشخصية.
يتحدث من يتابع حركة الجميّل عن قيامه بحملة انفتاح على الجميع. بدأ بالبيت الكتائبي، فأصلح الأمور مع النائب نديم الجميّل، بعدما أقصاه في الانتخابات التنظيمية الحزبية. قبل أسابيع، اجتمع ابنا العم في جلسة غسل قلوب اتفقا خلالها على عدم تعرّض أحدهما للآخر.
وتلازم ذلك مع تصحيح العلاقة مع معراب بعد فتور في الفترة السابقة، وتحديداً بعد حادثة احتفال إذاعة لبنان الحرّ بين أمن القوات اللبنانية ومرافقي النائب الشاب. احتوى رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع الحادثة، واتّصل بالرئيس أمين الجميّل. لكنه لم يرفع السماعة ليتحدث مع الجميّل الابن، الذي «أخذ على خاطره». استمرّ الفتور حتى «هيصة» كتاب التاريخ. هنا، تقدّم سامي على القوات. استبق الاعتصام الذي قرّره القواتيون ودعا شباب الكتائب إلى تظاهرة رياض الصلح، حيث تعرّض بعضهم للضرب على أيدي عناصر قوى الأمن، بعدما تلقى ضابط ضربة على وجهه. وبعد المؤتمر الصحافي الذي عقده الشيخ سامي، اتّصل جعجع به مهنئاً، واتفقا على لقاء عقد في معراب قبل نحو أسبوعين. اتّفق الرجلان على حصر الخلافات وتوحيد الصف عبر ثلاثة عناوين: الوحدة المسيحية، التأكيد على أن النظام في سوريا عدو، وعلى كون حزب الله خصماً.
حلّت الأمور مع جعجع، وبات سامي قادراً على الحركة أكثر. تابع اتصالاته المعتادة مع نواب تكتل التغيير والإصلاح، في المتن وبعبدا، وتابع علاقته مع الحلفاء والخصوم.
ونتيجة الانفتاح، بدأ يتبع أسلوباً جديداً في التعامل مع الأطراف. تُرجم ذلك في كلمته في مجلس النواب حين دعا جميع القوى إلى المساعدة في بناء الوطن كل من موقعه. منطقه في هذا هو: «ابقوا حيث أنتم في أحزابكم، لكن لنتّفق على الملفات والقضايا ونحافظ في الوقت نفسه على انتماءاتنا».
تصاعد حركة سامي غير مكتمل. في المجالس نفسها التي يدعو فيها الأطراف إلى المساعدة من مواقعها، يقول: «مسيحياً، ميشال عون وسمير جعجع خَرَبونا»، ليعود ويطرح نفسه كـ«موحّد للمسيحيين». وفيما يبعث برسائل إيجابية إلى جعجع، تجده في مجلس النواب «يسرق» فكرة القوات في المطالبة بلجنة تحقيق في شأن الكهرباء وبواخرها، ليهرب إلى الأمام طارحاً الثقة بالحكومة.
حركته يخربها طموحه اللامحدود في تكوين هذا «الموحّد». يريد أن يرث ويؤثر، في آن، على قاعدة الكتائب والقوات والتيار الوطني الحرّ. وما يعيقها أيضاً، سامي نفسه. مثلاً، كاد بلحظة ثقة زائدة بالنفس أن يطيح علاقة الكتائب بمحطة «إم تي في». فخلال قيام فريق عمل من المحطة بتصوير تحقيق في محيط مركز الحزب في الصيفي، صادر أمن الكتائب شريط التسجيل. حاول رئيس مجلس إدارة المحطة ميشال المرّ استعادته عبر الاتصال بالجميليين وعجز، فردّ بعدم تغطية نشاط الكتائبيين في ذكرى الحرب الأهلية على هواء المحطة. سارع سامي في 14 نيسان إلى حصر التداعيات، محاولاً الاتصال بالمرّ وغيره من المسؤولين في «إم تي في». لم يجب أحد على اتصالاته، فكان أن أرسل الشريط المصادر إلى مبنى المحطة في اليوم التالي.