بعد وصول الباخرة لطف الله 2 إلى بحر لبنان وانكشاف أمرها، كُشف بعد عدة أيام على مستوعبين آخرين مملوءين بالسلاح المستورد للمعارضة السورية عند شاطئ طرابلس، ويحتويان على 500 مسدس (بينها مسدسات مزودة بكواتم للصوت) وكميات كبيرة من الرصاص. وبعد يومين من ذلك، كانت الأجهزة الأمنية ترصد وتتابع باخرة ثالثة يقال إنها في طريقها إلى شواطئ شمال لبنان.
مصدر في الاستخبارات الفرنسية يعزو تكثيف عمليات تهريب السلاح عبر لبنان إلى سوريا، إلى حقيقة أن تركيا والأردن والعراق اتخذوا أخيراً إجراءات تصعب عمليات تهريب السلاح عبر حدودهم إلى سوريا. لذلك، لم يبق أمام الناشطين في الخارج على خط تهريب السلاح للحراك السوري المتعاظمة حالة عسكرته، سوى المنفذ اللبناني عبر ساحله الشمالي.
وتقول معلومات متقاطعة إن قيادة أركان الجيش الأردني ترفع في مقابل شعار الإخوان المسلمين الأردنيين المنادي بمساندة «الثورة السورية» بالتسليح والمساعدات، شعار «الدار أولاً»، وترجمته العملية هو إعطاء مصلحة الأمن الوطني الأردني الأولوية في التعامل مع الحدث السوري. وتحت هذا العنوان صاغ الجيش الأردني وأجهزة الأمن الأردنية، مقولة أنه يجب رفع جدار فاصل بين الواقع السياسي والأمني السائد الآن في سوريا وبين الوضع السياسي والأمني الأردني، خشية أن تنتقل عدوى الفوضى وسمات الحراك الإسلامي الناشئ هناك إلى المملكة. وتؤكد معلومات موثوقة أن عمّان رفضت في مرحلة سابقة طلباً من الاستخبارات الأميركية السماح لشركة أميركية خاصة بتموضع عناصر لها على الحدود الأردنية _ السورية لتدريب عناصر سوريين معارضين، على السلاح وعلى عمليات إدارة استيعاب مخيمات للنازحين السوريين وحمايتها.

مناورة بحرية في الإسكندرية

وفي مصر التي لا حدود لها مع سوريا، تعمل الأجهزة الأمنية على تحصين الموانئ في بورسعيد والإسكندرية لمنع استخدامهما في علميات تهريب السلاح إلى سوريا، عبر بواخر تمر «ترانزيت» فيها آتية من ميناء مصراطة الليبي إلى ميناء طرابلس اللبناني.
وفي معلومات لـ«الأخبار» أنه يوم الرابع من الشهر الجاري نفذت شرطة ميناء الإسكنرية مناورة بحرية ضخمة في محيط المرفأ بواسطة قوارب الزودياك الفائقة السرعة. وكشفت أوساط مصرية مطلعة، أن قرار إجراء المناورة أوجبته استنتاجات توصلت إليها قيادة شرطة الميناء على خلفية مرور السفينة لطف الله 2 عبر الإسكندرية. والرسالة التي أرادت إيصالها هذه المناورة هي إخافة كل من يخطط لاستخدام ميناء الإسكندرية لتهريب السلاح أو الأشخاص بشكل غير قانوني.
والسبب الذي دفع مصر إلى اعتبار حادثة الباخرة «لطف الله 2» ذو معنى هام، ينبع من وجود معلومات عن نشاط لـ«سكة» بحرية متوسطية يستخدمها تنظيم «القاعدة» بطرق ملتوية في تهريب السلاح عبر واجهات إسلامية تتغطى دولياً وإقليمياً بأنها جزء من الحراك الشعبي العربي. ويوجد استنتاج لدى القاهرة بأن رحلة باخرة «لطف الله 2» هي جزء من نشاط هذه «السكة».
ويدعم هذا الاستنتاج من ناحية ثانية ووفق مصادر أخرى، ظهور وقائع على صلة بالباخرة وحمولتها. فصاحب الباخرة يدعى محمد خفاجة، وهو يقيم حالياً في دمياط، وتسجل سيرته الذاتية أن اسمه كأحد أثرياء التجارة البحرية، صعد بسرعة فائقة وأنه اشترى باخرة «لطف الله2» قبل عشر سنوات، من الدانمارك، وهي من صناعة ألمانية، وحمولتها 3900 طن، وكان قد اشترى أيضاً قبل خمس سنوات خمس سفناً أخرى.
وتضيف المعلومات المتوافرة عنه أن سبب ثرائه السريع وصعوده المفاجئ في عالم التجارة البحرية، يعود إلى كونه يمتهن تجارة تهريب البشر الممنوعة، وذلك من مرافئ مصر باتجاه اليونان، ومن هناك يتدبر الأشخاص الذين يهربهم عبر سفنه، ومنها باخرة «لطف الله 2»، طريقهم إلى أوروبا بواسطة شبكات يختلط فيها نشاط القاعدة بنشاط مافيات تجارية.
وعن احتمالات تورط خفاجة بعملية تهريب السلاح على متن باخرته، تشير مصادر مطلعة إلى أن رحلة الباخرة من ميناء الإسكندرية إلى طرابلس، تكلف 20 ألف دولار، ولما كان في الباخرة ثلاثة مستوعبات، فإنه بحسب الأسعار المعتادة، يتقاضى عن كل مستوعب ما بين ألف وخمسمئة دولار وألفي دولار. بناءً عليه، إن مجمل المبلغ المستحق له، كثمن لرحلة باخرته إلى طرابلس، هو ستة آلاف دولار، ما يطرح عدة أسئلة عن دوره.

تزوير في المانفيست

وتظهر المعلومات أن المانفيست الصادر من مصراطة عن رحلة الباخرة لا يحمل أي توقيع من السلطات الجمركية. وهذا يرسم شكوكاً حول أن تكون كل أسماء شركات الشحن المسجلة فيه، وهمية. وهناك أساس إضافي لإطلاق هذا الشك: فالوزن المسجل في المانفيست لحمولة الباخرة من المستوعبات الثلاثة هو 31 طن وهو وزن يعتبر فوق الطاقة القصوى لسعة المستوعب.
وبحسب ما هو مسجل في المانفيست بالعربية، إن عنوان الشركة المرسلة إليه الحمولة في لبنان، هو مطاوع ريما. لكن تسجيل الاسم باللغة اللاتينية جاء «رينا»، لا «ريما». والأغرب من ذلك عدم ظهور رقم السفينة في البوليصة وفقاً لما هو متبع في قواعد الشحن البحري.

نتائج التحقيق

أما بالنسبة إلى صاحب شركة الشحن مطاوع عمر ريما، فإن المعلومات تفيد بأنه كان موجوداً في السعودية عندما اتصلت به مجموعة من المعارضين السوريين وعرضوا عليه فكرة أن يسهم في دعم «الثورة السورية». وتقول وقائع التحقيق إن المعلومة عن الباخرة وصلت إلى طرف أمني رسمي لبناني، خلال الفترة الزمنية التي كانت توضَّب فيها الأسلحة في ليبيا، عن طريق شخص لبناني أوضح أن خطة التهريب تقضي بنقلها، بعد إفراغها، إلى مخابئ أعدت مسبقاً في منطقة عكار، وبعد ذلك يصار لنقلها إلى داخل سوريا. في المقابل، كانت خطة الجيش اللبناني تقضي بعدم القيام بضبط الأسلحة المهربة إلا في المرحلة الثانية، أي عندما تُخزَّن في المخابئ المعدة لها. لكن في آخر لحظة قررت قيادة الجيش ضبطها في عرض البحر.